هذا يوم للفرح النسوي...يوم تكرم فيه نساء العالم بأسرة،فهؤلاء النسوة أحد الركائز الأساسية لبناء الأسر والمجتمعات والدول والشعوب،وعلى وعيها وعلمها وخبرتها وتجاربها وحسن تربيتها واخلاقها ودورها ونشاطها ومشاركتها في العمل المجتمعي والإنساني والإقتصادي والكفاحي والنضالي،وما تتمتع به من حقوق وحريات شخصية،يتوقف عليه ويقاس مدى رقي الشعوب ونهضتها وتطورها،وانتشالها من براثن الجهل والتخلف والفقر والجوع والتحرر من نير الإحتلال والإستعمار.
عيد الأم يجري الإحتفال به اسرياً وشعبياً وجماهيرياً وعلى مستوى القوى والأحزاب والسلطات الحاكمة،وكل يعبر عن الإحتفاء بأمه او امهات حزبه وبلده وشعبه بالطريقة التي يراها مناسبة،وبما يخدم الهدف ورد جزء من العرفان والجميل لهذه الأم التي كانت وما زالت صانعة الرجال والنساء،وبانية مجد الشعوب وعزتها ورفعتها ودرجة تقدمها.
نحن مع حق كل الأمهات في المجتمع الإنساني ان يجري تكريمهن والإحتفاء بهن،ولكن نحن نرى ونعتقد بأن من هُن أولى بالتكريم،النساء اللواتي حرمن من الفرح والتكريم،بسب ظروف وأوضاع بلدانهن،حيث فلسطين منذ سبعين عاماً تعيش تحت إحتلال غاشم،ينغص على أبناء شعبها ونسائها الفرحة،وكذلك هُن النساء العربيات،حيث حروب التدمير الذاتي - الحروب المذهبية والطائفية-،وما جلبته لبلدانهن من قتل وتدمير وتهجير و"تسليع" لهن ولبناتهن،كيف ستحتفل ام فلسطينية بعيد الأم،وهي من استشهد/ت ابنها/ بنتها،او تم إعدامهم بدم بارد...؟؟ وكيف ستحتفل بعيد الأم،ومن ابنها او زوجها خلف جدران سجون الإحتلال منذ ما يزيد عن ربع قر،أو أكثر..؟؟كيف ستحتفل بعيد الأم من هي تحت حاصر ظالم ودمر بيتها في قطاع غزة،وتعيش هي واطفالها في العراء،تفترش الأرض وتلتحف السماء...؟؟، كيف سيحتفل من يهجرون قسراً من مخيماتهم في سوريا ولبنان في رحلة تيه جديدة...؟؟
كيف ستحتفل بعيد الأم من تنتظر تحرر جثمان ابنها الشهيد المحتجز في ثلاجات التبريد الإسرائيلية،ونار قلبها مشتعلة،فهي لم تراه ولم تستطع تقبيله ولم تتكحل عينها برؤيته،او وداعه بما يليق به؟؟؟.
هؤلاء هن نساء فلسطين الماجدات،شهيدات وأسيرات وأمهات لشهداء وأسرى،ينتظرن خروجهم من المعتقل أو ينتظرن تسلم جثامين أبنائهن الشهداء والذين مضى على البعض منهم أكثر من عام في ثلاجات الاحتلال،الاحتلال الذي يعذّب الشهيد وأهل الشهيد وعائلة الشهيد ويمتهن كرامة الإنسان في موته وحياته، وليس هذا فحسب، بل يجري حرمانهن من الدخول للأقصى من أجل الصلاة فيه، حيث يتعرّضن يومياً للقمع والإذلال والتفتيشات المهينة والمذلّة والإبعاد عن الأقصى والقدس والاعتقال..
وحال المرأة العربية، ليس بأفضل من حال المرأة الفلسطينية،وخصوصاً من بعد ما سُمّي بـ « ثورات الربيع العربي»، حيث جرى ويجري «تسليع» المرأة العربية،أي بيعها وشرائها كأي بضاعة،وامتهان كرامتها وانتهاك حرمة جسدها واستغلالها جنسياً، حتى الطفلات منهن، كما جرى مع النساء السوريات والعراقيات والليبيات وغيرهن، حيث وجدنا كيف أن العصابات التكفيرية والإرهابية من القاعدة ومتفرّعاتها من «داعش» و«النصرة» وبقية الألوية والتشكيلات الإرهابية،كانت تبيع النساء اليزيديات والسوريات في أسواق النخاسة لقوادي أمراء ومشايخ الخليج.
وليس هذا فقط، فالكثير منهن فقدن الزوج والأخ والابن في حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية التي غذّتها وموّلتها مشيخات النفط والكاز وجماعة الخليفة السلجوقي والغرب الاستعماري على بلدانهن،واللواتي عدد لا بأس به منهن اضطررن للقيام بأعمال قاسية متناقضة ومتعارضة مع كرامتهن ومبادئهن وقيمهن،من أجل تأمين مصدر دخل لأسرهن وعائلاتهن،وكذلك وجدت الكثير منهن حالها،تترك بلدها ووطنها في رحلة لجوء محفوفة بالكثير من المخاطر إلى العديد من الدول الغربية، أو أن تقيم في مخيمات في الدول المجاورة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية والبشرية.
في ظل واقع فلسطيني وعربي كهذا، تتعرّض فيه المرأة للظلم والاضطهاد وامتهان الكرامة، والحطّ من شأنها وقيمتها والتعامل معها كسلعة، فإن احتفالها بعيد الأم سيكون بطعم الحزن والألم وسكب الدموع على الأحباب والغياب شهداء، أسرى، مهجرين ومبعدين.
في عيد الأم رغم كل الحزن والألم والظلم والاضطهاد،فهؤلاء الأمهات هنّ عناوين ورموز صمود وعطاء وتضحية،ومصدر فخر وعز لشعوبهن وأمتهن،هن ماجدات هذه الأمة في وطن أجدب من القادة الحقيقيين لهذه الأمة،فنحن امام قادة لا ينصرونهن ولا يدافعون عنهن ولا ينتقمون لشرفهن وكرامتهن بل إن بعضاً منهم جزء من عملية الامتهان والاغتصاب لهن.
الظلم والاضطهاد والعدوان يا ماجدات هذا الوطن لن يدوم وسيأتي يوم الحرية والانعتاق،وستكون الاحتفالات بعيد الأم جماعية،في الساحات والميادين كلها، في كل شارع وحي وحارة من شوارع وأحياء وحواري وأزقة مدننا وقرانا العربية،لن يكون هناك فواصل وحدود وجدران بين أقطارنا العربية،سيهزم مشروع التقسيم والتجزئة والتذرير والتفكيك لجغرافيتنا العربية وإعادة تركيبها على تخوم وحدود المذهبية والطائفية، سينتصر مشروعنا القومي العروبي، رغم كل الدماء والتضحيات، وستعود لشعارات أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة بيرقها ومجدها،وسننشد مجدداً:بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ، فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا، لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ.
أمهاتنا في فلسطين وعلى طول جغرافيا وطننا العربي من خليجه إلى محيطه،أنتن مصدر فخرنا واعتزازنا أعتز بكل أم ضحّت وتضحّي من أجل وطنها وأسرتها،من أجل أداء رسالة قيمية وأخلاقية وتربوية ونضالية ووطنية. أفتخر بكل أم تفني حياتها من اجل أسرتها وأطفالها بعد فقدان الزوج،واعتزّ بوالدتي التي دفعت ثمناً باهظاً في حياتها حتى أقعدها المرض،حيث سهرت على تربيتنا سنين طويلة،تعرضت للذل والمهانة من قبل جنود الاحتلال ومخابراته، عندما كانت تخرج فجراً ولتعود في ساعة متأخرة من الليل لزيارتنا في سجون الاحتلال ومعتقلاته أنا وأشقائي، فطوبى لكل أمهات شهدائنا وأسرانا، وألف تحية لكل نساء امتنا الماجدات، الصابرات في عيد الأم على طول وعرض جغرافيا وطننا العربي.
بقلم/ راسم عبيدات