عيد البشارة عيد لكل أهل الناصرة

بقلم: نبيل عودة

منذ اعلان بلدية الناصرة برئاسة علي سىلام في آذار 2015  عن عيد البشارة عيدا رسميا في الناصرة،عمق الإعلان القيمة الإنسانية والنصراوية الرائعة لهذا اليوم المميز في تاريخ الناصرة وجدد رونقه مؤكدا مكانة الناصرة على خارطة العرب في إسرائيل وعلى الخارطة الدولية قاطبة بكونها مكانا مقدسا لاحدى أكبر الديانات التي عرفها التاريخ البشري. ليس سرا ان هذا العيد ارتبط بذاكرة النصراويين  بقيمته الوحدوية النضالية التي جمعت كل طوائف المدينة عبر تاريخها المضيء.

لفتة علي سلام هي لفتة إنسانية هامة جدا، بإقرار هذا اليوم الهام عيدا رسميا وعطلة مدفوعة الأجر لموظفي البلدية.

  عيد بشارة العذراء مريم بولادة ابنها المسيح هو عيد الناصرة الأهم عبر كل تاريخها، ودائما استعيد في هذا اليوم صفحة هامة من الذاكرة النصراوية التي اقوم بتسجيلها في حلقات "يوميات نصراوي"التي اكتبها تباعا منذ سنتين على الأقل، حفظا لأجمل ما في ذاكرة شعبنا من أيام تاريخية، وكيف كنا نحتفل بهذه الأعياد او بالمناسبات المختلفة الاجتماعية والسياسية والدينية والوطنية .

يا عدرا يا ام المسيح ارفعي عنا التصاريح

دائما اعتبرت الناصرة هذا العيد من أهم أعيادها وأكثره فرحا إنسانيا وتكاملا اجتماعيا بين كل أهلها من جميع الطوائف. تاريخ الناصرة هو تاريخ البشارة اذا صح هذا التعبير. وكل خطوة تقوم فيها بلدية الناصرة لإضفاء صفة رسمية على عيد البشارة – عيد الناصرة المميز، هي خطوة مباركة وهامة.

تعالوا احدثكم عن قيمة يوم البشارة في حياة الناصرة وجميع اهلها من كل الطوائف.

من ذكرياتي عن عيد البشارة ..

الناصرة مدينة المسيح كما تعرف، عيد البشارة هو عيدها الخاص الذي تحتفل به بدون مشاركة العالم المسيحي، إنما بمشاركة مسيحييها ومسلميها، وليس صدفة ان يطلق عليه أيضا "عيد الناصرة".. حين بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم انها ستلد ابن الله يسوع المسيح.

كان يجري الاحتفال البارز في مختلف كنائس الناصرة، وما أتذكره جيدا هو الاحتفال الذي يجري في كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس – قرب العين، حيث يحضر البطريرك الأورتوذكسي من القدس، عادة بعد الصلوات الرسمية يقام احتفال في ساحة الكنيسة الرحبة  يحضره  كل مواطني الناصرة من كل الطوائف، هذه هي ابرز قيم ذلك العيد وأعياد الناصرة التي لم تعرف التفرقة بين مسيحي ومسلم. أصلا من كان ينتبه إلى كون ذلك الشخص مسيحيا او مسلما؟ لاتينيا او كاثوليكيا او اورتوذكسيا؟ كنا أبناء وطن واحد منكوب ـ أعيادنا واحدة ، فرحنا واحد وألمنا واحد.. وأحلامنا واحدة !!

كانت تصطف حلقة واسعة للسحجة  بمشاركة المئات في ساحة كنيسة البشارة، في وسط الحلقة سيافان من عائلة مزاوي النصراوية العريقة يرقصان بشكل فني بالسيوف .. وتتوارد قناني العرق خاصة من طيب الذكر اسعد كردوش (ابو اسحق).تفتح القناني ويخلط  بعضها بالماء لتدور على الجميع، الجميع يشرب، واعني المسلمين والمسيحيين... والسحجة تصبح أكثر حماسية، السيافان يبدعان ب "القتال" الراقص .. والعرق يتدفق من كل النواحي..  ثم تبدأ المسيرة من ساحة الكنيسة الى دير المطران (كنيسة القلاية) يتقدمها كشاف الروم الذي يضم شبابا مسيحيين ومسلمين  يسيرون أمام موكب المطران وضيفه البطريرك إلي دير الروم في مدخل سوق الروم ، المسيرة التي بدأت كاحتفال ديني  تتحول بدون مقدمات الى تظاهرة سياسية يطرح فيها المحتفلين هموم حياتهم ويعبرون عن غضبهم من الظلم والتمييز العنصري بأبشع صوره في تلك الأيام.. وخاصة القيود العسكرية التي تمنع التجول في وطننا بدون تصريح عسكري.

كانت تلك أيان الحكم العسكري الذي فُرض أساسا على المناطق العربية، تلك كانت أيام عصيبة قاسية، الحكم العسكري تصرف مع العرب بصلافة واستبداد، لا يختلف عما يواجهه اليوم أبناء شعبنا في المناطق الفلسطينية المحتلة.  لقمة الخبز كانت رهن قيودهم التعسفية، الوظائف لا تمنح الا لمن "مرضي عليهم"، المعلمون الوطنيون يطردون من جهاز التعليم، التصاريح تمنح بقيود واحيانا برفض دون تبيان الأسباب. ببساطة يمنعون ابناء شعبنا من الوصول لآماكن العمل في المناطق اليهودية (حيث ان البلدات العربية تفتقد لفرص العمل) حتى لو كانت تبعد 10 كيلومترات. وذلك حسب سياسة مخططة لزرع التفرقة بين ابناء الشعب والواحد.

الاحتفال الديني الذي ينتهي بمسيرة الطبول والصلوات حتى ايصال البطرك والمطران الى كنيسة القلاية  سرعان كما يتحول الى مظاهرة سياسية ضد الحكم العسكري. اذ تبدأ الهتافات ضد الحكم العسكري.. وتنطلق الأهازيج الوطنية  ويطلق المتظاهرون اغاثة للعذراء مريم سيدة البشارة:

يا عدرا يا أم المسيح       ارفعي عنا التصاريح

ستي يا عدرا نجينا          من الحكم العسكري خلصينا

يا عدرا احمينا احمينا      احنا ليكي التجينا ( أي التجأنا)

يا عدرا يا ام القدرة        زتي العسكر لبرا

 هذه بعض الأبيات التي أتذكرها. سالت كبار السن لعلهم يتذكرون، لكني لم اجد اكثر مما اعرف. وكانت مناسبة جمعتني مع السيدة نائلة عزام - لبس التي تهتم بالتراث الغنائي الفلسطيني ولها عدة اصدارات رائعة،  سألتها ان كانت تعرف اغاني تلك المناسبة، بعد ايام فاجأتني بهذه المقاطع :

اول ما نبدا ونقول       بالصلاة على البتول

يا شباب دادي دادي     هاي العدرا بتنادي

يا عدرا احمينا احمينا    واحنا ليكي التجينا

يا عدرا عليكي السلام    وبعيدك يحلى الكلام

احمينا يا عدرا احمينا     للزفة احنا جينا

يا عدرا يا ام المسيح     شوفي شعبك عم بصيح

انت بنت بلادنا              ابدا ما بتهملينا

بشوارعنا مشى المسيح    وعلمنا الدين الصحيح

يا عدرا ليكي ليكي           واحنا التجينا ليكي

يا عدرا يا ام النور           ام الشامة والبخور

العدرا ام البشرية            شفيعة المسيحية

الك يا عدرا السلام        وبعيدك يحلى الكلام

مريم ام الطهارة            مريم ام النصارى

الك برفع ايديي             يا عدرا الناصرية

اسلام ومسيحية            الكل بقول احمينا

طبعا هناك ابيات اخرى آمل ان تكتمل!!

بعد ان تفرغ  قناني العرق ، التي لا تخلو منها السحجة والتي لها حصتها في الغزل مثل:

"اللذة مش من اول كاس         اللذة بقاع القنينة"

 وغيرها من أغاني الغزل بالعرق يبقى الهم الوطني...

ما بقي ان أذكره ان الشرطة لا بد ان تعتقل مساء بعض المتظاهرين الذين بحت اصواتهم وهم يهتفون ضد الحكم العسكري ويناشدون ام المسيح ان ترفع عنهم التصاريح!!

بقلم/ نبيل عودة