الاغتيال الصامت: دون بصمات، ودون حرب

بقلم: عماد أبو الروس

لأول مرة منذ سنوات طويلة تتغير قواعد اللعبة السياسة، فهذه المرة ليست صواريخ تليها ردود أفعال كما يسبق كل حرب على غزة، بل هو اغتيال هادئ بكاتم صامت وفي عقر دار المقاومة، وهذه المرة أيضاً السبب مختلف ليس له علاقة بغزة، بل بالنشاط العسكري في الضفة الغربية.

وتبدو واضحة بصمات الاحتلال على عملية الاغتيال، لحرفيتها ودقتها، وصمتها، فتلجم بذلك الصواريخ التي من الممكن أن تستهدف "تل أبيب"، ما يدخل قيادة حماس الجديدة في حذر حول كيفية التعامل مع هذه المعادلة الجديدة، وربما تكون الردود الأولى للحركة بإعدام عدد من العملاء، وتكثيف النشاط المخابراتي الأمني في غزة عبر الكشف عن شبكات العملاء .

وفي كل الأحوال سيكون رد حماس قوياً، فمازن فقهاء كما نعلم جميعاً واحد من أبرز قادة كتائب القسام الذين شملتهم صفقة وفاء الأحرار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي فيما يعرف أيضا " بصفقة شاليط "، كما عُرف فقهاء بمسؤوليته عن عملية صفد الشهيرة التي جاءت ردا على اغتيال قائد كتائب القسام صلاح شحادة عام 2002، وأدت لمقتل تسعة إسرائيليين، ليحاكمه الاحتلال بتسعة مؤبدات إلى أن تم الإفراج عنه، وإبعاده إلى غزة .

ويتبادر إلى الذهن؛ لماذا تم اغتيال فقهاء في هذا التوقيت بالذات؟ وبهذه الطريقة التي أصبحت كلاسيكية بعد وجود الطائرات والصواريخ الذكية؟

وللوصول إلى الإجابات يجب ذكر عدة حقائق؛ أولها أن فقهاء كشخصية عسكرية حياته الشخصية محدودة جداً بسبب إطار نشاطه العسكري، وبالتالي تحركه السياسي أو الاجتماعي محسوب ودقيق، ما يستبعد خيار العداوات الشخصية أو الجريمة الجنائية، ويبقى المستفيد الوحيد من عملية التصفية هو الاحتلال الإسرائيلي دون مواربة.

وفي مقابل هذا الإعتام المتعمد على حياة الفقهاء بغرض حمايته نجد أن الاحتلال ركز في إعلامه خلال الثلاث سنوات الماضية على شخصية الفقهاء، معتبراً إياه الدينمو الرئيسي لإنشاء خلايا عسكرية لحماس في الضفة الغربية، كما اتهمه بالوقوف وراء التخطيط لخطف المستوطنين الثلاثة وهو الحدث الذي سرعان ما تطور دراماتيكيا وانتهى بحرب صيف2014 على القطاع.

وتجدد هذا التحريض من قبل إعلام الاحتلال على الفقهاء، واعتبره أحد قادة انتفاضة القدس، وحينها قال الفقهاء للإعلام الفلسطيني أن هذه التصريحات هدفها إيجاد عذر للمس بالأسرى المحررين ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، وهو بالفعل ما حدث باغتياله في الرابع والعشرين من مارس الجاري، وسرعان ما لحق هذا الاغتيال موجة جديدة من توجيه إعلام المحتل دفته إلى شخص الفقهاء بربطه بأحداث بالضفة الغربية وخلايا حماس العسكرية هناك.

وربما لا يعرف كثيرون أن الانتخابات الداخلية الأخيرة لحركة حماس لم تنقل القيادة العسكرية "السنوار ومشتهى ومروان عيسى" إلى مصاف القيادات السياسية فقط، بل أيضاً إلى مجلس شورى الحركة إذ أصبح الشهيد الفقهاء وقتها واحداً من أعضائه، فعلى الرغم من سنه الصغير، لكن مشهود له برجاحة عقله وحكمته.

ومن هنا اعتبر الاحتلال أن تنامي انتفاضة القدس والذي يوازيه تغلغل القيادة العسكرية لحماس في كافة دوائر الحركة، لا يعني سوى مزيد من تطوير وعسكرة هذه الانتفاضة، وأن أول أهداف القيادة المنتخبة سيكون نقل وتطوير حلبة الصراع إلى الضفة الغربية، باعتبارها خاصرة حماس الضعيفة التي تحاول جاهدة إعادة بناء هيكلتها، وبذلك تكون استرجعت قوتها العسكرية، وتخلصت في الوقت ذاته من سلطة الضفة وتنسيقها الأمني.

أما عن الأسلوب المتبع والحرفي لكنه القديم الكلاسيكي في نفس الوقت، فقد اتبع الاحتلال الطريقة ذاتها مع عمر النايف والتونسي محمد الزواري؛ الاغتيال الشخصي، حيث يخلو مسرح الجريمة من أي آثار للرصاص أو البصمات، بل على العكس يترك آثار قد تقلب الطاولة ليعطي نتائج عكسية كما حدث مع النايف في بلغاريا، إذ خرجت السلطات البلغارية بتقرير قالت فيه أنه انتحار.

وهذه طريقة الموساد الإسرائيلي عبر التخلص من الخصم دون تكلفة، وبعيدا عن أي توتر أو تبعات، بل بترك أطنان من الشكوك.

وإذا كان هذا النوع من العمليات حدث في تونس وبلغاريا ودبي مع الشهيد المبحوح، فكيف يحدث في غزة التي تمشط عيون المرابطين فيها الحدود طوال ساعات الأيام والشهور والسنوات؟.

إن طائرات الاستطلاع كانت ليلتها تحلق على علو منخفض كما أفاد شهود عيان من المنطقة، ما يدل على أنها كانت تساعد منفذ الجريمة، الذي ربما يكون غريبا على أهل القطاع، ولم يدخل من الحدود المعتادة!.

وليس هناك اختلاف كبير بين هذه العملية، وعملية اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي محمود خواجا والذي كان بسلاح كاتم للصوت أيضاً في غزة، بالإضافة لاغتيال الشهيد يحيى عياش عبر تفجير هاتفه المحمول، جميعها كانت مباشرة من عملاء على الأرض.

من الواضح بأن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يوصل رسالة قاسية مفادها أنه ممنوع على قيادة غزة العبث بالضفة الغربية، وذلك بالعودة إلى الأسلوب القديم الجديد ألا وهو الاغتيالات من الأرض، دون التورط مع غزة بأية حرب جديدة، فيبدو أن وزير الدفاع الإسرائيلي أفغيدور ليبرمان لا يزال يعيش فترة السبعينات حين كان في ريعان شبابه، فعاد إلى أساليب الاغتيال الأقل تكلفة، وبأبسط الوسائلً لكن بكثير من الجرأة والتطور حيث الربط بين تكنولوجيا طيران الاستطلاع والحركة الميدانية لمنفذي الاغتيال.

إذن نحن أمام تغيير في قواعد اللعبة: اغتيال وقت ما يريد الاحتلال ودون التزام بالهدنة، والتركيز على كل من يشتبه بعلاقته بنشاطات الضفة الغربية، والاغتيال المباشر من الأرض، وأخيرا التملص من أي تداعيات كبيرة كحرب جديدة. وهذا لا يعني سوى اختباراً لحماس حول كيفية التعامل مع هذه الجريمة وآلية الرد المناسبة دون تهور ولكن دون خوف أيضاً.

بقلم/ عماد أبو الروس