على بُعد أيام من احتفاء الفلسطينيين بيوم الأرض المجيد هذا العام، وهو اليوم الذي جسد بالدم دفاع الفلسطيني عن أرضه، لجأت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي التي أنشئت من أجل إغاثة اللاجئين إثر النكبة، إلى تغييرات جوهرية في مناهج الكتب المدرسية الخاصة بمدارسها، من الصف الأول حتى الصف الرابع، وهي سنوات بدء وضع مداميك تأسيس الوعي لدى طلاب هذه المراحل من التعليم، تغييرات تستهدف تشويه وعي الطلبة، والتأثير في بناء شخصيتهم الوطنية وحرف انتباههم وتشتيته عن انتماءاتهم الوطنية، ومسح الوعي بالهوية لدى أحفاد الذين عايشوا جريمة النكبة الكبرى والنكبات اللاحقة التي يراد لها النسيان. كل ذلك تحت مسمى "الحيادية" الزائف.
جريمة النكبة الكبرى، ما فتئت تتجسد في كامل الأرض الفلسطينية، وتتوزع في كامل أصقاع الدنيا، حيث الشتات الفلسطيني دليل نكبة متواصلة، لا تستطيع محوها تلك الألاعيب والخزعبلات الدولية ولا غير الدولية، فأن تتورط الأونروا في محاولة مسح النكبة أو أي إشارة إليها في الكتب المدرسية بطلب من الاحتلال، فهذا ما لا يمكن غفرانه أو التسامح معه أو تجاهله، فيما تشهد حياة الفلسطيني يومياً على نكبته المرة التي حصلت يوماً ولا تزال مستمرة بفعل ممارسات الاحتلال ضد الأرض والإنسان والهوية الوطنية. فأي حيادية مزعومة يدعيها القائمون على وضع المناهج المدرسية؟
كان الأولى بالأونروا ألا تنساق للانصياع للمطالب الأميركية – الإسرائيلية بالتزوير وتشويه الحقائق، وهي أبرز من يشهد على جريمة النكبة التي ما زالت تتواصل فصولاً، من دون أن يُرى في الأفق أي حل ممكن عادل ومنصف لمن تبقى من أبناء النكبة وأحفادهم وأحفاد أبنائهم، فما زال هؤلاء جميعاً يعيشون تداعيات جريمة النكبة الكبرى، فيما الأرض تشهد على تقييدها بسلاسل الاحتلال وجدرانه العنصرية ومجرميه من المستوطنين العنصريين.
التعديلات المقترحة أو ما بدأ تطبيقه منها، يشير في شكل واضح إلى تساوق واضح بين الموقف الإسرائيلي ومعه الأميركي، ومن يتساوق معهما من أطراف عربية وإقليمية ودولية، جميعها يسعى لخلق جيل من الخانعين المستسلمين لشهوات التسلط والاستبداد، في تشارك فاضح وفاجر مع الاحتلال وبالتنسيق معه.
لقد مر ما يقارب سبعة عقود على جريمة النكبة واحتلال الوطن، من دون أن يفلح الاحتلال في محو الهوية الوطنية الفلسطينية عن الأرض وإنسانها أينما وجد، لتأتي الأونروا اليوم وبعد كل هذه العقود، لتؤسس بدء مسار وعي زائف، ينفي الهوية والقيم وأخلاقيات النضال من أجل تحرير الوطن وكرامة إنسانه، لتصبح التعديلات بمثابة تغييرات تواكب الانصياع والخضوع للأمر الواقع، الذي ينفي وجود فلسطين وخريطتها، ولتتحول فلسطين إلى "يقطين" والأسير إلى "أمير" ومنع استعمال كل رموز الاحتلال، وتحويل الوطن الفلسطيني (تحت الاحتلال) في المنهاج "الجديد" إلى "جنة المشتهى"، يعيش فيها الفلسطيني هانئاً، فيما هو في جهنم الاحتلال ونزوع سلطويات "الأمر الواقع" إلى "مؤاخاته"، لا يعيش حياة طبيعية بالمطلق، بل إن ما يحصل اليوم وما حصل بالأمس، إنما هو خرق واضح وفاضح للثوابت الوطنية، فيه من التزوير والتشويه للثقافة الوطنية، الكثير مما يهدف إلى تصفية الهوية الوطنية مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية، وجعل كل تسوية يمكن أن تتم "مغرماً" على حسابه وعلى حساب حقوقه الوطنية الثابتة، و"مغنماً" للمستوطنين العنصريين القادمين من كل أصقاع الأرض.
إن محاولة محو جريمة النكبة الكبرى، وإزاحة ظلالها من الكتب المدرسية وفي منهاج فلسطيني بهذه الطريقة، معادل موضوعي وفعل إرادوي ذاتي يؤشر إلى استمرار محاولات تصفية قضية الشعب الفلسطيني الوطنية، تكريساً للاحتلال، ولسلطات "أمر واقع" يجب تغييره بالضرورة، وعبر خلق وابتداع كل إمكانات التغيير.
ماجد الشّيخ
* كاتب فلسطيني