واهم من يعتقد بان المفاوضات التي جرت وتجري في جنيف والإستانة بين الدولة السورية،وما يسمى بمنصات المعارضة السورية المختلفة،هي المفاوضات الحقيقة التي تقرر بشأن الأوضاع في سوريا،فهذه المفاوضات والمحادثات لن تكون اكثر من تظهير واحتفالية لنتائج المفاوضات التي تجري خلف الأبواب المغلقة،من اجل تقاسم مناطق نفوذ في سوريا بين اللاعبين الكبار روسيا وأمريكا وايران وتركيا،وتغير اللفظ الشعاري لوزير خارجية امريكا "ريكس تليرسون" أو المندوبة الأمريكية المتطرفة في الأمم المتحدة نيكي هايلي التي هددت بأنها ستضرب بالحذاء اي زعيم او قائد عربي يجرؤ على انتقاد او طلب معاقبة اسرائيل في المؤسسات الدولية،بأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل رئيسه على المستوى البعيد،وبأن امريكا اولوياتها محاربة "داعش" وليس اسقاط الأسد،وكذلك العمل على اخراج ايران ومليشاتها والمقصود هنا حزب الله من سوريا.
أمريكا لم تتخل عن مشاريعها لتقسيم سوريا والعراق،وتامين أمن اسرائيل،رغم تغير اللفظ الشعاري،فبعد تحقيق الأهداف التي ترسمها لما سيكون عليه الوضع في سوريا،ليس مهم بقاء الأسد أو رحيله،المهم ما سيترجم على الأرض من مناطق نفوذ،وقوى المعارضة السورية وخصوصاً جماعة منصة الرياض سيتم جلبها الى بيت الطاعة،فأغلب تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية رواتبها تدفع من الخزينة الأمريكية،او يتم ذلك بالوكالة من خلال تركيا او مشيخات النفط الخليجية،وهي لا تستطيع هي ومشغليها الخروج على القرار والموقف الأمريكي،فتركيا أعلنت عن انتهاء ما يسمى بعملية "درع الفرات" والمشيخات الخليجية تحت سقف الحماية والمظلة الأمريكية.
أمريكا لا تريد هي وحلفائها للحرب على سوريا ان تنتهي،بل تعمل على إطالة امدها الى أقصى حد ممكن،من اجل ممارسة ضغوط عسكرية وسياسية على القيادة السورية لمنحها مناطق نفوذ في الشام،وبما يضمن امن اسرائيل في المنطقة،بحيث لا يتم تواجد لقوات ايرانية او لحزب الله في المنطقة المتاخمة للجولان المحتل،وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "معاريف الإسرائيلية بأن اسرائيل نقلت الى سوريا عبر طرف ثالث،انها ستقلص من طلعاتها الجوية وقصفها الجوي،وتدخلها في الحرب الدائرة هناك ودعمها ل "جبهة النصرة" مقابل هذا الشرط،وهي مستعدة لقبول عودة القوات السورية الى جنوب الجولان،وفق ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بعد حرب تشرين 1973.
ساذج من يعتقد بان تركيا اعلنت نهاية عملية "درع الفرات" لكونها حققت اهدافها،فهي تدرك تماماً بأن حدود ما هو مسموح لها وغير مسموح في الجغرافيا السورية في ظل توافقات امريكية – روسية،ولكن لا مانع من تقديم ضمانات لتركيا فيما يتعلق بالورقة الكردية،وبما لا يسمح بإقامة كيان كردي على طول الحدود السورية – العراقية ليمتد ذلك في عمق الأراضي التركية ويهدد أمنها واستقرارها،وهذا يتحقق عبر ما ترمي وتهدف اليه امريكا من إقامة مناطق "آمنة" في الشمال السوري،وبما يسمح بإعطاء الأكراد في سوريا حكماً محلياً.
أمريكا تريد طرد "الدواعش" من الرقة،وهذه العملية ستقود الى دفعهم بإتجاه منطقة دير الزور التي يمسكون بعاصمتها وجزء كبير منها،وبالمقابل " الدواعش" ما زالوا يسيطرون على مساحات واسعة من الأنبار العراقية،ولذلك هذه المنطقة التي يسيطر عليها الدواعش،وبما تمتد الى الحدود العراقية – الأردنية،تريد أمريكا ان تجعل منها حائط سد وفصل جغرافي ما بين سوريا والعراق وما بين سوريا وايران،وعملية الفصل تلك لها عدة اهداف الحد من النفوذ الإيراني،وتدعيم امن اسرائيل وحماية وجودها،وهذا الهدف كذلك مطلب خليجي عربي.
منصات المعارضة السورية وبالذات جماعة منصة الرياض،يبدو انهم يغردون خارج السرب،ومستمرين في ترديد اللغو الفارغ وشعاراتهم الخشبية في جولات المفاوضات التي تجري،من إستمرار تمسكهم برحيل الأسد،والحديث عن فترة حكم انتقالي بدون الأسد،وهم يعتقدون بانهم قادرون على التأثير في مجرى العمليتين السياسية والعسكرية في سوريا،غير مدركين انه في ظل التوافقات بين الأقطاب الكبرى روسيا وامريكا،والقوى الإقليمية الأخرى تركيا وايران فإنهم سيجدون أنفسهم في بطالة وخارج الخدمة،ولا مشكلة في إحالتهم الى المستودعات والتضحية بهم،فهم جماعات للإستخدام والتشغيل وليس للتقرير.
وستستمر أمريكا والقوى الإقليمية،والعربية الخليجية من مشغليهم fاستخدامهم في المفاوضات جنيف وغيرها،دون وعي منهم بأن تجارب الجماعات الإرهابية ممن سبقوهم في اكثر من مكان جرى استخدامهم،ومن ثم جرى الإستغناء عن خدماتهم،وحتى تصفيتهم والتضحية بهم،فلعل تجربة ما يسمى ب "الجهاد" العالمي والعرب الأفغان ما زالت ماثلة،حيث جرى استخدامهم من قبل أمريكا من أجل استنزاف وطرد القوات السوفياتية من أفغانستان،وليسبغ عليهم الرئيس الأمريكي في تلك الفترة ريغان، المناضلين من اجل الحرية،وبعد تحقق الهدف بإخراج السوفيات من أفغانستان،واحداث البرجين ديسمبر /2001،تم تصنيفهم كجماعات ارهابية جرى العمل على إجتثاثها.
هؤلاء المأجورين من تلك الجماعات الإرهابية،ستبقى صلاحيتهم،حتى يستكمل التفاوض،التفاوض الحقيقي الدائرة حول سوريا وعلى أرضها بين اللاعبين الكبار من روس وامريكان واتراك ايرانيين،وفي حالة الصفر والإتفاق على كل شيء،كل من يريد منهم أن يكون خارج بيت الطاعة،إما ان يجد نفسه في بطالة او لاجىء في احدى الدول الأوروبية أو الإقليمية او العربية.
التغيرات اللفظية في اللغة الأمريكية من الأسد والنظام السوري،يجب أن لا تجعل البعض منا يتطير او يذهب بعيداً،بأن أمريكا معنية بمحاربة "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى،وبأنها تخلت عن اهدافها وأطماعها في سوريا والمنطقة،فمشروع التقسيم والفوضى الخلاقة لسوريا والمنطقة مستمرة،فالهدف المركزي تقسيم سوريا والوطن العربي،عبر تفكيك واعادة تركيب الجغرافيا العربية على أسس وتخوم المذهبية والطائفية،وبما ينتج كيانات اجتماعية هشة تخضع للحماية والإرتباط الأمني باسرائيل،ولا تمتلك سيطرة على قرارها السياسي وثرواتها.
أدرك تماماً بان قوى محور المقاومة ايرانية وسورية ولبنانية وفلسطينية وغيرها من قوى المقاومة العربية الأخرى،تدرك أبعاد وتداعيات هذا المخطط والمشروع على وجودها واهدافها ودورها في المنطقة،ولذلك هي منخرطة في مقاومته،ومنعه من تحقيق اهدافه،وهي جذرية في مواقفها من هذا المشروع،ولكن ثمة سؤال كبير يطرح،هل روسيا اهدافها تتطابق مع اهداف هذا الحلف؟؟؟،ام أنها تميل الى التوافق وعقد صفقة في الإطار الأشمل للمنطقة والعالم مع امريكا؟؟.
التطورات الميدانية التي تجري في سوريا،ستكون كفيلة بالإجابة عن مثل هذا التساؤل،فإذا ما حسم الجيش السوري الصراع ميدانياً،هو والقوى الرديفة،فهذا يعني بأن مشروع التقسيم لسوريا والمنطقة قد سقط الى غير رجعة،اما اذا جرت مساومات دولية وإقليمية وجرى القبول بها،بمعنى القبول ببقاء النظام مقابل منح أمريكا وتركيا امتيازات ونفوذ في سوريا،فهذا يعني بأن المشروع المعادي سيحقق جزء من اهدافه ومشاريعه الإستعمارية في المنطقة والإقليم.
بقلم/ راسم عبيدات