غزة ليست الحيطة الواطية

بقلم: أسامه الفرا

تعقيب المتحدث الرسمي بإسم حكومة الوفاق الوطني "يوسف المحمود"، حول خصم 30% من رواتب موظفي السلطة في غزة، يثير الاشمئزاز بفعل الإستعانة بمفردات الاستهبال والاستعباط ويكشف عن عمق الانحدار الذي وصلنا إليه، حين أكد على أن الخطوة التي اتخذتها الجكومة نصت عليها أجندة السياسات الوطنية في أمر معالجة الصعوبات المالية، محملاً تارة الجهات المانحة المسؤولية بسبب تراجع دعمها للسلطة الفلسطينية وتارة أخرى يلقي بالمسؤولية على كاهل الانقسام وافرازاته، ولم ينس أن يشرك الحصار الذي تفرضه حكومة الاحتلال على غزة في مبرراته الممجوجة، لا أعتقد أن التاريخ القديم قبل الحديث سجل ضمن أوراقه أن حكومة ما لجأت لمعالجة أزمتها المالية بإتخاذ إجراءات تمس رواتب موظفيها في بقعة جغرافية من الوطن دون أخرى، والأجندة الوحيدة التي تسمح بذلك هي أجندة مشبوهة تنطلق من مفاهيم باطلة تم تغذيتها على مدار السنوات الأخيرة مفادها أن قطاع غزة يشكل عبئاً مالياً على السلطة، وسبق للحكومة أن اتخذت قرارات تمس رواتب الموظفين في غزة عبر خصم علاوة الاشراف وبدل المواصلات ووقف الترقيات وصرف علاوات لموظفي السلطة بالضفة الغربية وحجبها عن زملائهم في قطاع غزة.

إن قرار الحكومة المتعلق بخصم ثلث الراتب من موظفي قطاع غزة يدفعنا لخندق الجغرافيا رغماً عن أنفنا ليس فقط لإجبار الحكومة على التراجع عن قرارها الأخير، بل لمعالجة جملة القضايا التي تتحمل الحكومة المسؤولية عنها دون سواها، وتكون البداية من حقنا جميعاً معرفة تفاصيل ميزانية السلطة وبخاصة المصروفات والايرادات المتعلقة بقطاع غزة، ومن واجب الحكومة تجاة أبناء قطاع غزة أن تقدم لهم إجابات واضحة عن جملة الأسئلة التي طالما آلمتنا لخصوصية الجغرافيا فيها، كم عدد الموظفين الذين تم احالتهم إلى التقاعد من أبناء قطاع غزة على مدار سنوات الانقسام وكم عدد من تم تعيينهم خلال ذات المدة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة؟، لماذا يتم استبعاد أبناء قطاع غزة من التوظيف حتى في السفارات؟، ما المصوغ القانوني الذي استندت عليه الحكومة في صرف بدلات للموظفين في الضفة الغربية وحجبتها عن زملاء لهم في قطاع غزة؟، كيف يمكن لموظفي قطاع غزة أن يتحملوا خطأ الحكومة في مطالبتها لهم بالإستنكاف عن العمل؟، لماذا تسوف الحكومة في معالجة ملف تفريغات 2005 رغم استكمالهم لكل المصوغات القانونية المتبعة في التوظيف؟، ما الذي فعلته الحكومة من إجراءات جدية لمعالجة جملة المشاكل الحياتية التي يعاني منها قطاع غزة وفي مقدمتها البطالة والخريجين والعمال والفقر وأزمة الكهرباء؟، هل حاولت الحكومة أن تجد حلاً لمشكلة معبر رفح بالتنسيق مع الشقيقة مصر؟، وأسئلة كثيرة لا يتسع المقام لسردها.

الواضح أن قرار الحكومة المتعلق برواتب موظفي القطاع يأتي متناسقاً مع مشروع القرار المتعلق بالتقاعد المبكر، حيث أن ما تبقى من راتب الموظف بعد الخصم يعادل ما يمكن أن يتقاضاه الموظف عند تقاعده المبكر، ويأتي متناغماً ايضاً مع قرارا الاتحاد الأوروبي بوقف دعم رواتب موظفي قطاع غزة، أما أن يتم ربط الأمر بأزمة مالية تعاني منها السلطة فلا يعدو ذلك سوى ذراً للرماد في العيون، والمؤكد أيضاً أن رئيس الحكومة لا يجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار سوى بضوء أخضر من الرئيس، وهنا لا بد أن نذكر السيد الرئيس بأن 43% من الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية جاءت من قطاع غزة، وأن أي قرار يحمل طابع التمييز بين شقي الوطن لا يمكن لنا فهمه سوى أنه يعمل على تعميق الانقسام وتجزئة الوطن المثخن بالجراح.

إن التعامل مع قطاع غزة بإعتباره "الحيطة الواطية" بات مستفزاً بما فيه الكفاية، ولا يمكن القبول بالتعامل مع قاطنيه بإعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، ولم يعد من المنطق في شيء الصمت على الظلم الواقع على غزة خوفاً أو خجلاً من نعرة الجغرافيا، سيما وأن جملة من القرارات الحكومية استهدفت الجغرافيا، وأن تهميش القطاع يجري على قدم وساق منذ الانقسام البغيض، وآن لنا جميعاً أن نعمل على ردم الفجوة الآخذة بالاتساع بين شقي الوطن، وهذا لا يتطلب فقط من الحكومة العودة عن قراراها المتعلق برواتب موظفي القطاع بل الانصات جيداً لجملة المشاكل التي يعاني منها القطاع ووضع آلية واضحة لإيجاد الحلول لها بعيداً عن تحميل الانقسام المسؤولية وكفى الله المؤمنين القتال.

بقلم/ د. أسامه الفرا