زيارة السيسي للبيت الابيض والمشروع القومي العربي

بقلم: سميح خلف

لعل اكبر المنبهات لإحياء المشروع القومي العربي المتغيرات التي حدثت انطلاقا من فبراير 2011م وما سمي الربيع العربي وان كانت ارهاصات هذا المشروع اعدت من عام 2003م عن طريق الباحثة في الشؤون الاستراتيجية ووزيره خارجية امريكا ومستشارة سابقة لأمنها القومي كوندا ليزا رايس ، قام بتنفيذها حورج بوش الابن وامعن في تفاصيلها اوباما في فترتين رئاسيتين ادت الى انهيارات للدولة الوطنية في الوطن العربي تلك الدول التي اتت عن طريق ثورات قام بها ضباط الجيوش العربية نتاج لاحد توازنات الرعب والحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية .
نظرية الفوضى الخلاقة التي عملت عليها الادارة الامريكية ومعها بريطانيا العجوز وفرنسا وحلف اوروبي وبعض من الدول العربية وفي عداء صارخ لمبدأ الوحدة العربية والقومية العربية والامن القومي العربي والتي بدأت في العراق وإفرازات هذا الغزو من متغيرات على الارض وعلى طبيعة الديموغرافيا المذهبية والعقائدية في العراق الى ليبيا وتقسيمها لمراكز نفوذ وما تعانية اليمن من حرب مذهبية ايضا وما واشكت ان تدخل فيه مصر ذات العمق التاريخي والحضاري من تشتت وانفلات عام 2011 الى عام 2013م وما يدور على ارض سوريا من حروب وصراعات بأيدي اقليمية ودولية ... تلك هي الفوضى الخلاقة في وجهة نظر كوندليزا والادارة الامريكية ولان يكون الاسلام السياسي المعتدل هو بديلا للدولة الوطنية .
سقط المشروع الامريكي وبالتحديد مشروع بوش اوباما بتحرك الدولة العميقة بقيادة الجيش الوطني في مصر وليسقط المشروع البديل باستراتيجياته وادواته وتصمد الدولة العميقة في مصر امام كل الضغوط وتناور في علاقاتها الدولية والاقليمية ويسقط مشروع الاسلام السياسي وافرازاته من داعش و75 قصيل مازال يعمل في سوريا وليبيا وسيناء والعراق وان كان هناك وجود لتلك الفصائل وما زالت المواجهة مستمرة الا ان المشروع بحد ذاته سقط امنيا وسياسيا ، والحقيقة كل الحقيقة عندما يعترف رئيس المخابرات المركزية السابق في التسعينات من القرن الماضي بان مشروع البديل للدولة الوطنية انطلق من سياسات وزارة الخارجية الامريكية واكد ذلك الرئيس الامريكي الجديد ترامب متهما اوباما بانه صانع الفتن والانهيارات في منطقة الشرق الاوسط .
ولكن من اهم الظواهر التي افرزها الارهاب وان كان في سابقه فقدان المنظومة العربية لفضاء مؤثر الان ما تبقى من هذه المنظومة كان مشتتا بين مؤيد ومعارض ومشارك في المتغيرات التي احدثها ما يسمى الربيع العربي وعليه نشأت قوتين متضادتين في الوطن العربي تجاوزت خلافات الانظمة مع بعضها واصبحت الانظمة مهددة جميعها من قوتين:-
1- احدهما تعمل بالإشعال الذاتي المغذى دوليا واقليميا وتمثله داعش واخواتها
2- التمدد الاقليمي الذي حققته ايران مستغلة الربيع العربي ومليء الفراغ لعدم وجود منظومة للأمن القومي العربي
بالتأكيد ان الامة العربية والوطن العربي اصبح بحاجة الى منظومة لحفظ امنه سواء انظمة جمهورية او ملكية وهذا ما يوحدها الان امام خطرين داهمين فلم تعد الان الخلافات بين الانظمة الملكية والجمهورية خلافات رئيسية بل ثانوية ولم تعد الصدامات من قبل الانظمة الملكية مع الدول الجمهورية ذات معنى كما كانت في عهد الزعيم القومي عبد الناصر ودعواته للإصلاح والتكامل والوحدة بل هناك خطر داخلي وهناك خطر خارجي وهناك من لا يرحم معاناة الامة وماسيها بل يعمل على تحقيق قدراته الاقليمية ويهدد دول الخليج هذه هي الطموحات الايرانية والتي اكدتها اتفاقية 5+1 مع امريكا بخصوص الاتفاق النووي واعتراف امريكا ورئيسها اوباما بقوة ايران الاقليمية التي لعبت دورا مهما في الصراع في سوريا وما زالت تلعب في اليمن وفلسطين ولبنان .
تلك المؤثرات التي تدفع كل الانظمة العربية بنوعيها لطرح مبدأ المظلة العربية الشاملة ومليء الفراغ والامن القومي العربي وما يشجع ذلك التحولات المعاكسة التي يقودها ترامب كرئيس من خارج مؤسسات الدولة العميقة والذي يعمل بمبدأ الصفقات ويريد استقرارا لتلك الصفقات في منطقة الشرق الاوسط وكما وعد لتحسين الاقتصاد الامريكي ، ومن هنا يمكن استغلال برنامج وتوجهات اوباما امام نقده لدور ايران والاتفاق النووي والعبث القائم في سوريا من قبل الارهاب ايضا ووقف مشروع الدولة الكردية مشروع اوباما وحل وطني في سوريا وليبيا ودعم مصر امام قوى الارهاب على حدودها .

من هنا كان تحرك الرباعية العربية بقيادة مصر و والرئيس عبد الفتاح السيسي للاستفادة من المتغير في امريكا للإجهاز على ما تبقى من ما يسمى الربيع العربي وافرازاته ، انطلقت الرباعية العربية ما قبل مؤتمر القمة بطرح مبادرة لتوحيد اكبر فصيل فلسطيني بلقاء كل من عباس ودحلان وانهاء الخلاف واحداث اصلاحات داخلية والرجوع عن عدة قرارات سببت تهتك لهذا الفصيل الذي يعول عليه في السلم والحرب وخاصة في العملية السياسية ومن تم انهاء الانقسام وتجاوب حماس مع المتطلبات الاقليمية والدولية وتحديث ورقتها السياسية والبدء في انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني .
لقد ادركت مصر اهمية المتغير في امريكا وباعتبار ان القضية الفلسطينية من الاهمية وحدة الصف لمواجهة الادارة الامريكية بخطاب موحد فلسطيني والارتكاز على مبادرة الملك عبد الله التي سميت بالمبادرة العربية عام 2002م ولكن وكما اتضح ان رئيس السلطة كان يعول على اوراق اخرى متناسيا ومتجاهلا الخطاب المصري وقوته وربما ادرك الرئيس عباس اثناء مؤتمر القمة ثقل مصر ودورها امام المجتمع الدولي وما يحظى به الرئيس السيسي من احترام لدى ترامب والتصور الامريكي بان مصر ستكون هي اللاعب الاساسي في المنطقة وبالتالي فان مصر ولمسؤولياتها التاريخية ولآمنها القومي لا يمكن الا ان تقف مع الحق الفلسطيني وبرنامجه السياسي وخياراته الوطنية .
ومن هنا وبعد مؤتمر القمة جاءت الزيارة المهمة للرئيس السيسي للبيت الابيض والتي تم من خلالها وضع الرئيس ترامب بحقيقة القضايا الاتية وموقف الدول العربية
1- القضية الفلسطينية وحل الدولتين ودولة في حدود 67م والقدس عاصمة لها ووقف الاستيطان والاستناد للمبادرة العربية ومفاوضات ذات سقف محدد ومؤتمر دولي وبمرجعيات مسئولة
2- محاربة الارهاب وتشكيل حلف عربي لامن قومي عربي يبدأ بالرباعية العربية والمشكل من مصر والسعودية والاردن والامارات
3- مناقشة تعزيز القدرات المصرية في مواجهة الارهاب والذي اتى بلقاء الرئيس السيسي مع قادة الاستراتيجيات والامن الامريكي والبنتاجون
4- لقاء الرئيس السيسي مع غرفة التجارة الامريكية وكبرى الشركات ومنها جنرال الكتريك ودعم الاستثمار والبنية التحتية .
قد نفهم ان شيئا مهما يحدث الان وان لم تأتي انعكاساته على واقع المنطقة فالرئيس ترامب جاد بحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهو يصدق كرجل اعمال سابق وما تعهد به للشعب الامريكي اولا ، ومن خلال الدور المصري المركزي قد نضع التساؤل الان وما قبل ما هو مطروح لمؤتمر دولي هل ستعاود مصر اطروحاتها بالضغط على محمود عباس لوحدة فتح وانهاء الانقسام للدخول في العملية السياسية القادمة بموقف فلسطيني موحد ..... ام هناك متغيرات ستسبق ذلك على الوضع الفلسطيني لا نتكهن بمناسيبها ....... المهم المنطقة قادمة على متغيرات ... ومن هنا تأتي اهمية لقاء الرئيس السيسي بترامب وبعده الملك عبد الله الثاني وملك السعودية ووزير الدفاع السعودي هناك شيء يحدث ... وعلى الفلسطينيين ان يغيروا من انفسهم كي يحققوا شيئا لشعبهم .
سميح خلف