مدي دستورية وقانونية الخصم من رواتب الموظفين بقطاع غزة

بقلم: عبد الكريم شبير

   إن القرار الذي صدر عن حكومة د.الحمدلله برام الله جاء مخالفا للدستور والقانون الفلسطيني، الذي نص على مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز بين المواطنين، وأن الجميع أمام القانون والقضاء سواء. وأن قرار خصم 30% أو يزيد من راتب الموظفين بقطاع غزة جاء مخالفا لهذا المبدأ الدستوري الذي نص عليه القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003، وأن أي انتهاك لهذا المبدأ  الدستوري يشكل جريمة دستورية يعاقب عليها القانون وهي تعتبر جناية لا تسقط بالتقادم حسب نص المادة 32 من القانون الأساسي وأن القرار أيضا جاء مخالفا إلي قانون الخدمة المدنية الذي أكد على حق الموظفين في العلاوات والحوافز وأن حقوقهم جميعا في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة يجب أن تكون متساوية دون تميز جغرافي، وعلى كل من تضرر من هذا القرار وخصم من راتبه 30% أو يزيد من راتبه عليهم جميعا أن يتوجهوا إلي القضاء الفلسطيني أمام محكمة العدل العليا ناعين عليه بالقرار الظالم والمجحف والمخالف للقانون الأساسي وقانون الخدمة المدنية.              

  يبدو أن قرار الخصم هو اعلان عن معركة بين غزة هاشم و الضفة الفلسطينية وأن قيام حكومة رام الله بخصم 30 % أو يزيد من رواتب الموظفين العسكريين والمدنيين في قطاع غزة والبالغ عددهم 43 ألف موظفا تقريبا. وهذا تمهيد إلى الخطوة القادمة لإحالة جميع موظفي قطاع غزة إلى التقاعد المبكر. ويبدو أن هذه المعركة هي التي ستحول الانقسام إلى انفصال حيث سيترتب عليها آثار كارثية على كل الصعد، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستقرار الأمني والوظيفي وهذا واضح من تهديد الرئيس عباس بالقيام بإجراءات أخرى ضد قطاع غزة على أثر قيام حركة حماس بتشكيل لجنة حكومية لإدارة قطاع غزة وتخلي السلطة في رام الله عن مسؤولياتها اتجاه قطاع غزة بشكل كامل وتام. لأن هذه الخطوة أغضبت الرئيس عباس وجعلته يُعجل بهذا القرار. وحسب توقعاتي بأنه سيُتبع هذا الاجراء بخطوات أخري متمثلة بإحالة عشرات الآلاف من الموظفين في قطاع غزة إلى التقاعد المبكر. ردا على تشكيل حماس للجنة الإدارية الحكومية لإدارة شؤون قطاع غزة، وتحالفها مع خصمه السياسي النائب محمد دحلان "القيادي المفصول من حركة فتح" لتقويض سلطته وسحب بساط علاقاته مع بعض الدول العربية وتقويضها، وأن حماس تدعم سراً وعلانية محاولات دحلان استقطاب الشارع الفلسطيني بكافة شرائحه من خلال استجلاب ممثلي التيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والنقابية والعائلية للمؤتمرات التي عقدت في القاهرة.                         

   أن هذا يعتبر من أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت بالرئيس عباس لاتخاذ قرار تقليص الرواتب وعزمه الأكيد من القيام بالمزيد من الخطوات التأديبية ضد قطاع غزة التي يسعى من خلالها لإيقاف مخطط حماس ودحلان ضده. بالإضافة إلى قرار دول الاتحاد الأوربي بالتوقف عن تمويل دفع رواتب الموظفين في قطاع غزة، وتحويل أموال الرواتب إلى قطاع تمويل المشاريع التطويرية.

   إن تلك الاجراءات سوف تؤثر على الأغلبية من أبناء الشعب الفلسطيني بقطاع قطاع غزة الذين يعيشون تحت خط الفقر والبطالة ويعانون من ظروف معيشية واقتصادية صعبة وأن وجود موظفي سلطة رام الله الذين يتبعون الرئيس عباس وعددهم ما يقارب من 43 ألف موظف عسكري ومدني، ومثلهم يتبعون سلطة حماس يشكلون المصدر الأساسي للدخل في قطاع غزة والذين يزيد عددهم على مليوني مواطن محاصرين منذ عشرة سنوات بشكل كامل. وتعتبر الرواتب هي المحرك الاقتصادي الوحيد في قطاع غزة. فالمساس بالموظفين سيشكل ضربة قاصمة للمنظومة الاقتصادية في القطاع وسيؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فاليوم غزة تأن وتعاني جراء كل ذلك وبهذه الخطوات التي أقدم عليها الرئيس عباس ستتضاعف المشاكل والمصائب إضافة الى الحصار والانقسام والجريمة المنتشرة والتي تشكل ظواهر خطيرة ومنها الأمراض والبطالة، بالإضافة إلى الآثار المدمرة التي خلفتها الحروب الثلاثة الأخيرة التي شُنت على قطاع غزة، حيث لا يزال شعبنا يعاني من تلك الآثار.

     إن تقليص رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة بواقع 30% أو يزيد من شأنه زيادة أوضاع القطاع مأساوية وتعقيداً وسيؤدي فعليا إلى الانفصال والقضاء على المشروع الوطني وانهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم ومنازلهم وتحرير الأسري والمعتقلين والرهائن من سجون الاحتلال الصهيوني كما أن هذه الخطوة بحق موظفي غزة دون المساواة مع موظفي الضفة الفلسطينية ستؤدي إلى تعميق التميز بين جناحي الوطن وكأن السلطة الفلسطينية تريد نفض يدها من قطاع غزة والتسليم بأنها سلطة رام الله فقط، وهو ما يعني تدمير ما تبقى من طبيعة العلاقة الفلسطينية بين أبناء الشعب الواحد وإحداث تمزق جغرافي والتسبب في ضياع فلسطين وهذا ما يسهل تنفيذ الخطط الصهيونية الرامية لإنهاء القضية الفلسطينية وتحويلها الى قضية انسانية اقتصادية وليس قضية سياسية كما يريد رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو.

   إن هذه الاجراءات تؤكد على وجود مشروع إقليمي دولي بمشاركات فلسطينية وأمريكية وصهيونية تسعى لفرض حل للقضية الفلسطينية برؤية صهيو- أمريكية  وليس برؤية عربية فلسطينية، لذلك فأنني أقول بأن المرحلة القادمة خطيرة على قضيتنا الوطنية ولن يتوقف الأمر عند تقليص رواتب الموظفين بنسبة 30% أو يزيد وإحالتهم للتقاعد المبكر "القسري". بل سيكون هناك محاولات أخري لفرض واقع جديد على أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد وأنا على يقين بأن شعبنا بصموده وإرادته  وعزيمته الصلبة والتي لم تنكسر في أي مرحلة من المراحل النضالية التي مر بها شعبنا العظيم ستفشل كل تلك المخططات.

وأخير أتمنى على سيادة الرئيس أبو مازن التراجع عن هذا الاجراء الغير دستوري والغير القانوني والغير شرعي وإقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات للمجلس الوطني لإنقاذ مشروعنا الوطني.

بقلم رئيس التجمع الفلسطيني المستقل والخبير في القانون

د.عبدالكريم شبير