دلال المغربي ذكرى عهد ووفاء

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

في مثل هذه الأيام قبل 39 عاماً، كان الفلسطينيون على موعد مع فجر جديد وصبح آخر، وقدر يكتب بمداد من الدم، فاجأ الإسرائيليين، وقض مضاجعهم وأرعب مستوطنيهم، وترك في نفوسهم أثراً غائراً ما زال إلى اليوم موجوداً، فكان يوماً أسود في حياتهم يذكرونه ولا ينسونه. اليوم يتذكر الفلسطينيون ابنتهم البطلة، ومقاومتهم الأولى التي ضحت بشبابها من أجل الوطن، ويلتزمون تجاهها بالعهد، ويحيون ذكراها على مدى الزمن. وحق على الأجيال الجديدة أن يعرفوا من هي دلال المغربي، وما الذي قامت به، وبماذا ضحت لتبقى فلسطين، فهذه امرأة لن ينساها الفلسطينيون، وسيبقون يذكرونها لأجيالهم، ويعلّمونها لأبنائهم.

إنها دلال المغربي المرأة الفلسطينية، العسكرية الأولى والفدائية الكبيرة، التي تجاوزت الرتب، وانتصرت على النخب، وحققت ما عجز عنه الآخرون، وقد صدمت العدو عندما عرف أنها قائدة المجموعة، وأنها تترأس أكثر من عشرة من الفدائيين، الذين يأتمرون بأمرها وينفذون تعليماتها، فأدركوا أنهم في مواجهة جديدة، وفي معركة من طراز آخر، تقودها وتفرضها امرأة فلسطينية، حديدية في إرادتها، وصلبة في مواجهتها، وعنيدة في مواقفها.

نحيي اليوم ذكراها وفاء لها وتقديراً لروحها، وعهداً لإخوانها الشهداء، فالقضية الفلسطينية التي ضحوا في سبيلها ستبقى قضية الأمة النقية الشريفة، ولن يتخلى عنها أبناؤها. ومع دلال نتذكر مجموعتها الفدائية، والشهداء الأحد عشر الذين قضوا معها أثناء الاشتباك المسلح مع جيش العدو المدعوم بطائرات الهليوكبتر، والدبابات والعربات المصفحة، إلا أن دلال ومجموعتها لم يستلموا أمام جحافل العدو، ولم ترهبهم غزارة نيرانه، ولا كثرة عرباته ودباباته، بل واصلوا اشتباكهم حتى آخر طلقة رصاص، حيث أمر إيهود باراك الذي كان يقود العملية جنوده بإطلاق النار على أفراد المجموعة جميعهم، فاستشهد واقفاً أحد عشر فدائياً، جميعهم كدلال قوة وعزيمة.

ما زال العدو الإسرائيلي الذي أثخنتِ جراحه يا دلال يحتفظ بجثمانك الطاهر، ويصر على إخفائه، ويقصد بذلك إيذاءك وإيذاءنا، إذ رفض تسليمه للمقاومة اللبنانية، التي أبرم باسمها «حزب الله» صفقةً كبيرة، تضمنت استعادة جثمان دلال، إلا أن العدو خدع المفاوضين، وسلمهم جثماناً آخر تبين بعد فحوص الحمض النووي أنه لا يعود لدلال، وأن جثمانها ما زال مدفوناً في ثرى فلسطين.

رغم مضي أربعة عقود على عملية دلال واستشهادها، بصورتها الفتية التي كانت عليها، وبملابسها العسكرية التي كانت تزينها، وبإطلالتها الفلسطينية البهية الدالة على هويتها، إلا أنها ما زالت حاضرة حتى اليوم بيننا، فهي في كل أغنية وأهزوجة، وتتردد في كل أنشودة وموال، وترفع صورتها في كل مهرجان واحتفال، ويطلق اسمها على الشوارع والميادين، فتبدو كأنها حاضرة بيننا، تقاتل معنا ولا تتعب.

مصطفى يوسف اللداوي