الاعلام العربي ومواجهة الفكر والارهاب التكفيري

بقلم: وفيق زنداح

سيبقى الاعلام بكافة اشكاله ووسائله من أقوى طرق المواجهة لظاهرة الارهاب والفكر التكفيري ... لما للأعلام من تأثير في صياغة الرأي العام وتحديد توجهاته .

ظاهرة الارهاب التكفيري وقد جاءت بلحظة ضعف وغياب في منطقتنا عشعشت في عقول قلة قليلة من شبابنا نتيجة لفراغ فكري ثقافي ايماني ... كما جاء نتيجة لظروف اقتصادية واجتماعية ولدت حالة من الفقر والتفكك الاجتماعي لأسباب عديده .

هذا لا يعني بالمطلق أن الجهل والفقر وحدهما يشكلون ارضية خصبة للإرهاب والارهابيين وانتشار الفكر التكفيري العدمي ... لكنه يمكن أن يشكل أحد دوافع هذا الفكر وحالات التطرف والعنف والتي يمكن معالجتها ... كما لا يمكن القبول بمسلمات الفقر والجهل أن تولد عنف وارهاب وفكر تكفيري يفقد الانسان توازنه وانسانيته وحتى ايمانه وتسامحه والتمسك بتعاليم دينه .

الاعلام بكافة وسائله يمثل أدوات قوية ومؤثرة بما يمكن للأعلام أن يحشده من رسائل ومضامين فكرية ثقافيه حضارية وانسانية وطنية وقومية دينية وايمانية وعقائدية .

هذا الكم من الجهد الاعلامي وما يبذل من طاقات ... وما يتم انفاقه من اموال ... له نتائجه وانعكاساته ... لكنه لا يغطي كافة المجالات والتفاصيل الحياتية والبواعث الانسانية والفكرية والفلسفية ... كما انه لا يخاطب كافة العقول والثقافات بلغات مفهومة وأفكار مبسطة ... ولا يصل بتأثيره الى كامل الفئات المراد مخاطبتها والتأثير بها وصياغة فكرها .

الاعلام بوسائله المرئية المسموعة والمقروءة وبتكنولوجياته ووسائل اتصاله والكترونياته والتي انتشرت بصورة غير مسبوقة يعتبرون حصيلة جهد جمعي ومجتمعي يقوم على أداء مهنة ايصال الرسالة الاعلامية بمحتواها وما بداخلها من اخر الاخبار والمستجدات والتحليلات والآراء الفكرية وتبايناتها والمواقف السياسية وتناقضاتها والتي تلتقي وتتعارض مع أراء وافكار الفئات المستهدفة .

الاعلام المنظم والهادف ... يختلف في نتائجه عن الاعلام المنفلت والهابط ... ولا مقارنه بينهما ... لاختلاف الاهداف والمفردات والتحليلات والنتائج المنتظرة .

فالأعلام المنظم والهادف حتى وان كانت بداخله وجهات نظر متباينة لا تخرج عن اصول اللياقة والمهنية والدعوة الى التماسك والوحدة والرقى بوعي المتلقي .. وتعزيز ديمقراطية المجتمع وايضاح حقيقة الاوضاع وتصليب وتماسك المجتمع ... وتقوية دعائمه واسس وجوده الحضاري والتاريخي كما يعمل على تعزيز الثقافة الوطنية وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية على أرضية ومبادئ أخلاقية وطنية مدعمه بجذور تاريخية وروابط قوية أصبحت تشكل بمفهوم المجتمع خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها او القبول بالقفز عنها .

بينما الاعلام المنفلت والهابط ... والذي يأتي بمعظمه وفق نظريات التأثير والشائعات خاصة عبر المواقع وشبكات التواصل والذي يخرج منها ما يسيئ الى القيم والاخلاق والمبادئ الوطنية وما يعزز من حالات الانفلات والتشتت والانقسام والصراع ما بين الفئات والطبقات وما يعمق من جذور الخلاف والتشتت ... وهذا لا يعني أن الاعلام الالكتروني بمجمله يأتي بهذا السياق وبهذه النتائج ... لكن هناك من الاعلام الالكتروني والمواقع الاخبارية ما تمثل صفة المصداقية والموضوعية والمهنية والحرص الوطني والقومي .

لكن هذا التداخل والتضارب والتناقض استغل بصورة سيئة ... أوصل الفكر التكفيري والارهابي الى عقول من لا يمتلكون قدرة الفصل والتمييز في هذه الزاوية والمساحة التي يحاولون تعبئتها بأفكار وفراغات تزيد من الهوة والفجوة ومحاولة املاء العقول المفرغة بأفكار هلامية لا أساس لها ... ولا تستند الى نصوص قرآنية ... ولا حتى الى تفسيرات حقيقيه ... وبالتأكيد لا تعبر عن فتاوى من اصحاب ذوي الشأن والاختصاص .

 

الخطاب الاعلامي الوطني يهدف الى تعزيز الانتماء وأواصر العلاقات والروابط الانسانية والاجتماعية ... خطاب يدعوا الى المحبة والتسامح والترابط .. كما ويدعوا الى تعزيز القيم واخلاقيات الدين كما ويعمل على لغة التصالح ما بين أفراد المجتمع على أرضية وطنية ومصالح عليا تدفع الى التمسك بالوطن ومؤسساته أمنه واستقراره ... كما تدفع الى تعزيز ثقافة العمل وبذل الجهد لأجل الرقي ومستوى دخل الفرد وانهاء حالة الاتكالية والفوضى الفكرية ونشر الشائعات .

الاعلام الوطني يدفع باتجاه محاربة الجهل والفقر وتعزيز عوامل التنمية وزيادة مدخولات الفرد والرقي بمستوى معيشة الأسرة .

الاعلام الوطني بكافة وسائله وتخصصاته عليه دور كبير للفعل ... وليس لردة الفعل ... الفعل في أداء الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الاعلام وهي كثيرة ومتعددة ويدركها الجميع .

لكننا في سياق ردة الفعل وهي تأتي في اطار السياق الطبيعي ... باعتبار ان الاعلام انعكاس للمجتمع يشاركه افراحه ... كما ويشاركه أحزانه ... ويعبر عن نبض الشارع ... الا أن ردة الفعل ازاء أي حادثة او قضية او موقف يجب أن يستفاد منه في اطار التعبئة الفكرية الثقافية الوطنية ... وادخال الكم الأكبر من الاخلاقيات والمبادئ والسلوكيات التي نسعى لتعزيزها داخل المجتمع باعتبار أن فرصة ردة الفعل لها تأثيراتها السريعة والايجابية والمؤثرة .

الاعلام بكافة وسائله وشبكات التواصل والمواقع الاخبارية يجب أن يكونوا تحت السيطرة والرقابة في اطار الحرية المتاحة والملائمة والتي تخدم المجتمع ولا تضر به ... والتي تمنع التسيب والتشتت وحالة الفوضى .

اعلام يحفظ للإنسان حرية الكلمة والتعبير والمستندة الى الضوابط والمصالح العليا للوطن ... وعدم الخروج والانفلات الى حالة الضياع والتوهان وعدم ضبط الكلام ونشر الشائعات .

تنظيم الاعلام لا يمكن أن يعني محاصرة الحرية والكلمة ... لكنه يعني أعلى درجات الانضباط والاحتكام الى لغة العقل والفكر المستنير الذي يخدم المصالح العليا للوطن .

اما ان يترك لكل من هب ودب ... أن يقول ما يشاء ... ومتى شاء .... واين شاء فهذه فوضى اعلامية ... وتخريب مبرمج وفق برامج تفتيت وتشتيت المجتمعات واهدار الطاقات ... وارسال حالات الاحباط وخفض المعنويات .

يجب أن يعاد صياغة الاعلام العربي بكافة وسائله ... وأن يكون الاعلام لنا ولقضايانا والبحث فيها وايجاد المخارج لأزماتنا وليس اعلام علينا ... لنهش لحمنا وتكسير عظامنا وتفتيت مجتمعاتنا واسقاط حالة اليأس والاحباط علينا ... كما تقوم به بعض القنوات المعروفة التي شكلت ظاهرة فوضوية اعلامية تحكمها الاثارة والاخبار الكاذبة وحتى الانسرتات المدبلجة في معامل التصوير والخداع البصري .

القائمين على الاعلام يجب أن يأخذوا دورهم ويتحملوا مسؤولياتهم بكل عنايه وقدره ... أن لا يتركوا للفوضى تأثيراتها وسلبياتها والتي اوصلت الى حالة التكفير والارهاب .

لأن التكفير والارهاب ومحاصرته من خلال اعلام قوي وهادف ومؤثر ... سيجعل من تحرك وامكانيات من يخططون وينفذون وحتى من يفكرون في الاضرار بأمن وسلامة المنطقة لانهم اكثر محاصرة وعدم قدرة على التحرك ونشر افكارهم مما سيؤدي لاجتثاثهم وانهاء وجودهم .

مواجهة الارهاب التكفيري من خلال الاعلام بكافة وسائله مسألة متاحة وضرورية كما المواجهة عبر الطرق والوسائل المتعددة بما فيها المواجهة الأمنية والثقافية والدينية وحتى التحركات السياسية لكشف زيف الارهاب والارهابيين وفضح مصادرهم والدول التي تدعمهم .

يجب أن يحارب الارهاب التكفيري بكافة الوسائل المتاحة وبجهد كافة الفئات والشرائح المجتمعية وأن لا يترك هذا الفكر التكفيري في التلاعب على اوتار معروفة ومكشوفه .

تحديات الامة العربية كبيرة ومتعددة ... وفيها الكثير من المخاطر ... لذا يجب أن تكون بداية المواجهة محاربة الارهاب التكفيري واجتثاث جذوره ووقف دعمه بالمال والسلاح ... كما منع تحركه واتصالاته .

هذه المواجهة العربية تحتاج الى تعاون دولي ... بعد أن وصل بحال الارهاب والتكفير الى الكثير من الدول والعواصم ... على أن يعمل الجميع على تحديث الخطاب الديني وعدم ترك فراغات ومساحات لدعات الدين ... ومن يحاولون تحريفه واستغلاله لمصالح أحادية ... حتى نعود بصورتنا كأملة ... وحتى نحافظ على ديننا وتسامحنا ومحبتنا وأخلاقياتنا ... والتي سنبقى نعتز بها ونفاخر بها الأمم .

بقلم/ وفيق زنداح