مرة أخرى يخرج علينا وزير حرب الاحتلال أفيغدور ليبرمان لينفث سمومه في وجه الأسرى الفلسطينيين مستخفا بإضرابهم المفتوح عن الطعام ، حيث عبر بطريقة وقحة عن تمنياته أن يجوع الأسرى حتى الموت مبديا إعجابه بأسلوب مارغرت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة في تعاطيها مع إضراب معتقلي الجيش الجمهوري الايرلندي في سجون بريطانيا بدابة الثمانينات بتركهم يجوعون حتي الموت ، في تلميح لعدم اكتراث حكومته بإضراب الأسرى ورفضها التجاوب مع مطالبهم العادلة .
تصريح ليبرمان يأتي في سياق حملة التحريض علي الأسرى الأبطال وإضرابهم المشروع ، حيث ترافق مع توجيهات وزير الأمن الداخلي للاحتلال جلعاد أردان بتشديد الخناق علي الاسرى واعتماد سلسلة من العقوبات الهادفة لثنيهم عن الاستمرار في معركتهم ومنها عزل قيادة الاضراب ومنع المحامين من زيارتهم ووقف الزيارات العائلية لكافة الأسرى وغيرها من الاجراءات والفرارات التي كان أخطرها علي الاطلاق إنشاء مستشفى ميداني أمام معتقل النقب الصحراوي لتجميع الاسرى المضربين وعدم نقلهم الي المشافي المدنية .
لا تكمن الخطورة هنا في تدني مستوى الرعاية الطبية للأسرى المضربين أو إساءة معاملتهم وابتزازهم بوقف الاضراب مقابل العلاج سواء كان ذلك في المشافي المدنية أو الميدانية ، ففلسفة الاضراب أصلا هي ايذاء الجسد كنوع من الاحتجاج وقد تصل الامور احيانا الي رفض الاسير الخضوع للعلاج في خطوة متقدمة للتصعيد ، ولكن مكمن الخطورة يتمثل في نوايا الاحتلال فرض التغذية القسرية علي المضربين خاصة بعد أن شُرِع هذا الاجراء بقانون أقره الكنيست الاسرائيلي ، وبسبب دراية الاحتلال المسبقة برفض الأطباء الاسرائيليين تطبيق هذا الاجراء ليس لأنه يتنافي مع اخلاقيات مهنة الطب ومبادئ الانسانية انما خشية من الملاحقات القانونية التي لوح بها الاتحاد الدولي للأطباء لكل من يمارس هذه الجريمة.
لذلك فإن خطر إخضاع الأسرى المضربين للتغذية القسرية الجماعية بواسطة أطباء فاقدين للانسانية والضمير ويأتمرون بقرارات مصلحة السجون هو أمر وارد في ظل وجود حكومة فاشية متطرفة جعلت من الأسرى الفلسطينيين عنوان استهداف وانتقام خاصة وجود المتطرف المأفون ليبرمان علي رأس وزارة جيش الاحتلال وهو الذي طالما أطلق التهديدات بقتل الأسرى وجعل من إقرار قانون إعدام الأسرى شرطا لدخوله حكومة الاحتلال ، وبالتالي فالخشية كبيرة ومنطقية بأن يقدم شخص مثله علي حماقة من هذا الطراز .
علي أية حال فإن الأسرى الفلسطينيين عندما قرروا خوض هذه المعركة أعدوا أنفسهم لمجابهة اسوا الاحتمالات من قمع وقهر وانتهاكات وتضحيات وقد تهيئوا لما هو متوقع من ردود فعل وتصعيد احتلالي ممنهج متسلحين بإرادتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم غير آبهين بحجم التضحيات ويعلمون بأن خطوات الاحتلال لمواجهة اضرابهم تأتي ضمن سيناريو مكرر ترافق تاريخيا مع كل الاضرابات والخطوات النضالية التي خاضتها الحركة الأسيرة خاصة تلك التي تتسم بالطابع الجماعي المنظم .
من الواضح تماما أن حجم التهديد الذي انطوت عليه تصريحات قادة الاحتلال تعقيبا علي خطوة اضراب الأسرى نابع من حجم القلق والخشية من تداعيات هذه الخطوة علي الأوضاع الأمنية في الأراضي المحتلة وإمكانية تجدد الانتفاضة الفلسطينية بزخم أقوي دعما للأسرى ما من شأنه تعريض جنود ومستوطني الاحتلال للخطر ردا علي استهداف الأسرى وعدم تجاوب الاحتلال مع مطالبهم المشروعة ، خاصة وأن تجارب سابقة لاضرابات جماعية خاضتها الحركة الأسيرة انعكست ارتداداتها بقوة علي الشارع الفلسطيني عبر هبات شعبية شهدت اندلاع مواجهات عنيفة سقط خلالها عشرات الشهداء .
لذلك فإن المطلوب أن يجد الاحتلال ما يخشاه وما يتحسب له من تفاعل شعبي لا يقتصر علي الوقفات والاعتصامات وورش العمل والندوات علي أهميتها ، لكن رد الفعل يجب أن يرتقي لمستوي تضحيات أسرانا الأبطال من خلال الالتحام والاشتباك مع الاحتلال عند نقاط التماس والحواجز ، وضرورة أن يضطلع الإعلام الفلسطيني في دوره ومهامه في مواكبة تطورات الاضراب وتحشيد الرأي والفعل الجماهيري المحلي والعمل علي فضح وتعرية جرائم الاحتلال بحق الأسرى علي المستوى الدولي ، لكي يثبت الفلسطينيون لليبرمان وأمثاله من حثالة المجرمين مدى ارتباط الشعب الفلسطيني وجدانيا وعاطفيا بأبنائه الأسرى الأبطال ولكي يبرهنوا للعالم أن الاستخفاف بالأسرى ومنعهم من نيل حقوفهم او المساس بحياتهم سيكون بمثابة صاعق التفجير الذي سيشعل المنطقة ويهدد استقرارها وربما تمتد تداعياته وآثاره إلي العالم أجمع .
بقلم/ أسامة الوحيدي