عباس يهاوش

بقلم: طلال الشريف

لا أدري كيف وضعوا شعب غزة في حالة دوران حول الذات حيث تنضح التحليلات والمقابلات الإعلامية والسياسية وتصريحات النكاوة والمناكفة بالقلق والتحذير والتخويف من بشاعة القادم لهذا القطاع المغلوب على أمره مرة بسيناريو قطع وخصم من الراتب ومرة بالتقاعد المبكر ومرة بالحرب ومرة بنقص الدواء والخدمات الصحية ومرة بوقف المعونات والمساعدات والشؤون الإجتماعية وسيناريوهات دولة غزة ودائما بمعضلة الكهرباء المزمنة والتي تفوق قدرة الفلسطينيين أصلا في حلها بوضعهم الحالي حتى وصلت الأوهام بالمحللين والمواطنين والسياسيين لدرجة الهوس والذعر من القادم.

لن أذهب بعيدا كما يحاول الجميع الذهاب إليه في أن هناك حركة تغيير وتدخل العالم والإقليم بالسلب أو الإيجاب تجتاح فلسطين وخاصة قطاع غزة المنكوب أصلا.

تعالو نسأتل ماذا جرى وماذا يجري ؟

لا شيء جديد غير الصراع الداخلي ومحاولة استمرار رجال السلطتين في مواقعهم ومواقفهم ليستمر الحال هكذا ولا يريدون إنهاء الإنقسام ولا يستطيعون ذلك ، إن ما وضع الغشاوة على عقول وعيون المحللين والمواطنين والسياسيين هما حدثان طبيعيان بالمعنى السياسي قد أربكا الواقع الغزي خاصة والفلسطيني عامة أولهما مؤتمر قمة البحر الميت وثانيهما إتصال رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب وزيارة الرئيس عباس لواشنطن ومن ثم ما تبع ذلك كما تصور البعض من خطوة مجزرة الرواتب وكأنها خطة دولية أو إقليمية لتغيير الواقع الفلسطيني ، وهنا من الأهمية الفصل بين الحدثين ومجزرة الرواتب.

قمة العرب حدث عادي وروتيني له هذه المرة علاقة بدول عربية متأزمة ولا دخل للقضية الفلسطينية بها سوى أن العرب يريدون وضعها مسمار جحا للرئيس ترامب لما لها علاقة بدولة اسرائيل شماعة العرب المزمنة فاهتمام كل الرؤساء والإدارات الأمريكية المتعاقبة اهتمام طبيعي وأميريكا تنظر إلي أمن اسرائيل من زاوية خاصة جدا لا تمت بصلة لما يجري في مؤتمرات العرب حيث كانوا في أوضاع أفضل من الآن ولم يفعلوا شيئا فما بالك الآن والعرب كل يحاول النجاة بنفسه وتقديري ليس لدى العرب خطط لفلسطين وإلا لما استقدموا المبادرة العربية التي ماتت وشبعت موت.

والحدث الثاني الاتصال التليفوني من الرئيس ترامب للرئيس عباس وهذا في حد ذاته ليس بالموضوع المهم فالادارة الجديدة في الولايات المتحدة كما سابقاتها تحمل بعض الملفات لتتواصل مع رجال السياسة ورؤساء الدول لإعادة التنقيب وإشغال السياسة الخارجية بها وسواء تمت زيارة الرئيس عباس أو تأجلت أو لم تتم من أصله فلن تغير في أنها استطلاع وعرض للمواقف وهذه التواصلات لا تحمل جديدا وليس هناك خطط ولا سيناريوهات.

أما ما تصوره البعض بأنه ترتب على الحدثين وهو موضو خطوات عباس نحو غزة والتي تفجرت مع خصم 30% من الراتب فهذه قضية أخرى لا تتعلق بالحدثين قطعيا.

إن الذي يجري من قبل رام الله علي قطاع غزة ليس هو خطة تثوير ضد حماس ولا هو هجوم من رام الله لتحرير غزة وسنقول لماذا؟ بل ما يجري حقيقة هي خطة عقاب لغزة بدأت منذ بدأ الخلاف في فتح وتسارعت بسبب المبادرة العربية الرباعية وخاصة الخطوات المصرية تجاه غزة وستستمربتجدد الخطوات لنفس السبب.

نعود قليلا للوراء فقد بدأت قصة عقاب غزة بخطوات قطع رواتب المتجنحين تعالو وحين طرحت المبادرة العربية ورفضها عباس واعتبرها تدخلا في الشأن الفلسطيني رغم أنها مبادرة عربية للخروج من المأزق الفلسطيني من خلالها كان يمكن اصلاح الوضع الفلسطيني وانهاء الخلاف الفتحاوي الفتحاوي والخلاف الفتحاوي الحمساوي لمصلحة مصر والعرب وعند هذه النقطة بالذات استشرس عباس في رفضه للمبادرة وتجمدت العلاقة مع هذه الدول دون قرار بذلك وحاول عباس أن يعطي حينها الدفة لقطر لأخذ الدور المصري في اتمام المصالحة جكرا في مصر التي تصور أنها تتدخل لصالح النائب محمد دحلان وأستمر عباس في محاولة إنهاء دور دحلان السياسي وجماعته من فتح وعقد المؤتمر السابع ضمن الخطة التي وضعها للخلاص النهائي من دحلان وتصور بأن المؤتمر السابع سيطيح بدحلان حين عاقب فتح غزة بتقليص العدد والنوع في اللجنة المركزية والمجلس الثوري من فتحاويي غزة ولكن بعد أن فتحت مصر العلاقة مع أهل غزة في محاولة لاستعادتها سياسيا واجتماعيا شعر الرئيس عباس بتهديد حقيقي علي وضعه ومكانته في فتح وفي السلطة وتسارعت خطة عباس لمواجهة تنامي شعبية دحلان الذي أراد استئصاله وما زاد الطين بلة لعباس تلك الاستجابات السريعة لقطاعات عدة من اقتصاديين ووجهاء ومثقفين وسياسيين للتعاطي مع الدور المصري فكانت المؤتمرات والرحلات إلى عين السخنة والقاهرة وأحدثت صخبا في الاعلام وإزدادت شعبية دحلان بين الشباب خاصة بعد مؤتمر الشباب بالقاهرة مما زاد من حنق عباس واستمر عباس في خطته لقمع غزة فهو قد خسرها وبالتالي لابد من العقاب وتحول عباس وفريقه في رام الله للخطوات الأكثر ردعا لأهل غزة وأعطى التعليمات بخصم ال30% رغم أن العلاقت مع مصر أخذت طابع الهدنة المؤقتة بعد اجتماع الرئيس عباس والرئيس السيسي في مؤتمر قمة البحر الميت ولكن عباس لم يستسلم للدور المصري لإصلاح ذات البين الفلسطيني واستمر في عقاب غزة والتهديد بالتقاعد المبكر والتنصل من قضايا خدماتية واجتماعية واقتصادية بحجج عدة أولها تدخل وضغط الدول المانحة بشأن رواتب موظفي قطاع غزة ثم تحججوا بالعجز المالي ثم إخترعوا الكذبة الكبرى بأنهم بخطواتهم يضغطون حماس للاستجابة للمصالحة وإنهاء سيطرتها على مقاليد الحكم في غزة ولكن هل يعقل أن تضغط رام الله على حماس من خلال الإضرار بالشعب المنكوب أصلا والموظفين التابعين لها فقط في غزة وليس في الضفة أيضا وهو خطأ استراتيجي لا يمت لخطة شاملة لهزيمة حماس لو كان الأمر صحيحا وكيف لمن أضعف فتح وشرذمها أن يدعي بمحاولة إخضاع حماس وهذا خطأ استراتيجي ثان والأنكى من كل ذلك كان الخطأ الأكبر والجريمة الكبرى في محاولة تصوير واقناع المظلومين والمعانين والمحتاجين الذين لم يعد لهم حول ولا قوة في مواجهة واقعهم بسبب تقاعس حكام رام أصلا والذين تذكروا الآن أنهم مناوئين لحماس لو كانوا صادقين ويريدون اخضاعها بعد أكثر من عقد من الزمن تركوا حماس لتتمكن من فرض سيطرتها وقانونها على الناس فكيف ذلك؟ ومن سيقتنع بأن رام الله تريد تثوير الشعب ضد حماس؟ والجواب نعم الشعوب يمكن أن تثور ولكن ليس بقيادة كقيادة الرئيس عباس الذي أدار الظهر لغزة عشر سنوات ومكن حماس من القوة المخضعة للناس، والشعب حين يثور علي أي نظام حكم لابد له من قيادة لها من الصفات ما يختلف عن عباس وفريقه.

ومما لا يفوتنا أن السيناريوهات التي يطبل لها الكثيرون سواء الحرب أو دولة غزة أو اعلان غزة اقليم متمرد هي سيناريوهات وهمية ليس لها وجود حيث كل الأطراف لا تريد حربا في فلسطين أولا وثانيا لا يمكن لمصر أن توافق على دولة تقتطع من أراضيها بأي حال من الأحوال واعلان غزة إقليم متمرد فهذا غير قانوني ولا مقبول في الامم المتحدة فنحن لسنا دولة أصلا معترف بها في الامم المتحدة لتأتي قوات دولية لتحارب المتمردين .

الشيء الأهم من كل ذلك لماذا يتداعى العالم لحل اشكاليتنا في الانقسام فاسرائيل مستفيدة جدا من حالة الانقسام وتغذيها هذا أولا، وثانيا لم يطرأ أي تغير نوعي ايجابي لا على الفلسطينيين ولا على العرب فهل من المعقول أن يأتي العالم أو أحد الأطراف للأخذ بأيدينا؟ وخاصة وأن كل الدول الفاعلة سواء عربية أو اقليمية هي في أزمات أكثر من أزماتنا والمنطق يقول بأن هناك دولتان يمكن لهما التغيير في واقع غزة أولهما للأسف إسرائيل عند انتهاء استخدامها للإنقسام وثانيهما مصر قائدة الأمة العربية وصاحبة مصلحة في إنهاء الإنقسام بفعل الجغرافية وتأثيرها السلبي عليها وقد حاولت وتحاول بكل ما تعانيه أن تتدخل لرأب الصدع الفلسطيني ولكن عباس رفض ذلك وأنا على قناعة تامة بأن خطة عباس هي لمعاقبة غزة وليس لتحريرها أو الرجوع لإدارتها بل ستزداد خطوات عباس العقابية كلما استؤنفت الخطوات المصرية في محاولة التقرب لأهل غزة وهي التي تملك رؤية لجمع الأطراف والتأثير بهم نحو المصالحة بما فيهم حماس ودحلان.

بقلم/ د. طلال الشريف