دور التربية الدينية في تطوير الحوار بين الثقافات والأديان

بقلم: حنا عيسى

مما يؤسَف له أنَّ البشرية بأسرها لجأت إلى العنف في جميع مراحل تاريخها، لحلِّ النِـزاعات بين البشر. ومن المؤسِف أيضاً أنَّ الحضارات والشعوب كلَّها كثيراً ما سخَّرت الديانات وجعلت منها عاملاً للحروب، أو لجأت إلى العنف للدفاع عن الدين أو لإقرار مبادئه. والأسوأ من ذلك أنَّ أبناء الدين الواحد يلجأون إلى العنف أحياناً فيما بينهم لأسباب دينية أو لغيرها من الأسباب. وما زالت هذه العقلية قائمة إلى اليوم بشكل من الأشكال. ومع ذلك، فإنّنا نقول إنَّ العنف ليس من الدين في شيء، بالرغم من هذه الجذور البعيدة في التاريخ من حيث استخدامُ العنف ومن حيث ربطُ الدين به. بل الدين إيمان بالله وبما يوحي به الله من حقٍّ وعدل ومحبَّة ورحمة تُقرِّب الناس بعضهم من بعض. فهو عامل تقريب بينهم. وليس الدين وليس الله بحاجة إلى أن يقتتل الناس في ما بينهم فيغذُّوا النفس بالكراهية المتبادلة.

قال السيد المسيح في إنجيله المقدَّس: "طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض" (متى 4:5). وجاء في سفر الأمثال: "إنَّ عنف الأشرار يجرفهم" (أمثال 7:21). وقال يوحنا الرسول في رسالته الأولى: "نحن نعلم أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة لأنَّا نُحبُّ إخوتنا، من لا يُحبُّ بقي رهن الموت. وكلُّ من أبغض أخاه فهو قاتل" (1يوحنا 3 : 15).

*التفاعل بين الديانة والقومية :

الدعوة إلى القومية ليس معناها الدعوة إلى الدين لأن كل الناس عباد لله تعالى وكلهم يريدون الحياة السعيدة في الدنيا وما بعد الحياة الدنيا، وهذا لا شأن للقومية به بل يعتبرونه الدعوة إلى الدين دعوة ناقصة عن تحقيق طموحات القوميين بل إنها رجعية في نظرهم ويجب فصله عن الدولة أيضا. وانسياقا مع مفاهيم الحركات الأوروبية التي قامت في البداية على القومية وحرب الدين بل وصل طمع دعاة القومية أن تكون بديلا عن النبوات وأن نبوة القومية يجب أن يبذل لها كل غال ورخيص وأن يكون الإيمان بها أقوى من كل الروابط وجعلوها في الكفة الأخرى مع الإيمان بالله تعالى وأنها يجب أن تكون هي الديانة.

*تنوع الشعوب واختلاف الأديان:

التعايش يعني التعلم للعيش المشترك، والقبول بالتنوع، بما يضمن وجود علاقة إيجابية مع الآخر. فلقد عرَفت هوياتنا العلاقة مع الآخر، فعندما تكون العلاقات إيجابية وعلى قدم المساواة معه، فإن ذلك سوف يعزز الكرامة والحرية والاستقلال، وعندما تكون العلاقات سلبية ومدمرة فإن ذلك سيقوّض الكرامة الإنسانية وقيمتنا الذاتية. وهذا ينطبق على الفرد والجماعة والعلاقات بين الدول، فبعد أن شهدنا حربين عالميتين وحروباً لا حصر لها من الدمار والإبادة الجماعية، صارت مسألة تعزيز التعايش على جميع المستويات أمراً ملحاً للقرن الواحد والعشرين. واحد من المفاهيم الأساسية في تاريخ الثقافة الغربية عموماً، والفلسفة الحديثة على وجه الخصوص، هو أن الشرعية الفعلية للوجود المفترض مع صفاتها المحددة موجودة فقط عندما تعترف بها ذاتية أخرى، ووفقاً لهيغل، فإن جوهر فكره قائم على مصطلح «وجود» وهو في الأساس «تعايش».

ان التعايش كنموذج يجب ألَّا يقتصر على العلاقات بين الدول ولكن العلاقات داخل الدول كذلك، فالتعايش بين مختلف الشعوب والأعراق والجماعات الدينية والعشائر والقبائل وطيف من الهويات هو التحدي الكبير للقرن 21، كما أن التعايش بين الشعوب أصبح ضرورة ملحة في المرحلة المقبلة من تطور الحضارة.

بقلم/ د.حنا عيسى