غزة ... والجرائم !!!

بقلم: وفيق زنداح

الجريمة وقد ازدادت بأنواعها ... منطلقاتها ... وملابسات ظروفها ... حتى بدأ الامر وكأننا أمام حالة من الجريمة الفردية ... وليس الجريمة المنظمة ... مقابلها حالة من الاستهتار وعدم الجدية والاحساس بالمسؤولية لدى الجاني وعدم خوفه من القصاص حتى وان تم القبض عليه لأسباب وثغرات قانونية يمكن أن تخفف من الاحكام على قاعدة فقدان التوازن وتناول المخدرات وحالة الإدمان ... وأسباب أخرى يمكن اختلاقها للتغطية على جرائم نكراء ... أوصلت مرتكب الجريمة الى فقدان انسانيته وادميته بعد أن مات ضميره وفقد احساسه وحتى محبته لمن حوله .
الأجهزة ذات الاختصاص من القوى الشرطية والجنائية تبذل جهود كبيرة ومتعددة ... لكنها تأتي ما بعد الجريمة ووقوعها ... بينما المطلوب الإمساك والقاء القبض على الجناة قبل ارتكابهم للجريمة سواء كانت سرقه أو قتل أو سطو مسلح ... يمكن أن يكون هذا ليس بالأمر السهل ... فلا يعقل بالمطلق إيقاف الجريمة قبل وقوعها ... والقاء القبض على المفكرين بها قبل ارتكابهم الفعلي لجريمتهم ... لكن الصحيح أيضا ... أن ظروف الجريمة والمنطلقين لتنفيذها يعيشون ظروف متشابهة كحالة الإدمان والبطالة والفقر والظروف الاجتماعية السيئة .... لكن بأمكان قائل أن يقول أن بعض مرتكبي جرائم القتل ليسوا من هذه الفئات ... بل هم أناس عاديون ... حتى انه مشهود لهم بحسن الخلق والاستقامة .
اذا ماذا حصل ؟؟ّ!! ماذا جرى لهذا القطاع وسكانه حتى يحدث لهم وبداخلهم هذا الكم من القتل والاجرام ... الذي وصل الى أقرب المقربين كالزوجة والابناء ... وحتى قتل النفس ... والاعتداء على الجار .
لسنا مختصين بعلم النفس والاجتماع ... كما أننا لسنا باحثين اجتماعيين واقتصاديين لدراسة معدلات الفقر والبطالة والعلاقات الاسرية والاجتماعية ... لكننا كإعلاميين واذا ما توفرت لنا المعلومة الدقيقة ... والاحصائيات السليمة يمكن لنا أن نحللها وأن نعطي الرأي حولها بعد دراسة مدلولاتها وقياسها ... لأننا لسنا كالسياسيين نتحدث بلغة عالية ... وبلغة قوية تعبر على أننا فوق كل الصغائر والجرائم والشبهات ... وأن ما يجري عندنا لا يهزنا ... ولا يثير الخوف بداخلنا ... ولا يشكل بالنسبة لنا ظاهرة تستدعي البحث والتحليل ... لان السياسيين يرون العظمة والابداع والتوازن والى درجة التماسك والوحدة والثبات ... وأننا ربما أكثر من أي شعب أخر .
تقديرات السياسيين خارج السياق الطبيعي والمألوف الملحوظ بفعل المتابعة وما يجري على الأرض ... بل انهم لا يسمعون ... ولا يصرحون ... ولا يغضبون ... ولا يعطون للأمر الأهمية التي تستحقها ... وكأنها حادثة طبيعية يمكن ان نشاهدها بأكثر الدول حضارة وديمقراطية ... وبأماكن السياسي أن يتحدث عن مستوى الجريمة بالولايات المتحدة ... أن يقارنها بحالتنا ومدى استقرارنا وأمننا الاجتماعي .
هذا الموقف للسياسيين يحتاج الى إعادة نظر وتصويب ... وأن يكونوا أكثر جدية ودور في متابعة هذه الجرائم والبحث في جذور أسبابها التي طرأت بحياتنا وداخل مجتمعنا والتي لم نعرفها من قبل .
الأجهزة الشرطية والمختصة بمتابعة مثل هذه القضايا تبذل جهد كبير وتتابع اعمالها ولها كل التقدير والاحترام ... لكن الدور المطلوب لمواجهة هذه الظاهرة الطارئة والشاذة بحياتنا تحتاج الى جهود الجميع من فصائل ومؤسسات وتخصصات اجتماعيه قانونية ومراكز صحية ونفسية .... أي اننا نحتاج الى تعاون الكثير من قوى المجتمع ووسائل اعلامه ومؤسساته الثقافية لمتابعة هذه الظاهرة واحداث حالة من التوعية النفسية والتربوية والاجتماعية ... وأن نحذر من كافة المخاطر التي يمكن أن تترتب على الإدمان والسلوكيات الشاذة والسقوط الأخلاقي الذي يعيشه البعض نتيجة انحرافات متعددة .
لا يعقل أن يترك المجتمع بحالة ردة فعل على كل جريمة يمكن ان تحدث ... ولا نجعل من انفسنا فاعلين ومسبقين في دراستنا وبحثنا لوقف مثل هذه الظواهر والتجاوزات .
يجب أن نمسك بزمام امورنا وأن نحدد أول الخيط ... وحقيقة الدوافع والظروف لارتكاب مثل هذه الجرائم المشينة والتي أصبحت تشكل عبء إضافي مؤلم على مجتمعنا الذي يعاني بالأصل ظروف يائسة وبائسة ... ولا يحتاج للمزيد ... ولم يعد بمقدوره الاحتمال .
اننا على قناعة ثابتة أن الإصلاح والمواجهة ... ووقف مخاطر الظاهرة ... وتصليب المجتمع وزيادة عوامل قوته ... واستثمار طاقاته وابداعاته يحتاج الى جهد جماعي حكومي ومؤسساتي من المجتمع المدني ... حتى نتمكن من وقف مخاطر هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا لا يمكن لنا أن نتجاهله في ظل كل ما نسمع ونشاهد .
الموقف التي نحن عليه لا يحتاج الى الكثير من الاتهام حول من هو مقصر ... ومن هو السبب في ظل جريمة تتكرر وتتعدد وتزداد ... بل نحن نحتاج الى التنازل عن مصالحنا ... واعلاء مصالح الناس وأمنهم واستقرارهم وتماسك اسرهم .
غزة ... لمن لا يعرفها ... ولمن لم يعيش بها ... وحتى لمن لم يبلغ بعمره عقودا ... هذه غزة لم تشهد الجريمة ... ولم تعرف مثل هذا السلوك ... واذكر ... وربما غيري بمثل عمري يذكرون حادثة واحدة ... قتل فيها أحد تجار الذهب من المنطقة الجنوبية ... من قبل عصابة تم القاء القبض عليهم واعدامهم ... حادثة واحدة أوقفت غزة بأهلها على قدم واحدة حتى تم القاء القبض على القتلة والقصاص منهم .
غزة وحتى موقع بلدية غزة الحالي كانت عبارة عن عدة مناطق من حي الشجاعية والزيتون والتفاح والدرج ... وأمامهم رمال صفراء حتى شاطئ البحر .
أما اليوم فنرى غزة مترابطة العمران ... ومترابطة السكان ... وداخل كل عمارة عشرات الافراد ... فهنا يبقى السؤال في ظل غزة القديمة وتباعد السكان عن بعضهم البعض لم يكن يحدث جريمة ... بينما اليوم والناس يعيشون متلاصقين في أبنية واحدة ... تزداد الجريمة ... هذا بحد ذاته يحتاج الى دراسة شاملة حول العديد من الأسباب والتي تكمن وراء مثل هذه الظاهرة الخطيرة .
ان ما نراه اليوم ... لا علاقة له بغزة وأهلها وأخلاقهم ... ووطنيتهم ... وتربيتهم ... لكنه ظاهرة طارئة غريبة تحتاج الى محاصرتها واجتثاثها .... ومعرفة أسبابها الحقيقية ... والصراحة والمصارحة لمواجهتها .

الكاتب / وفيق زنداح