من المظاهر السلبية والمُعيبة التي انكشفت بفضل إضراب الكرامة الذي يُشارك فيه أكثر من 1500 أسير فلسطيني، هو أنَّ الانقسام السياسي ينعكس على الجاليات الفلسطينية في الخارج ولا يتوقف على الساسة والفصائل في الداخل، كما أن الانقسام السياسي يتحول تدريجياً الى انقسام شعبي، وهذا -إذا حدث فعلاً- فسيكون كارثة حقيقية تعني بأن الفلسطينيين يعيشون أسوأ سنوات الصراع مع الاحتلال على امتداد عقوده السبعة.
خلال الأيام القليلة الماضية انتفض الكثيرُ من الفلسطينيين وأبناء الجاليات العربية والمتضامنين معهم وأنصار حقوق الانسان في وجه السفارات الاسرائيلية حول العالم، رافعين صور الأسرى المضربين عن الطعام، مطالبين بالاستجابة لهم، متضامنين مع نضالهم المشروع، فيما كان الانقسام الفلسطيني الداخلي حاضراً بين الحين والآخر على الرغم من أن قضية الأسرى واحدة من قضايا الاجماع الوطني ولا يختلف عليها فلسطينيان، بل لم يسبق أن تعامل أي فلسطيني مع القضية على أساس فصائلي؛ فمروان البرغوثي أسير فلسطيني وليس فتحاوياً، وكذلك جمال أبو الهيجاء أسير فلسطيني وليس حمساوياً، وأحمد سعدات وغيرهم كثيرون.
الفلسطينيون في الخارج كتلة بشرية وسياسية مهمة، ويجب أن يكون لهم تأثير في الواقع السياسي الفلسطيني، وفي الوقت ذاته ينبغي أن يكونوا على مسافة واحدة من كل الأطياف في الداخل، ذلك أنهم لا يخضعون للسلطة الفلسطينية لا في رام الله ولا في غزة، ولا علاقة لهم بالتباعد الجغرافي بين الضفة والقطاع، وليسوا جزءاً من الخلافات بين حركتي فتح وحماس، بما يجعل عوامل الشقاق والخلاف غير منفية وغير موجودة، اللهم إلا العامل النفسي لدى بعض المؤيدين لهذا الطرف أو ذاك.
الجاليات الفلسطينية في الخارج تستطيع تقديم الكثير للقضية الفلسطينية، وهي أمام مهمة كبيرة وعلى ثغرة خطيرة، ففي الحال الفلسطيني، وبشكل استثنائي نجد أن الفلسطينيين في الخارج هم ضعف الموجودين في الداخل من حيث العدد، كما أن فلسطينيي الخارج هم الذين قادوا الكفاح ضد الاحتلال منذ نشوئه حتى اندلاع الانتفاضة الأولى في العام 1987، أضف الى ذلك أن نشوء الدولة الاسرائيلية على الأرض الفلسطينية تم بجهود الصهاينة في الخارج لعقود عدة، وبالتالي فان نضال فلسطينيي الخارج قد يكون كفيلاً بالوصول الى الدولة المنشودة والتحرير المأمول في نهاية المطاف.
وبالعودة الى الأسرى الفلسطينيين وإضرابهم عن الطعام فإن تجاهل قضيتهم من قبل أي فلسطيني والتلكؤ في التضامن معهم يُشكل جريمة حقيقية، كما أن المشاركة في الفعاليات التضامنية على أساس الداعي لها والمنظم يُشكل اختزالاً لنضال الأسرى وإهانة لهم، فهم أسرى فلسطينيون يمثلون كل الشعب الفلسطيني أمام السجان وأمام الاحتلال، ولا يجوز التعامل معهم على أساس فصائلي أو عقائدي أو آيديولوجي، وإنما التعامل معهم يتوجب أن يكون على أساس فلسطيني بحت، وعلى قاعدة أنهم جميعاً جزء لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني، والكفاح المستمر لتحقيق الحلم الجماعي بإنهاء الاحتلال.
الانقسام الفلسطيني أمر معيب، بل معيب جداً، لكن العيب الأكبر أن تنعكس هذه الخلافات على قضايا ذات إجماع وطني مثل الأسرى واللاجئين والقدس وغير ذلك من القضايا التي تحظى بإجماع كل الشعب الفلسطيني على اختلاف الآيديولوجيا وامتداد الجغرافيا، كما أن العيب الأكبر من هذا وذاك أن تتحول الجاليات الفلسطينية في الخارج الى ما يشبه روابط تشجيع كرة القدم، بعضها محسوب على فتح وأخرى محسوبة على حماس، وآخرون محسوبون على تيارات أخرى، وفي كل مرة يتم تنظيم فعالية تضامنية أو تحرك احتجاجي يحضر عدد قليل من الفلسطينيين، بسبب أن "المشجعين" لا يحضرون المباراة التي لا يشارك فيها فريقهم!!
وخلاصة القول هو أنَّ "إضراب الكرامة" الذي يُشارك فيه اليوم اكثر من 1500 أسير فلسطيني، ينبغي أن يكون عاملاً لتوحيد الفلسطينيين في الداخل والخارج ورص صفوفهم وجمع كلمتهم، وإذا لم يتسنّ هذا بالنسبة لفلسطينيي الداخل، فعلى الجاليات الفلسطينية في الخارج أن تفعل ذلك لأنه لا يوجد في الخارج ضفة ولا غزة ولا سلطة ولا رواتب ولا أربعون ألف موظف ولا انتخابات ولا غير ذلك من عوامل الانقسام.. يوجد في الخارج ستة ملايين لاجئ فلسطيني يحبون بلادهم ويريدون العودة إليها ويرفعون القبعات احتراماً وإجلالاً وتقديراً لكل تضحيات الفلسطينيين في الداخل، وفي مقدمتهم الأسرى في سجون الاحتلال.
كاتب فلسطيني
