كان من الطبيعي أن تمتليء المقاعد في كل مقاهي وبيوت الوطن بناسنا ليتابعوا لعبة غريبة عنا لا في بلد بعيد وقد يكون أكثر بلد على وجه الأرض يذكرنا بفشلنا ونجاح الآخرين حتى وصل بنا الأمر أن ننشغل بنجاحاتهم دون أن نبذل أدنى جهد حقيقي على الأرض في سبيل تحقيق أي نجاح.
ببساطة وعفوية وتلقائية انطلقت أبواق السيارات والهتافات في شوارع الوطن المحتل وعلى مرأى ومسمع من القلة القليلة التي جلست في خيم الاعتصام مع الأسرى بل وعلى مرأى ومسمع حتى من عائلات الأسرى إن لم يكن على مسمعهم هم أنفسهم.
ليس الهجوم على المحتفلين هو الحل ولا شتمهم ولا مناكفتهم أو اعتبارهم بلا مشاعر وطنية فهم بالتأكيد ينتمون لوطنيتهم كما ينتمي الجميع وقد يكون وجعهم الأعمق هو الذي قادهم الى هناك فالمصيبة اكبر لو كان الأمر كذلك فقد كانت الأغلبية هي من انشغلت بمباراة ريال مدريد وبرشلونة ليلة الإسراء والمعراج وهم أي المحتفلين بالمباراة لم يكونوا أكثر من المعتصمين بخيام الاعتصام في ساحات المدن والبلدات والمخيمات بل وقد يكونوا أكثر كذلك من المتعبدين في ليلة الإسراء والمعراج وبالتأكيد أكثر من كل أولئك الذين تذكروا علاقة ذكرى الإسراء والمعراج بالقدس وحائط البراق المحتلين, نحن بحاجة لفحص الأمر لا للهجوم على مرتكبيه وإخراجهم من بين صفوفنا وإلا أصبحنا نحن القلة لا هم ومن المصيبة أن تعتبر الأقلية شعبها خارج عن الصف.
الذين تمسمروا أمام شاشات التلفاز ليصفقوا ويتعاركوا انتماء لهذا الفريق أو ذاك لم يكونوا منتمنين لاسبانيا المطرودين منها أكثر من فلسطين المصادرة بل كانوا ينتمون للنجاح هاربين من الفشل والذين هاجموهم لم يكونوا أكثر وطنية منهم ولكنهم كانوا مسئولين أكثر وعليهم واجب البحث عن السبب الذي جعل نوادي اسبانية لكرة القدم تستقطب كل هذا الاهتمام من مشاهد فلسطيني ومقهور كل هذا القهر ويعيش حالة كفاحية يجوع فيها خيرة أبنائه دون أن يهتز لثانية, لماذا ننتمي لنجاح الآخرين وقبل ذلك لماذا لا ننجح نحن فالانتماء للنجاح لا يحتاج إلى تفسير بل عدم القدرة على فعله هو ما نحتاج إلى تفسيره.
بعيدا عن استعادة الماضي إلا لقراءة الذات فقط فان علينا أن نقبل حقيقة أنهم نجحوا في إخراجنا من بلادهم – أي الاسبان – واليوم ينجحون في إخراجنا من بلادنا لننتمي لنجاحاتهم هاربين من فشلنا في حين أن علينا أن نسعى للاستفادة من تجربتهم لتنجح نوادي فلسطين بجذب اهتمامنا أو أن ننجح في خلق آليات لنجاح كفاح الأسرى في جذب اهتمام شعبنا أولا والدفع بكل طاقاته إلى أتون معركة الجوع والقدرة على جذب اهتمام وتضامن كل العالم في معنا في معركة حريتنا وحرية بلادنا.
لا احد يرغب بالفشل ولا احد يؤيده ولا احد ينتمي إليه وإذا لم نستطع قراءة فلسفة لعبة كرة القدم جيدا وقراءة ترويجها في العالم فان النجاح غير وارد في حياتنا فاللاعبين الأحد عشر يواجهون نفس العدد على نفس الأرض ولذا فإنهم يرتبون أوراقهم ليتمكنوا من النصر ويديرون وقت الملعب بشكل دقيق ويقدرون قدراتهم وقدرات من يقابلهم ويعرفون مواقعهم وكيف يدافعون عنها وكيف يهاجمون العدو دون أن يتنازلوا عن حماية أرضهم فهل نحن فعلنا ذلك.
على الأرض اليوم معركة أخرى بين الأسرى وأعدائهم مئات الأسرى المعزولين بالجوع والمرض أمام جبروت قوة محتلة قوة الضعف العادل أمام جبروت القوة الظالمة فكيف إذن سننتصر هل كان علينا مثلا أن نزج بكل قوتنا من اليوم الأول دون حسابات للقدرات ولا للوقت ولا للظروف ... وهل دور جماهير الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدها هو التضامن أم الإسناد أم المشاركة فالجميع يتحدث عن خيام التضامن وهو أمر ممكن في اسبانيا نفسها وفي أحسن الأحوال نقوم بدور الإسناد وهو ما نفعله مع لاعبي برشلونة وريال مدريد بالتصفيق ... هنا الدور المطلوب منا هو المشاركة فنحن لاعبين وجزء من الفريق فقد يكون الأسرى هم فريق الهجوم ورأس الحربة فيما نحن علينا أن نوزع مواقعنا في الوسط والدفاع وحراسة مرمانا.
هل فعلنا ذلك واستفدنا من مشاهدة لعبة كرة القدم بقراءة فلسفة المعركة فيها وكيف تدار أم اكتفينا أمس بالرقص أو البكاء لنجاح الغير أو حتى لفشل الغير على قاعدة أن من يفشل بعد بذل كل جهد ممكن في لعبة لا بد من فائز بها وتحتكم لأحكام وقوانين يستحق الاحترام, في معركتنا ضد الاحتلال وتحديدا في معركة الأسرى اليوم هل نقاتل ببسالة وحنكة ودراية وكفريق واحد متعدد الأدوار ولا تنتهي مهمته بانتهاء معركته بل بانتصار كامل قضيته أم نخوض حربا معزولة وغير مدروسة, نحن اليوم أحوج ما نكون لقراءة فلسفة كرة القدم لعلنا نتمثلها من خلال فكرة الفريق وتحقيق النصر ولو حتى بعدم التراجع أو خسران المواقع على قاعدة الانتقال لخطوة أخرى في الوقت المناسب عبر مراكمة النجاح لحد النصر الكامل للقضية بكاملها بما يضمن أن لا يغيب المشروع الوطني عن أغاني المعركة ولا عن فعل الأكف كل الأكف واحدة موحدة متناغمة الأدوار والمهمات.
بقلم
عدنان الصباح