يعد الاضراب عن الطعام أحد أرقى أشكال النضال السلمي التي يلجأ من خلالها المعتقل أو المحتجز للتعبير عن احتجاجه علي سوء المعاملة أو من أجل المطالبة بحقوق ومطالب إنسانية ترفض القوة الحاجزة تلبيتها ومنحها له بالرغم من كونها حقوق أقرتها كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية .
ومن الناحية القانونية يُنظر إلى الإضراب عن الطعام على أنه شكل من أشكال المقاومة السلمية ، ويرى العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان على المستوى الدولي أنه أحد حقوق حرية التعبير المكفولة باعتباره أحد مظاهر حرية التعبير بحيث يصبح واجبًا على الدولة الحاجزة احترام هذا الحق وعدم المساس به بل يتوجب عليها النظر باهتمام للمطالب التي ينادي بها الأسير المضرب والعمل علي تلبيتها له طالما أنها تنسجم وتتوافق مع الحقوق والمعايير التي تضمنتها القوانين الدولية .
ورغم أن القانون الدولي قد لا يكون ملزمًا للدول على نحو قاطع لعدم وجود معاهدات تذكر الإضراب عن الطعام بشكلٍ صريح، إلا أن العرف الدولي يمنع بوضوح محاولات الضغط علي الأسير لإجباره علي العدول عن قراره بالاضراب أو ثنيه عن الاستمرار في خوضه أو إجباره علي تناول الطعام ، وهو ما نصت عليه الجمعية الطبية الدولية في إعلان مالطا عن حق الإضراب عن الطعام وكذلك إعلان طوكيو، إضافة إلي ما ورد في بيان مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2006، وبيانات الأمم المتحدة التي تصف الإطعام القسري بأنه نوع من أنواع “التعذيب”.
ولقد نص إعلان طوكيو بشكلٍ محدد على أنه في حالة رفض السجين الطعام وهو في كامل وعيه وقادر على اتخاذ قرارات لا يجوز أن يتم إطعامه عن طريق تعليق محاليل طبية أو من خلال ادخال انبوب في جوف المضرب من الأنف يتم عبره إدخال السوائل والطعام مباشرة إلي المعدة وما يرافق ذلك من خطر يهدد حياة الأسير ، وهو أسلوب تعذيب قهري يرتقى إلي مستوي جرائم الحرب .
ويناشد الإعلان الأطباء في جميع أنحاء العالم أن يرفضوا المشاركة في التعذيب أو الإهانة أو المعاملة القاسية للسجناء أو المحتجزين، أو الموافقة على ذلك أو السماح به. ولقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مؤخرًا قرارين على الأقل بعدم جواز الإطعام القسري إلا في حالات استثنائية محدودة. وبالإضافة إلى ذلك هناك عدد كبير من الدول، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، يتبنى قوانين تكفل للمواطنين الحق في رفض الرعاية الطبية (بما في ذلك حق رفض الطعام والشراب) لكونه يترتب منطقيًا على “الحق في الصحة .
وعلي ضوء ما ذكر من قوانين ونصوص وبيانات فإن محاولات إسرائيل المحمومة لمواجهة إضراب الأسرى وعدم احترامها لخيارهم في الاضراب وممارسة الضغوط والتهديد لحملهم علي إنهائه ، هي بلا شك مخالفة واضحة لما نصت عليه تلك القوانين وتتناقض مع حرية التعبير للمعتقل الذي لا يملك سوي خلايا جسده ليعبر بها عن غضبه واحتجاجه والسعي لنيل حقوقه .
وبالرغم من قناعتنا بعدم اكتراث دولة الاحتلال بجملة القوانين التي تعج بها الاتفاقيات والمواثيق الدولية فإننا نعتقد بأن توضيح المخالفات والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين وإن لم يثمر في إنصافهم وتوفير الحماية لهم ، وإن لم يكن له كذلك دور في ردع دولة الاحتلال وثنيها عن هذه الممارسات ، نرى بأن ذلك قد يسهم تدريجيا في عزلها وإحراجها أمام العالم ويبين بوضوح فشل المجتمع الدولي وعجزه عن إلزام الاحتلال باحترام حقوق الانسان في الوقت الذي يكيل به العالم بمكاييل متعددة تجاه انتهاكات لحقوق الانسان في مناطق أخرى من الأرض لا تصل بالمطلق إلي مستوى الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها إسرائيل .
لذلك فالمطلوب من المجتمع الدولي أن يقف عند مسؤولياته وتغيير هذا النمط من التعاطي بصمت وجبن تجاه جرائم الاحتلال لأن استمرار النظر لدولة الاحتلال كدولة فوق القانون سيكون له تداعيات خطيرة علي المستوي الدولي من خلال فقدان ثقة العالم بمنظومة المعايير والقيم وشعارات حقوق الانسان التي لا تطبق إلا بحق الضعفاء والمقهورين ، وهو ما تسبب أصلا في دخول العالم برمته مرحلة من عدم الاستقرار وفقدان الأمن الذي جاء كنتيجة حتمية ومنطقية لفقدان العدالة وهيمنة القوى الاستعمارية الكبرى علي قرارات الهيئات الدولية الانسانية المخولة بانفاذ آليات تحقيق العدالة ونشر قيم حقوق الانسان في العالم .
بقلم/ أسامة الوحيدي