قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات الداخلية لحركة حماس بأيام معدودة، أعلنت الحركة عن وثيقتها، السياسية، ولسان حالها يقول لكل مهتم ومتابع للشأن الفلسطيني: حماس قبل انتخاباتها الداخلية هي حماس نفسها بعد الانتخابات، وأن مواقف حماس الأيديولوجية والسياسية ثابتة على حالها، رغم المرونة في طرح عديد القضايا الخلافية في الساحة الفلسطينية.
لقد سبق عرض وثيقة حركة حماس حملة إعلامية منظمة ومرتبة، حملة إعلامية استمرت عدة أشهر، وترافقت الحملة مع إعلان الوثيقة، وكأن حماس تريد أن توصل رسالتين مهمتين:
الرسالة الأولى موجهة إلى العالم الخارجي، تقول فيها: هذه هي حركة حماس، حركة تحرر وطني فلسطينية، حركة تقاوم الاحتلال الإسرائيلي، ولا تتدخل بشؤون الدول العربية وغير العربية، حركة حماس حركة غير مرتبطة بغيرها من الحركات السياسية على مستوى الوطن العربي، رغم مرجعية حركة حماس الإسلامية، وبالتالي فإن حركة حماس بريئة من كل اتهام لها بالتطرف والإرهاب، لأنها تقاتل المحتلين فقط، والإرهابي أيها العالم هو محتل الأرض الفلسطينية، إنه الإسرائيلي قاتل الأطفال والنساء في الضفة الغربية وغزة.
الرسالة الثانية موجهة إلى الأمتين العربية والإسلامية، وإلى الشعب الفلسطيني، وفيها تقول: حركة حماس لن تخذلكم أيها الأوفياء لأرض فلسطين، حركة حماس لن تتخلى عن الثوابت الوطنية، لن نتخلى عن القدس وباقي مدن فلسطين المغتصبة، ولن تعترف بإسرائيل حتى لو وافقنا على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 67، ولن تنازل عن حق اللاجئين في العودة إلى مدنهم وقراهم التي اغتصبها الصهاينة، ولن تعترف باتفاقية أوسلو، وشروط الرباعية، ولا بديل عن المقاومة لتحرير أرض فلسطين كلها من نهرها وحتى بحرها، كما ورد في الوثيقة.
لقد حرصت حركة حماس أن توضح رؤيتها للحل السياسي، وهي تعلن عن وثيقتها، فالأرض الفلسطينية هي كل فلسطين، والمقاومة للمحتلين هي الطريق لتحرير الأرض، والعداء لمغتصب الأرض عداء استراتيجي بغض النظر عن ديانة هذا المغتصب أو عرقه أو جنسه، فأصل العداء للمحتلين بصفتهم الإرهابية وليس لديانتهم اليهودية، وأزعم أن هذه نقطة جوهرية ترفع الغطاء الأيديولوجي الزائف الذي تدثر فيه الغزاة الصهاينة عشرت السنين، ولاسيما أن عدد اليهود المغتصبين لأرض فلسطين لا تتجاوز نسبتهم 43% من عدد يهود العالم.
لم تغفل حركة حماس في وثيقتها عن تحديد موقفها من المشروع الوطني الفلسطيني، وبذلك تعلن حماس بان تحرير الأرض يسبق الإعلان عن الدولة، فالدولة نتيجة للتحرير، ولا قيمة لدولة دون أرض محررة، وفي الوقت الذي تؤكد فيه حركة حماس أن منظمة التحرير الفلسطينية هي البيت المعنوي للشعب الفلسطيني، فإنها تؤكد على أهمية الحفاظ عليها، وعلى ضرورة تفعليها، وإعادة ترتبيها من الداخل لتضم كل قوى الشعب الفلسطيني، وكل قواه السياسية، وفق مبدأ الشراكة والمساواة، بعيداً عن التفرد بالقرار السياسي الفلسطيني لأي حزب أو تنظيم كان.
وثيقة حماس ستجد من يعترض عليها داخل حركة حماس نفسها، وله حجته في ذلك، ولكنها ستجد أغلبية تؤيدها، ولهم أيضاً حجتهم في التأييد، والوثيقة ستجد من يعارضها داخل الساحة الفلسطينية، ولهم حججهم السياسية في الاعتراض، ولكنها ستجد الأغلبية تؤيدها، ولهم قناعاتهم السياسية التي دفعتهم لتأييدها، وإذا كان حجم المؤيدين والمعارضين لوثيقة حماس متغير على ضوء القراءة الدقيقة للوثيقة، فإن الثابت هو الوثيقة نفسها، والتي جاءت استجابة لضغوط داخلية وخارجية تعرضت لها حركة حماس، وجاءت استجابة لمناشدة أصدقاء لحركة حماس، والحريصين على سلامتها، وجاءت لتراعي للمتغيرات الدولية والإقليمية، التي فرضت نفسها على الساحة الفلسطينية كما أكد ذلك الدكتور خليل الحية، القيادي في حركة حماس.
د. فايز أبو شمالة