الأسرى الذين أعادوا فلسطين إلى الواجهة

بقلم: محمد عايش

تمكَّن الأسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي من إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة عربياً ودولياً بفضل إضرابهم عن الطعام الذي أعاد تحريك قضيتهم وأعاد التذكير بوجودهم وأعاد التذكير بالأسباب التي رمت بهم الى خلف قضبان الاحتلال، وذلك بعد السنوات العجاف الست الماضية التي تراجع فيها الاهتمام بالفلسطينيين وقضيتهم لأسباب كثيرة أهمها الانشغال العربي بالقضايا الداخلية.
إضراب الكرامة الذي يشارك فيه أكثر من 1500 أسير فلسطيني بدأ من أجل تحقيق جملة من المطالبات الرامية لتحسين أوضاع الأسرى داخل السجون والضغط على السجان الاسرائيلي من أجل دفعه لاحترام حقوقهم الانسانية، مثل السماح لهم بالتواصل مع العالم الخارجي والسماح لهم بقراءة الصحف ومشاهدة التلفاز، وهذا يعني أنه «إضراب مطلبي» بحت وليس سياسياً، لكنه على الرغم من ذلك تمكن من تحقيق جملة من المكاسب السياسية المهمة، منها:
أولاً: عادت قضية فلسطين الى واجهة الاهتمام على وسائل الاعلام العربية والأجنبية بعد أن غابت لمدة طويلة بسبب الأزمات العربية المتفاقمة التي طغت على نشرات الأخبار وصفحات الجرائد، وبسبب حالة الاحتقان الطائفي التي جعلت كثيراً من العرب ينظر الى إيران على أنها أخطر من اسرائيل، وذلك لأول مرة في تاريخ الأمة الحديث.
ثانياً: نجح الأسرى الفلسطينيون خلال أيام قليلة من إضراب الكرامة في لفت انتباه الرأي العام الغربي، وذلك بسبب أن قضيتهم في جانب كبير منها ليست سوى قضية حقوق إنسان صافية نقية، فمن بين الأسرى مئات النساء والأطفال القاصرين، وعدد كبير من الموقوفين الاداريين الذين يفتقدون لحقهم في المثول أمام قضاء عادل والتمتع بمحاكمات عادلة، وهذا يعني أن إعادة قضيتهم – ومعهم قضية فلسطين – الى الواجهة ليست أمراً صعباً. هذا فضلاً عن أن الفعاليات التضامنية التي نظمتها الجاليات الفلسطينية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأماكن مختلفة من العالم نجحت الى حد بعيد في لفت أنظار الرأي العام الغربي الى هذه القضية، ولولا ذلك لما نشرت جريدة أمريكية مرموقة رسالة من الأسير مروان البرغوثي.
ثالثاً: سواء نجح الأسرى المضربون عن الطعام في تحقيق مطالبهم المعيشية، أم لم ينجحوا في ذلك، فان الهدف السياسي الأسمى لإضرابهم قد تحقق، وهو فضح الممارسات اليومية للسجان الاسرائيلي، وإعادة التذكير بأن ثمة شعباً يناضل من أجل التخلص من الاحتلال الأجنبي، حاله في ذلك حال كل الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها على مر التاريخ وعلى امتداد الجغرافيا، ولولا هذا النضال لما كان ثمة ستة آلاف أسير فلسطيني في السجون الاسرائيلية.
رابعاً: إضرابُ الكرامة بعث برسالة مهمة وقوية للاحتلال الاسرائيلي مفادها أن إرادة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لم تنكسر رغم سنوات العذاب ورغم سياط السجان وقضبان الحديد التي يقبعون خلفها، فمن لديه القدرة على الصمود كل هذه المدة الزمنية بدون طعام، ولديه القدرة على استخدام (ماء + ملح) في مقاومة الاحتلال ومقارعته يعني أن لديه إرادة وعزيمة أكثر صلابة من تلك التي دخل بها الى السجن، وهو ما يعني في النهاية أن مشروع تدمير الانسان الفلسطيني الذي تتبناه اسرائيل يفشل دوماً في كل مجالاته.
ثمة الكثير من الانجازات التي ربما لا تخطر على بال الكثيرين والتي تمكن الأسرى الفلسطينيون من تحقيقها بإضرابهم عن الطعام، وهذا ما يُفسر لماذا استنفر الاسرائيليون قوتهم في كل مكان ليس لإفشال الإضراب فقط، وإنما لإفشال الفعاليات التضامنية معه، ولذلك بذلوا كل قوتهم لمنع عرض فيلم وثائقي في لندن عن الأسير مروان البرغوثي، وبذلوا كل ما بوسعهم لمنع نشر رسالة البرغوثي ذاته في الصحافة الأمريكية، ويبذلون كل جهد لإقناع وسائل الاعلام في العالم بأن المضربين عن الطعام هم «إرهابيون» وليسوا «أسرى حرية».
خلاصة الكلام، أن إضراب الأسرى سواء توقف اليوم أو استمر، وسواء تمكن من تحقيق المطالب المعيشية اليومية أم لا، فانه نجح في تحقيق جملة من الانجازات السياسية والاعلامية أهمها أنه أعاد فلسطين الى نشرات الأخبار وصفحات الجرائد، وأعاد تذكير الرأي العام العالمي بما يجري للبلاد والعباد على أرض فلسطين، وضخَّ الدماء من جديد في قضية العرب المركزية، وأعاد توجيه البوصلة الى المسار الصحيح.

محمد عايش
كاتب فلسطيني