لا اعتقد جازما أن لدينا أزمة ثقافية حضارية بمحتواها ومضامينها ومفرداتها وموروثها ... بل ان ثقافتنا ممتدة ومتداولة وشاهدة على اننا من أصحاب الحضارة والرسالة .... ولدينا من الموروث ما يكفي لدعم وجودنا الذي نعتز به ونفاخر به الأمم ... رغم كل ما يحيطنا ويتداخلنا من لغط ... وحسابات خاطئة .
ثقافتنا جزء من ثقافة أمة تم تناقلها وتداولها والارتباط بها عبر قرون وعقود ... وما حدث عليها من تطورات بفعل الخبرات والابداعات والاضافات النوعية لفعل عوامل الزمان والمكان ... الا ان ما يحدث من متغيرات في بعض الأحيان والتي تصيب قواعد ومرتكزات الثقافة ... لا تفقدنا الأسس والمبادئ والتعاليم التي من اجلها تماسكنا وتوحدنا وعملنا ما استطعنا بحكم الزمان المتاح ... وضيق المكان وعبر المراحل والعصور .
الموروث الثقافي الذي تولد بداخلنا ... وتم تناقله بين اجيالنا كان كفيلا لتنظيم امورنا وعلاقاتنا وتحديد حدود كل منا ... وعدم تطاول أحد منا ... والزامنا الصواب وعدم تجاوز الحدود .
البنية المجتمعية والسياسية تنعكس بالسلب والايجاب على ثقافة المجتمع وعلاقاته ... أجياله وفئاته وشرائحه ومعتقداته ... وهذا ما نحن فيه اليوم ... اذ انعكست احوالنا السياسية والمجتمعية بالسلب على ثقافتنا وموروثنا وعاداتنا وتقاليدنا ... وحتى على علاقاتنا .
الظروف السياسية انعكست سلبا على المجتمع وعلاقاته مما ولد ثقافة الازمة وجعلها بالصدارة ... نأخذ منها كل ما يمكن ان يدفع بمواقف كل منا الى حيث ما يعتقد الصواب ... وربما يكون هو الخطأ بحد ذاته ... ان لم نقل المصيبة والكارثة التي لا يحب ان يراها البعض مكابرة منهم أو غرورا بشأنهم أو محاولة لخداع أنفسهم .
تشويهات وتناقضات تأخذنا الى حيث الخطأ والتمسك به وليس التنازل عنه والخروج من دائرته .
المشهد الثقافي الذي نعيشه في هذه الأيام ... يعبر عن مأساة ... ولا يعبر عن وحدة حالة ثقافية ومجتمعيه وسياسيه ... وبالتالي لا يعبر عن وحدة نضالية مترابطة ومتكاملة وموحدة الى أبعد حدودها لأسباب عديدة يطول الشرح والتفصيل فيها .
مما يدلل على أن من يعيش على هذه الأرض ... أصابتهم الفرقة والخلاف ... بأكثر مما اصابهم التنافس .
لا احترام ... ولا محبة وتسامح ... ولا قبول للأخر ... تجاوزات واضحة وفاضحة ... وتطاول باللسان الى الحد الذي يعطي المتحدث بأكثر من حقه ... والحدود التي يجب أن يلتزم بها ... وان لا يتخطاها لأنها ليست حقا له .
لا احترام للمنصب ... ولا احترام والتزام بالحدود ... حتى أننا لا نحترم الأكبر منا على قاعدة حرية الرأي والتعبير والذي يفسره البعض بأكثر مما يحتمل التفسير من تجاوز وخلط واستخدام المفردات التي يصعب الاستماع اليها والتي لا يجوز الحديث عنها .
ادخلنا انفسنا في خلاط كبير ... مما افقدنا الكثير مما نعتز به ... ونفاخر به حتى ديمقراطيتنا التي أوصلت الجميع الى مواقعه ومراكزه لا نحترم أصولها ومبادئها .
يبدو اننا نمتلك مقومات الهدم وليس البناء ... بعد أن افتقدنا الكثير من مقوماتنا وعلاقاتنا ومرتكزات وجودنا ... والأكثر افتقادنا لثقافتنا الجامعة وحتى اسقاطنا لكافة الابداعات والآراء التي يمكن أن تخرج علينا لكنها تتعارض مع ما في داخلنا وفي عقولنا ... وكأننا وصلنا الى مرحلة الارسال وعدم القبول لاستقبال أي كلام يمكن أن يتعارض مع موقف هذا أو ذاك .
خسارة متتالية ... ومتراكمة ... ومتداخلة .. لا نشعر بها ... ولا نقدر حسابها ومدى خطورتها .
ما تم خلال الأسابيع والأيام الماضية من تصريحات متجاوزة ... وتصرفات مشينة ينذر بمخاطر يبدو أننا نجهل حسابها ... ولا يستطيع البعض تقدير نتائجها .
لأننا نعيش حالة القول المرسل دون تفكير ... والتصرف دون توازن ... حتى اختلطت علينا الحسابات ... واصبحنا ندور حول انفسنا ... ولا نعرف من أين نخرج ؟؟؟ والى اين نذهب ؟؟؟
المثقفين والإعلاميين عليهم دور كبير حتى وان كانت الفرصة غير متاحة بالكامل ... لكنه الدور والواجب ... في ظل حالة عدم توازن الحالة السياسية والعلاقات الفصائلية ... الذين فقدوا الكثير من مرتكزات وجودهم وأسس علاقاتهم حتى انهم يعيشون الارتباك وعدم المقدرة على حسم المواقف في ظل معادلات غير مفهومة .
الثقافة لها حساباتها ومقوماتها ... مداخلها ومخارجها ... وللسياسة حساباتها الدقيقة التي يمكن أن ترفع أصحابها أو تهوي بهم .
ما يجري بالمشهد الثقافي والسياسي الفلسطيني كثير من اللغط والتناقض ... وهذا ما سوف يولد نتائج سلبية لا يمكن تحملها لأنها تتجاوز المرتكبين لأخطائهم ... والذين لا زالوا على حالهم وعلى فعلهم ومواقفهم ... من هنا تتولد أزمة الثقافة ... في ظل ثقافة الازمة .
الكاتب : وفيق زنداح