دلالات إنتخاب هنية

بقلم: زهير الشاعر

في تقديري أن أكثر المتشائمين من المراقبين للشأن الفلسطيني والشأن الحمساوي بالتحديد لم يكن يتوقع عدم فوز إسماعيل هنية برئاسة المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية ، حيث أن تركيز الماكنة الإعلامية عملت بقوة لصالحه، وبالتالي فإن النتيجة طبيعية ومتوقعة وتأتي في سياق تسلسل الخطوات التصحيحية التي تتخذها حركة حماس الفلسطينية من أجل الدخول إلى الحلبة الدولية.
من المعروف أنه تم الإعلان عن الانتهاء من انتخابات مجلس شورى حركة حماس الفلسطينية لرئاسة المكتب السياسي وذلك يوم السبت 6 مايو 2017 وذلك بفوز إسماعيل هنية خلفاً لخالد مشعل.
يأتي انتخاب هنية بعد أيام من صدور الوثيقة التي أعلنتها حركة حماس الفلسطينية قبل أسبوع تقريباً وبالتحديد يوم الإثنين 1 مايو 2017 ، والتي أعلنت فيها عن قبولها قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في عام 1967 في سياق توافق وطني.
مما يعني أن التسارع في هذه الخطوات تباعا يأتي في سياق التحول التدريجي في موقف حركة حماس الفلسطينية الذي يهدف إلى التخلي عن الانعزال ، والتحول للدخول في لعبة المفاوضات الدولية المتعلقة بتسوية القضية الفلسطينية.
وبالعودة إلى لقاء تم نشره بشكل واسع يوم 25 سبتمبر 2014 كان قد كشف فيه سمو أمير قطر تميم بن حمد لقناة السي إن إن الأمريكية عن المرونة التي باتت حركة حماس الفلسطينية تتمتع بها، وبأن الإدارة الأمريكية السابقة قد شجعت للسير في هذا الطريق حتى يتسنى لهذه الحركة المشاركة في الانتخابات الفلسطينية القادمة وتدخل لعبة السياسة الدولية.
هذا يعني بأن إعلان وثيقتها المعدل عن ميثاقها جاء في سياق خطوات مدروسة باتت حركة حماس الفلسطينية تأخذها بعناية وتخطو خطوات توافقية فيما بينها وبين أصدقائها وحلفائها في الساحة الإقليمية والدولية، ولربما أبالغ وأقول بأنها تسير في نفس الرُكْب الذي يسير فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في سياق توافق كامل على تبادل الأدوار والتحكم باتجاه البوصلة بما ستناغم مع التحديات والمتطلبات الدولية.
هذا الرأي لم يأتي من فراغ أو فلسفة عقيمة ، بل يوجد على ذلك عدة شواهد متلاحقة وأهمها مشاركة حركة حماس في المؤتمر العام السابع لحركة فتح وإضفاء الشرعية عليه، كما أن حركة فتح هي أول من بادر بالمباركة لحركة حماس بفوز إسماعيل هنية بموقع رئاسة مكتبها السياسي ودعته لإنهاء الانقسام.
هنا لا بد من الاستعانة بما كنت قد تحدثت به قبل أسبوع في مقال سابق بعنوان "وثيقة حماس وزيارة الرئيس إلى واشنطن"، حيث قلت "بأنه لربما أرادت هذه الحركة أن تُحَمِل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ملفها الذي يرتدي ثوبها الجديد إلى البيت الأبيض وليس منافسته"، ولتأكيد ما ذهبت إليه، جاء هذا بالرغم من حدة الخطاب الإعلامي والتهديدي والتصادمي بين الطرفين الذي رافق هذه الزيارة وهذا الإعلان.
هنا لابد للعودة من الإشارة إلى أن إسماعيل هنية ذات الحضور الشعبي القوي ، تربطه علاقة جيدة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما تربطه علاقات جيدة مع المحيط العربي ، وفي تقديري أنه استفاد من مرحلة رئاسته لحكومة غزة في تقديم نفسه للمسؤولين الدوليين الذين زاروا قطاع غزة ، وذلك كمسؤول فلسطيني براغماتي يعتبر أن النجاح في الوصول إلى النتيجة العملية والواقعية والمنطقية هو الحقيقة الوحيدة، وليس الانعزال عن المحيط والتصادم معه والمكابرة والتحدي المبالغ به للمجتمع الدولي يمكن أن يجلب أي نتائج مرجوة.
كما أنه على ما يبدو منفتح في أدائه مع الأطراف الأخرى سواء الإقليمية أو الدولية أو حتى مع مجمل الأطراف الفلسطينية بكافة تقاطعاتها وخصوماتها وتناقض أيدولوجياتها ومطامعها وأجنداتها!، مما زاد من حظوظه ورجح كفته وأوصله لهذا الموقع، حيث أن حركة حماس الفلسطينية باتت في أشد الحاجة لشخصية مرنة لإخراجها من أزماتها المتلاحقة خاصة بعد فشل مشروع الإخوان المسلمين في الصمود والبقاء.
هذا يعني بأن الأطراف العربية بالتوافق مع القوى الدولية الفاعلة والمعنية بالتغيير الداخلي لأيدولوجية حركة حماس حتى تتمكن من إدخالها للساحة الدولية استطاعت ببراعة أن تطوعها تدريجياً وتجعلها أكثر مرونة حتى في اختيار نوعية رئيس مكتبها السياسي الجديد الذي على ما يبدو بأن ضرورة اختيار هذا الشخص من الداخل الفلسطيني جاء منسجماً مع ترتيبات أخرى يقوم بها من جهته الرئيس الفلسطيني محمود عباس على قدم وساق وببراعة أيضاً، وأخرها سيكون انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني داخل رام الله بالرغم من وجود الكثير من المعوقات والتحديات أمام ذلك، لا بل والدفع بدهاء باتجاه تنفيذ خطوات سحب صلاحيات الصندوق القومي الفلسطيني الذي يوجد مقره الرئيسي في العاصمة الأردنية عمان وإحالتها لوزارة المالية الفلسطينية في رام الله لتوحيد الجسم المالي للمؤسسات الفلسطينية.
لذلك في تقديري أن من أهم الدلالات لانتخاب هنية كونه لاجئ فلسطيني ومن أبناء المخيمات الفلسطينية المطحونة في قطاع غزة، هي أن الأمور ليس بعيدة عن عملية الطبخ السياسية القائمة والتي تسير بالتوازي ضمن خطوات مدروسة تهدف بمجملها لتهيئة الشارع الفلسطيني بمختلف توجهاته الفكرية والتنظيمية لفكرة التعايش السلمي للقبول بالحلول الممكنة القادمة التي تتساوق مع حل منطقي لقضية اللاجئين وإدماج حركة حماس الفلسطينية في عملية التفاوض حول عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد أن يتم التوافق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية قريباً والانتهاء من عقد الانتخابات الفلسطينية العامة التي لا زال أمامها تحديات هائلة.
هذه الانتخابات، في تقديري ، أنه حتى اللحظة لم يتم التوافق حول آلية انعقادها بشكل نهائي خاصة فيما يتعلق بالمحاصصة ، حيث أنه على ما يبدو بأن كل طرف لديه تحفظات حول ضمان حصته ضمن النتيجة النهائية وهذا الأمر سأترك الحديث في حيثياته وتفاصيله لمقال آخر في حينه!.
السؤال هنا يبقى يدور في محور ما الذي ستحمله الأيام القادمة في المستقبل القريب في ظل عودة القضية الفلسطينية للأضواء من جديد؟! ، فهل ستعود حركة حماس الفلسطينية للمشروع الوطني من بوابة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بكل متطلباته ؟!، أم أنها ستعلن عن عدم مقدرتها على الانسجام مع متطلباته وتعلن انسحاب قطاع غزة من هذا المشروع بأكمله، لتنشئ مشروعاً موازياً اسمه دولة غزة ، وتسقط بذلك المشروع الوطني القديم الذي تآكل نتيجة الانقسام القائم وتحول إلى كنتونات ضعيفة وغير مترابطة؟!، حيث تشير بعض المعلومات الغير مؤكدة بأن هناك ما يقارب من مائة وثلاثين دولة لربما تعترف بهذا المولود الجديد، وبذلك يزداد الانقسام انقساما وتزداد المعادلة الوطنية تعقيدا والتخوفات من أن تصبح الضفة الفلسطينية في مهب الريح تزداد أكثر!.

م . زهير الشاعر