تصعيد "الفعل الضاغط" لإنجاح إضراب الأسرى

بقلم: علي الصالح

تبقى القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى شاء من شاء وأبى من أبى. والدليل القاطع في التفاعل والتضامن العربي مع اضراب الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، رغم المحاولات الحثيثة من أكثر من طرف لدفعها إلى مؤخرة القضايا والمصائب والاعاصير التي تضرب منطقتنا منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي قبل ست سنوات ومن قبلها بثماني سنوات الاحتلال الامريكي للعراق. فمعركة "الحرية والكرامة" التي يخوضها نحو 1800 أسير، تعيد بعضاً من الفرحة إلى القلوب التي كادت أن تختفي، كما تضفي نوعاً من التفاؤل رغم عذابات المضربين والمخاطر التي تتهدد حياتهم… التفاؤل بأننا لا زلنا بخير، وان القضية الفلسطينية، ليست نسياً منسياً كما يتمنى البعض، رغم ما تشهده المنطقة من ويلات وحروب أهلية وأعمال قتل وتقتيل وسفك دماء وشق للصفوف وتدمير للانسجة الوطنية وتجاوز الخطوط الحمراء التي كانت قائمة، وإشعال الفتن الطائفية والأحقاد العرقية.. تضاف إليها المخططات الاستعمارية لإعادة رسم جغرافية المنطقة بإضافة مزيد من الدويلات أو بالأحرى الكانتونات الطائفية والاثنية، كما يعكسه المشهد في الساحة السورية وفي العراق وليبيا واليمن، وربما غيرها.
فالإضراب الذي ينهي غداً اسبوعه الرابع يؤكد أنه ليس معركة الاسرى وأسرهم فحسب، بل معركة الكل الفلسطيني بأسره ونجاحه هو نجاح للاسرى وللشعب الفلسطيني بأسره… الذي أثبت في تضامنه ووقوفه غير المسبوق مع الاسرى، انه لا يزال قادراً على العطاء بل والعطاء الكثير.. فهو رغم مرور 28 يوما على انطلاق الاضراب، لا يكل ولا يمل في فعالياته الداعمة للاسرى والرافعة لمعنوياتهم في معركة الامعاء الخاوية.
لقد نجح الاسرى فلسطينياً في ما فشل فيه السياسيون بمختلف أطيافهم السياسية، في توحيد الكلمة ولم الكل الفلسطيني وتظافر كل الجهود والفعاليات والنشاطات، تحت راية العمل معاً دعماً للأسرى ولمطالبهم، وتمكينهم من تحقيق هذه المطالب العادلة، بتكثيف هذه الفعليات وتصعيدها حتى يتحقق المراد.. وينجح الأسرى المضربون في انتزاع حقوقهم المشروعة من براثن وانياب السجان والجلاد الاحتلالي وحماية هذه الحقوق التي كفلتها الاتفاقيات والمواثيق والصكوك الدولية كافة طال الزمن أم قصر. نعم انهم سينتزعون حقوقهم من بين أنياب السجان السادي المتغطرس، وذلك بصلابة مواقفهم وقوة إرادتهم وفعالية سلاحهم المتمثل بالجوع، وبالتفاف أبناء شعبهم من حولهم وحول أسرهم وعائلاتهم.
ونجح الاسرى في اضرابهم ايضاً في اعادة زخم القضية عند اشقائهم العرب من المغرب غرباً وحتى العراق شرقا الذين أكدوا انهم لا زالوا على العهد وان قضية فلسطين ممثلة الآن باضراب الأسرى، هي أيضا قضيتهم، فتنادوا واجتمعوا حول هدف دعم انتفاضة السجون التي يتوقع لها ان تكسب مزيداً من الزخم في الايام والاسابيع المقبلة.
وأثبت الأسرى الى جانب قوة الارادة والتصميم على الاستمرار في معركة تكسير العظام والحرب النفسية ضدهم والتفاعل العظيم لشعبهم، انهم "يصنعون المعجزات" فقد نجحوا بالفعل في اخراج جامعة الدول العربية من حالة السبات العميق التي تعيشها او اذا كنا اكثر صدقاً مع أنفسنا، من حالة الموت السريري الذي تعيشه، منذ عشرات السنوات ولا اجحاف بحقها او مبالغة في القول منذ نشأتها حتى الان قبل نحو 79 عاماً. فلأول مرة في تاريخها ان لم تخني ذاكرتي، تتفاعل هذه الجامعة انسانياً مع حدث او فاجعة عربية، حتى وان كان اسمياً او رمزياً وإعلامياً.. فمن كان يمكن ان يصدق ان يغادر الامين العام للجامعة احمد ابو الغيط مكتبه في الجامعة العربية وسط القاهرة هو وجميع المندوبين الدائمين لإعلان التضامن مع الاسرى المضربين من أمام مقر الجامعة بشرب الماء المملح وهو مشروب الأسرى.
والشيء بالشيء يذكر فان ابو الغيط هو نفسه من وقف عندما كان وزيراً لخارجية الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، "صامتاً لو تكلم" الى جانب نظيرته الاسرائيلية تسيبي ليفني، في مؤتمر صحافي، في القاهرة اختارت فيه ليفني اعلان الحرب على قطاع غزة في نهاية عام 2008. وهو نفسه ابو الغيط الذي حاول ايضاً افشال قمة غزة التي عقدت في الدوحة في الفترة نفسها.
والتفاصيل عندكم. وتتواصل الوقفات الاحتجاجية والفعاليات التضامنية مع الاسرى والادانات في معظم البلدان العربية وان ليس بالمستوى المطلوب والمتوخى، الا انها تؤكد مجدداً ان قضية فلسطين وأسراها، قضية حية في قلوب العقل العربي الشعبي لا الرسمي طبعاً، بدءاً من المغرب غرباً ومروراً بالجزائر وتونس ومصر والسودان ولبنان والاردن وحتى العراق. كما ان هناك تحركات على مستوى المنظمات الاقليمية. ولكن المعركة مع العدو لم تعد معركة مظاهرات واعتصامات ووقفات تضامنية رغم اهميتها وانعكاساتها الايجابية على معنويات الاسرى المضربين وعدم الاستغناء عنها في حالات كثيرة، فحسب، بل معركة الكترونية يخوضها جنود عرب مجهولون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وغيرهما.. فبينما الفعاليات في الشارع مستمرة، تتواصل المعارك على الشبكة الالكترونية ونجح الفلسطينيون والعرب قي تحقيق انتصار كبير على شبكة مطاعم "بيتزاهت" التي اضطرت صاغرة تحت ضغط حملة شارك فيها الاف الشباب من جميع الدولة العربية تحت اسم "هاشتاغ قاطعوا بيتزاهت" للاعتذار على صفحتها في فيسبوك عن اعلان نشرته مطاعم "بيتزاهت اسرائيل" على صفحتها الرسمية، يسخر من الاسرى واضرابهم. وتضمن الاعلان صورة يزعم بأنها لمروان البرغوثي أحد قادة المضربين عن الطعام، في محاولة لاحباط الاسرى وتشويه صورته، كتب عليها "إذا أردت أن تكسر الإضراب عن الطعام فلما لا تطلب بيتزا؟".
ولم تكتف شركة "بيتزاهت" بالاعتذار فحسب، وانما اعتذرت عن الاعلان وسحبته وأنهت علاقتها بشركة الاعلانات المسؤولة، ليس حباً بالاسرى او الفلسطينيين عموماً، بل خوفاً على مصالحها ومطاعمها المنتشرة في جميع البلدان العربية. وما اخاف "بيتزاهت" بل ارعبها ان الحملة نجحت في اجتذاب اكثر من 30 الف مؤيد للمقاطعة في غضون ساعات من انطلاقها. ولا يقتصر التضامن مع الاسرى وقضيتهم العادلة، على الفلسطينيين والعرب، بل هو واسع بسعة الكرة الارضية ويمتد من مشارقها الى مغاربها ومن شمالها الى جنوبها.. وتتعالى الان اصوات التي تعتبر اعتقال الفلسطينيين الذين يصنفون كأفراد محميين حسب اتفاقية جنيف الرابعة، في سجون داخل إسرائيل مخالفاً للمادة 76 من هذه الاتفاقية التي تحظر نقل الأسرى إلى خارج الأراضي المحتلة ما يؤدي إلى اعاقة زيارة ذويهم لهم. واكدت ذلك ايضاً لجنة العلاقات مع فلسطين التابعة للبرلمان الأوروبي بالقول إن "نقل السجناء الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السجون في إسرائيل، هو انتهاك واضح لاتفاقية جنيف الرابعة". والاهم من هذه المواقف شبه الرسمية هي المواقف الشعبية في اوروبا. فقد عبر مشجعو نادي سيلتيك الإسكتلندي لكرة القدم، عن تضامنهم مع الأسرى المضربين، بطريقتهم الخاصة كما هي العادة.. فرفعوا خلال مباراة جرت يوم السبت الماضي، أعلاماً فلسطينية ضخمة مع لافتات تحمل "الحرية والكرامة (شعار الاسرى المضربين) والجوع من أجل العدل"، وهتف مشجعو النادي لفلسطين والاسرى… وتحقق لهم الفوز بالمباراة.
وفي دبلن عاصمة جمهورية إيرلندا، رفع العلم الفلسطيني الى جانب العلم الايرلندي فوق مبنى بلديتها وسيبقى مرفرفاً لمدة شهر كامل تعبيراً عن رفض نظام التمييز العنصري (الأبرتهايد) الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين. وفشلت كل محاولات السفارة الاسرائيلية في اقناع المسؤولين الايرلنديين بالعدول عن الفكرة او على الاقل رفع العلم الاسرائيلي الى جانب الفلسطيني.
واختم بالقول ان المعركة صعبة خاصة على الاسرى المضربين مع وجود منظومة إسرائيلية متكاملة سياسية وأمنية وإعلامية "تمارس الضغوط والتشويه والتهديد في فترة حرجة من الإضراب، ولا بد ان تقابل بتصعيد "الفعل الضاغط" على الاحتلال فلسطينياً وعربياً ودولياً.
فقد وصل الاضراب الى مرحلة حرجة لا تسمح بالتراجع او الخسارة في هذه المعركة.. والشيء المؤكد ان النصر سيكون حليفهم حتماً.
ولهم في الماضي مثال بل أمثلة.. فهذا الإضراب عن الطعام للاسرى ليس الاول من نوعه، بل هو الاضراب السادس عشر للحركة الاسيرة منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي.. وتكللت جميع تلك الاضرابات بالانتصار على الجلاد كما سيتكلل إضراب "الحرية والكرامة" بالنجاح حتماً. ان بشائر النجاح تهل بدليل ان ادارة السجون الاسرائيلية تستعد لبدء التفاوض مع الاسرى المضربين .

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"