إعلان حركة حماس عن وثيقتها السياسية الجديدة، تطور هام لم يُدرك حتى الان جوهره ومداه ومدى قدرة الفريق الحالي من قادة حماس، على تمرير المفاهيم الجديدة لتصبح واقعا قد يفجر وثائق جديدة في مختلف الاتجاهات، وربما صراعات حادة اذا ما أراد الفاعلين في البيئة السياسية الدولية والاقليمية فعل ذلك، للحد من التغيير أو اختباره.
التعقل أو الواقعية في عرف الجماعات دائما تأتي نتيجة الهزيمة أو الضعف، وهذا هو الفارق بين الميثاق والوثيقة، وأهمية التغيير الذي بدأ نظريا في قدرته على على الوصول إلى عقول القاعدة والمحيط الموالي والمساند الذي تربى على معركة القوة، والشعارات العالية، وكأنه لم ير تجربة القوميين التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر.
ليس بمقدور حماس الاكتفاء بإقرار 42 بند، دون ترجمة وبلا مواجهة مع جمهور جماعة الاخوان المسلمين الذي يعتبر حماس درة التاج أو الجناح المسلح للجماعة المستضعفة، استنادا على أهمية الصراع في فلسطين، والمقولات الدينية المصاحبة، مما دفع الجماعة لتسيير قوافلها وضخ دعمها للابن البكر، أو نواة دولة الخلافة على 1% من فلسطين، واعتبار المجلس التشريعي في شارع عمر المختار مقرا لبرلمان الخلافة، كما قال ذات مرة الدكتور محمود الزهار.
خطاب حماس "المعتدل" سيكون "كتراجع" وصفة سحرية لتمدد داعش والفكر السلفي القتالي، القائمة على "النص التاريخي"، وإن كان السيد خالد مشعل ورفاقه لم يجدوا حرجا من تغيير أفكار وشعارات قائمة منذ عشرات السنوات بجرة قلم، لن يكون بمقدور "الشباب الاسلامي" من عرب وعجم، القدرة على فهم التحول رغم قدرة المنظرين من الاخوان على تبرير الحدث بمبررات "البرغماتية" وشعار "الكرار والفرار في مؤتة"، خاصة بعد انهيار جبل الثلج الإخواني في القاهرة على يد الجماعة التي لم تحافظ على حكم جاءها بعد ثمانين عاما، وكما ان لحظة الضعف/ الهزيمة قادرة على تبرير العقلانية فإن لها قدرة أكبر على انتاج التشدد والتطرف في اطار تراكم لحظات التراجع التي مست جوهر المعتقدات وسر معبد الجماعة، وفتح الباب واسعا لانشطارات سيكون لها ما بعدها شرقا وغربا.
سياسيا البرنامج الجديد لحماس متأخر عن اللحاق بما بلغته حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، وقد ينال الاعجاب ويأخذ حقه من الاثارة مؤقتا، لكن المطروح على طاولة ترامب – نتنياهو كبير وصادم لعقل جاء من رواية شجر الغرقد ومقولة شرق النهر وغربه في الصراع، لأن مفاهيم الصراع الديني لن تتغير بمؤتمر صحفي لم يصل معناه للقاعدة التي ترتدي الزي العسكري، أو تلك التي تولد داخل المسجد، فالخطاب الديني ليس حكرا على قاعدة حماس وعناصرها، بل جزء من مورث الثقافة العربية ومقتضيات التدين الشكلي التي يغرق فيها المسلمون إلا ما قل وندر.
اسقاط مقولة الصراع الديني مع المستوطنين بصفتهم "اسرائيليين" وليس يهودا، سيدفع حماس لإجابات حول السماح بإنشاء معبد يهودي في الخليل، وكذلك حسينية شيعية في خانيونس، فإسقاط المقولة الدينية في الصراع لن يقف عند حدود "الثكنة الإسرائيلية"، بل سيمتد لتغيير الخطاب مع الخصوم والحلفاء، لأن فتح لم تعد "علمانية كافرة"، ومواجهتها من اليوم فصاعدا بمفردات دينية غير مسموح، بعدما سقطت في مواجهة الاحتلال، وحتى يصل هذا الزلزال في المفاهيم والأدوات لميدانه الوعر، تحتاج حماس الكثير، لدرجة أن انطلاق حزب سياسي من رحمها سيكون أسهل من احداث التغيير لدى جمهور الحركة.
التغيير السابق، سيهدم مقولة كبيرة لدى الجماعة والحركة، التي تبنت على مدار عقود فكرة التغيير من أسفل الهرم لإسقاط "الأنظمة الكافرة والخائنة"، وها هي حركة حماس تمارس التغيير من أعلى هرمها السياسي، لتفشل مقولة التغيير السابقة داخل الفرع المنفصل عن التنظيم الدولي، وعليها اعلان أن التغيير من القاعدة للقمة إما أداة بطيئة وصعبة أو أن التغيير من أعلى الهرم أكثر سهولة، خاصة بعدما تذبذبت علاقة الحركة مع "الأنظمة العربية"، وها هي تطرق بود شديد ورجاء باب "النظام العسكري المصري القائم على انقاض الجماعة الام"، وستقبل الحركة تقلبات السيد رجب طيب أردوغان في معارك مقتضيات الجغرافيا ومصالح الاقتصاد.
الحل الأسهل للحركة اندماج جزء منها برفقة الجهاز الحكومي، في منظمة التحرير ومشروع السلطة ودعم تحوله لدولة فلسطينية، ضمن حزب "الخلاص الثاني"، وايجاد تفاهمات استراتيجية مع حركة فتح حول تجميد المقاومة وابقاء دورها في نطاق معركة محدودة محمية بمبدأ نظري في القانون الدولي، على غرار مسمار حزب الله في قرية "شبعة اللبنانية".
بقلم/ عامر محمود