طيَّرَ إضراب الأسرى المتواصل في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي رسائله العديدة والعاجلة، إلى كل من يعنيه الأمر من الأطراف المختلفة، خصوصاً إلى من هم قادة وصناع القرار في الساحة الفلسطينية، أي قادة حركتي "فتح" و "حماس". فالوحدة الميدانية تتجلى الآن على الأرض في السجون والمعتقلات بين كافة الأسرى، من كل القوى والاتجاهات السياسية والأيديولوجية، ووتيرة المواقف المُعلنة من قبل الأسرى تتم بتناسقٍ جيد، وبتفاهم بين قيادات الحركة الأسيرة، من دون تلكؤٍ أو مُنغصاتٍ، بل وبدرجةٍ عاليةٍ من التوافق في شأن طرح قضايا الأسرى المطلبية على سلطات الاحتلال مقابل فك الإضراب، ووقف آلام وأوجاع المعدة الفارغة.
إضراب الأسرى هو رسالة قوية إلى عموم القوى الفلسطينية، التي تتحمل، وبتفاوتٍ من طرفٍ لطرف، مسؤولية استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية، وهو الانقسام الذي طال، وباتَ كارثة على الحالةِ الفلسطينيةِ بُرمتها في الداخل والشتات، حيث نَشهَد الآن فصولاً مأسوية من استمراره ونتائجه، مع تصاعد التوتر والتراشق الإعلامي غير المسبوق بين حركتي "فتح" و "حماس"، وبروز المزيد من المشاكل الحياتية المُتعلقة بأوضاع الناس، في الشتات الفلسطيني الجريح في سورية ولبنان، وفي قطاع غزة، حيث الكهرباء مقطوعة، والمصاعب الاقتصادية تتزايد كل يوم، والعوز والفاقة يتسعان.
إضراب الأسرى نال حالة وطنية شعبية والتحاماً معهم، وتجسيداً للوحدة الوطنية الميدانية على الأرض لمصلحة هدفٍ أسمى ناله ما ناله من الصمت والغياب، وصَعدَ على قمة الأجندة الوطنية، فبات مُقصراً من لم يلتحم بالأسرى ومطالبهم ونضالهم ومدّهم بالمعنويات والهمة العالية.
الإضراب صرخة مدوية، تَصُمُّ آذان الجميع من القيادات الفلسطينية المسؤولة، علها تُدرك أن الناس في فلسطين والشتات الفلسطيني، سأِمَت وملّت من خطابات ممجوجة، ولم تَعُد تَحتَمِل، كما لم تَعُد تتحمل استمرار الانقسام وتداعياته المباشرة على الأرض، ولم تَعُد تقبل بسياسة تحميل المسؤوليات من كلِ طرفٍ للطرف الآخر، فالجميع مسؤولون في النهاية عن استمرار هذا الوضع المأسوي من حالة الانقسام في البيت الفلسطيني، في وقتٍ يُفترَضُ أن يتكاتف الجميع من أجل بلورة إستراتيجية وطنية فلسطينية، توافقية وتشاركية بين الجميع، قادرة على مواجهة المصاعب الجديدة مع لغة الصلف والغرور التي تُطلقها الإدارة الأميركية الجديدة في شأن الموضوع الفلسطيني، وتصاعد أصوات التطرف وقوى اليمين داخل دولة الاحتلال، وداخل ائتلاف حكومة نتانياهو.
إن الوفاء لحركة الأسرى وإضرابهم في سجون ومعتقلات الاحتلال، وانتصار مطالبهم العادلة والمشروعة، والداعية لمعاملتهم كأسرى حرب وفق القوانين والتشريعات الدولية، هذا الانتصار المنشود والمأمول والمُتوقع، يبقى ناقصاً جداً، ما دامت الحالة الداخلية الفلسطينية على ما هي عليه من انقسامٍ وتشرذُم، ومن تبادلٍ للتُهم بين مُختلف الأطراف. فالهم الوطني يبقى العامل الجامع والمُحفّز من أجل إنهاء وطي ملف الانقسام واستتباعاته التي توالدت عنه منذ صيف عام 2007. ولا ننسى في هذا المقام الوثيقة الصادرة عن الأسرى عام 2006 والتي تم اعتمادها كبرنامج من أجل الوحدة الوطنية، ووقع عليها في حينها في سجون الاحتلال مُمثلو أسرى "فتح" و "حماس" و "الجهاد الإسلامي" و "الجبهة الشعبية" وبقية القوى.
إن غالبية ملموسة من الفلسطينيين لا ترى أملاً في استعادة الأسرى حريتهم وإطلاق سراحهم من سجون الاحتلال، إلاّ بسلاح المقاومة، وفرض صفقاتٍ للتبادل، وهذا لن يتم ما دامت الحالة الفلسطينية تعيش استمرار التفكك والتفتت والانقسام.
وعليه، إن إضراب الأسرى فرصة ذهبية لمغادرةِ مُربع الانقسام، ومُغادرةِ مُربع الإحباطِ وتراجع الهمم، ومن أجل المرحلة التالية التي تنوء بصعابها المُنتظرة والمتوقعة، أمام الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة.
علي بدوان
* كاتب فلسطيني