نكبات شعبنا مستمرة ومتواصلة في الكثير من الأشكال والتجليات والمسميات،ولعل قانون "القومية" الذي أقرته اللجنة الإسرائيلية الوزارية للتشريع الأسبوع الماضي،وطرحته على البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" للمصادقة عليه وإعادته اليها لمناقشته،واحد من اخطر القانون العنصرية والحاقدة على شعبنا،والتي لا تؤشر فقط الى تحول دولة الاحتلال الى دولة فصل عنصري وأبارتهايد،بل هذا القانون بمثابة إعلان حرب شاملة على شعبنا،فهو يحمل في طياته مخاطر طرده وترحيله عن أرضه بالقوة،كما حصل في عامي 1948 و1967،حيث جرى طرد وتهجير شعبنا قسراً بالقوة عن أرضه،فهذا القانون بعد المصادقة عليه بالقراءات الثلاثة من قبل "الكنيست" الصهيوني يشرعن الطرد لشعبنا الفلسطيني،فهو يقول بشكل واضح،بأن "إسرائيل" هي البيت القومي لليهود وان حق تقرير المصير فقط لهم دون غيرهم،وعلى أساسه تصاغ كافة القوانين والتشريعات،وبأن شعبنا الفلسطيني ليس جزءاً أصيلاً من اهل هذه البلاد،فقط يعيش في دولة الاحتلال،ولا يحق له التدخل في الدولة ولا في التشريعات الخاصة بها،أي أن هذه الحكومة اليمينية المتطرفة تستبق وتشترط أي عودة للمفاوضات مع الجانب الفلسطيني بإعترافه بيهودية الدولة.
نكبات شعبنا مستمرة ومتواصلة على اكثر من ساحة وصعيد فمشاريع تصفية وتفكيك قضيتنا وتدمير مشروعنا الوطني مستمرة ومتواصلة،ليس بفعل الإحتلال الذي ينظر لنا كبديل لوجوده،بل بفعل انظمة ودول وجهات عربية وإقليمية ودولية،تريد أن تنهي وتصفي قضيتنا،والمأساة أنه رغم كل هذه النكبات والمخاطر المحدقة بقضيتنا وشعبنا ومشروعنا الوطني،ما زال الإنقسام يتكرس ويتعمق وتطول مداياته،وما زال طرفا الإنقسام يقتتلون ويتصارعون على إقتسام كعكة سلطة خالية من الدسم،حتى وصل الأمر حد محاصرتنا لبعضنا البعض فكأن اهل قطاع غزة لا يكفيهم مأسيهم وطول الحصار المفروض عليهم،وإفتقار الحياة الى ادنى شروط الحياة الإنسانية،وعندما ننظر بعمق وشمولية،لما يجري بحق شعبنا،نرى بأن المحتل يواصل تشريع وسن المزيد من القوانين العنصرية التي جميعها تستهدف بقاء ووجود شعبنا وصموده على أرضه،فهو لم يتخل عن مشاريعه التهويدية على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية،فمن مشروع المتطرف "أريه كنج" لتهويد الجليل عام 1976،ذلك المشروع الذي استهدف الإستيلاء على (21) ألف دونم من أراضي بلدات سخنين وعرابه ودير حنا وعرب السواعد،هذا المشروع الذي واجهه شعبنا هناك بالدم والتضحيات ليؤرخ ليوم الأرض الخالد.
منذ يوم الأرض الخالد وحتى هذا اليوم والمحتل يعاند حقائق التاريخ والصراع،فهو يعمل ليل نهار من اجل تثبيت مشروعه الصهيوني ويرفض أي مصالحة تاريخية، بل ما يريده النفي والإقصاء لهذا الشعب،فنحن نشهد حالة من "التغول" و"التوحش" غير المسبوقة على أرض وحقوق ووجود شعبنا الفلسطيني،فمخططات التهويد في الجليل مستمرة،ومحاولات الترحيل القسري كذلك مستمرة،حيث الحديث عن التبادل السكاني والجغرافي،في أي تسوية قد تطرح،من أجل المحافظة على نقاء الدولة العبرية،ومشروع تهويد النقب،مشروع المتطرف "برافر"،يطل برأسه من جديد،بعد أن تصدى شعبنا لهذا المخطط التهويدي ولجم تنفيذه،فنحن نشهد عمليات طرد وتهجير هناك،وإقتلاع لقرى فلسطينية وجودها سابق لوجود دولة الاحتلال،فقرية "العراقيب" هدمت للمرة الثانية عشر بعد المئة،وكذلك قرية "ام الحيران"،وهذا الخطر يتهدد أكثر من أربعين قرية فلسطينية هناك.
أما في القدس والضفة الغربية،فنشهد أيضاً "تسونامي" استيطاني،يبتلع القدس،ويريد الإجهاز عليها بشكل نهائي،مشاريع استيطانية في كل بقعة من بقاعها،وحتى في قلب أحيائها العربية،من أجل تحويل سكانها العرب المقدسيين الى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع،وفي الضفة الغربية،يتم إقامة دولة للمستوطنين،تمنع أي انسحاب او هدم لمستوطناتهم في المستقبل،ليصل الأمر حد تشريع بؤرهم الإستيطانية على الأراضي الفلسطينية الخاصة،ضمن مشروع قبر حل الدولتين،ودفع الفلسطينيين لتقديم تنازلات جديدة،ضمن مسار سياسي جديد يفرض عليهم الموافقة على الحلول المؤقتة،والحال في القطاع المحاصر،لا يختلف كثيراً عن حال بقية الوطن،فالحصار مستمر ومتواصل والمعابر رهينة بيد المحتل،وعجلة الإعمار لم تدر بشكل جدي وحقيقي،ومعظم الشعب هناك في ظل بطالة وفقر مدقعين،يعتاش على الإعانات والمساعدات الخارجية.
ونكبات شعبنا في الجليل والنقب والقدس والضفة الغربية وقطاع غزة،غير منفصلة عن النكبات التي يواجها شعبنا المنكوب والمشرد في مخيمات اللجوء منذ 69 عاماً،فلا يكفيه نكبته وتشرده وعيشه في مخيمات اللجوء في شروط مذلة ومهينة ولا إنسانية،فمخيماته تتعرض للتدمير وسكانها للقتل والتشريد على يد عصابات تكفيرية وإرهابية مجرمة وفق مخطط ممنهج ومدروس،لطردها وتهجيرها في نكبة جديدة،لكي لا تبقى شاهداً على جرائم الاحتلال،وعلى تمسك شعبنا بحقه بالعودة الى وطنه،حيث لا يسمح لسكان المخيمات المشردة بالعودة إليها،كما حصل في مخيم نهر البارد"فتح الإسلام" اعتدت حينها على الجيش اللبناني وقتلت العديد من الجنود اللبنانيين،ولجأت في مخطط مشبوه للمخيم،وتحصنت فيه،حيث جرى تدميره من قبل الجيش اللبناني،اثناء إقتحامه لطرد تلك العصابات المجرمة منه،وحتى اللحظة الراهنة لم يسمح لأهله بالعودة إليه،وكذلك عمليات إعماره تجري ببطء شديد،حيث الكثير من سكانه ذهبوا في رحلة تيه ومنافي جديدة.
ولعل ما شهده ويشهده مخيمي اليرموك في سوريا وعين الحلوة في لبنان كبرى مخيمات شعبنا في الشتات، من أحداث وعمليات قتل وتدمير،يدلل على حجم المؤامرة على حق العودة لشعبنا،حيث اختطفت العديد من العصابات المجرمة مخيم اليرموك،فقتلت وشردت اغلب سكانه وحاصرت من تبقى منهم،وحتى اللحظة تمنع عودتهم أو تقديم الإغاثات والمساعدات والعلاج الطبي لمن تبقى منهم، وكذلك الأحداث التي تفتعلها القوى التكفيرية والإرهابية في مخيم عين الحلوة،هي تحمل نفس الأهداف والمضامين، وتحمل اكثر من رسالة خطيرة وذات بعد إستراتيجي،في أولها واخطرها تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين،والغاء الدور التاريخي والوطني والرمزي للمخيمين،فاليرموك وعين الحلوة هما الأكبر جغرافياً وسكانياً،وكلاهما يشكل عاصمة اللجوء الفلسطيني،ورمز كفاحه ونضاله،وتمسك أهله بحق العودة،والشاهد على مأساة شعبنا وجرائم الإحتلال الصهيوني بحقه.
يضاف لكل هذه النكبات بحق شعبنا الفلسطيني،نكبة الإنقسام المتواصلة،بفعل تغليب المصالح الفئوية والخاصة لطرفي الإنقسام (حماس وفتح) على المصالح العليا للشعب الفلسطيني،واضح أنهم حتى اللحظة،بإصرارهم على إستمرار الإنقسام وتعميقه وشرعنته لم يحن الوقت لكي يدركوا بانهم سيصبحون شركاء في نكبات شعبنا وتشرده وضياع حقوقه وثوابته الوطنية وتفكك مشروعه الوطني..؟؟.
بقلم/ راسم عبيدات