لماذا فازت كتلة "حماس" في بيرزيت؟‎

بقلم: هاني المصري

للعام الثالث على التوالي، ورغم ما تعانيه حركة حماس من اعتقالات وتهديدات من سلطات الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية، وفي ظل الأزمة الخانقة التي تعيشها بعد سقوط الإخوان المسلمين في المنطقة وتشديد الحصار على قطاع غزة، والتي جاء طرح الوثيقة السياسية في في أحد أسبابه محاولة للخروج منها؛ فازت كتلة الوفاء المحسوبة على "حماس" في انتخابات جامعة بيرزيت، فحصلت على 25 مقعدًا، أي نفس عدد المقاعد التي حصلت عليها في العام السابق، وحصلت حركة الشبيبة الفتحاوية على 22 مقعدًا، أي بزيادة مقعد واحد عن العام الماضي، بينما تراجع القطب الديمقراطي المحسوب على الجبهة الشعبية من خمسة مقاعد إلى أربعة، وهذا يعني أن الشبيبة تقدمت بمقعد واحد على حساب القطب، بينما لم تحصل الكتل الأخرى المحسوبة على فصائل يسارية أخرى على أية مقاعد، وهذا أمر قائم منذ سنوات في معظم المواقع والجامعات من دون أن تسائل الفصائل اليسارية نفسها، أو يسائلها أعضاؤها وأنصارها. كيف لفصائل موجودة منذ عشرات السنين ولا تستطيع أن تحصل على مقعد واحد؟!

السؤال الذي يطرح نفس: لماذا تفوز كتلة الوفاء في جامعة بيرزيت، بينما تخسر أو لم تنافس في الجامعات الأخرى؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن انتخابات جامعة بيرزيت لها أهمية خاصة؛ نظرًا لموقعها الجغرافي في وسط الضفة، ولما تمثله في مسيرة الحركة الوطنية وكون طلابها أكثر من غيرها من الجامعات يمثلون مختلف المناطق والطبقات والتيارات، ما يجعل الانتخابات فيها تعكس مؤشرًا عامًا .

إن السبب الأول والأهم الذي يفسر فوز كتلة الوفاء أن إدارة جامعة بيرزيت حافظت على تقاليد عمل ديمقراطية، بدليل انتظام إجراء الانتخابات أكثر بكثير من أي جامعة أخرى، كما لا تنحاز الإدارة إلى أي كتلة من الكتل، ولا تمكّن أجهزة السلطة من التدخل، ولا تمنع إجراء الانتخابات خشية فوز "حماس"، ولا تستخدم نفوذها ولا تسمح لأحد بتزوير النتائج، ما يجعل النتائج تعبر بدقة كبيرة عن واقع الحال في الجامعة.

أما السبب الثاني الذي يفسر فوز كتلة الوفاء (كما فهمت من طلاب وطالبات ليسوا محسوبين عليها) فيرجع إلى القائمين عليها من حيث وعيهم ونشاطهم وتميزهم في خدمة الطلبة، وفِي انفتاحهم الاجتماعي، خصوصًا على الطالبات، خلافًا للكتل المحسوبة على "حماس" في مواقع أخرى، إذ تجد في صفوفها بما في ذلك مؤتمر مجلس الطلبة، طالبات غير محجبات، وهذه نقطة مهمة كون أكثر من 64% من الطلاب في جامعة بيرزيت طالبات.

وهذا الأمر يجعلني انتقل بسرعة إلى التعقيب على ما صرحت به "حماس" حول

أن انتصار كتلة الوفاء رغم القمع والملاحقة والاعتقالات انتصار لبرنامج المقاومة، وهذا أمر خاطئ تمامًا، ويجب الحذر منه كثيرًا، لأنه يعني وفق المنطق نفسه أن خسارتها في جامعات أخرى خسارة للمقاومة، وهذا غير صحيح في كلتا الحالتين على الأقل في الظروف الراهنة، لسبب بسيط أن القمع موجود والاعتقالات قائمة في بيرزيت وغيرها، وأن المقاومة الآن في أسوأ حالاتها، فهي محاصرة إلى حد كبير في قطاع غزة، ومقيدة بهدنة مستمرة منذ العام 2014، وتبدو أنها باتت تستخدم كأداة في الصراع والتنافس الداخلي، وللدفاع عن سلطة غزة أكثر ما هي إستراتيجية طويلة الأمد للتحرير، خصوصًا في ظل تردد ورواج أفكار ضارة وواهمة عن هدنة طويلة الأمد مع الاحتلال يمكن أن تستمر إلى عشر سنوات أو أكثر إذا تم رفع الحصار عن القطاع، وفِي أحسن الأحوال إذا سمحت إسرائيل بإقامة دولة غزة بمعزل عن إنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة على الأراضي المحتلة العام 67، فضلًا عن عزلها عن مسألة تحرير كل فلسطين التي أكدت "حماس" في وثيقتها الجديدة تمسكها به رغم موافقتها على إقامة دولة في الضفة والقطاع ضمن صيغة توافقية وطنية.

هل أقصد فيما سبق أن إدارة الجامعة في بيرزيت وصفات كتلة الوفاء، هما السببان الوحيدان لتفسير فوزها، لا طبعًا، فكونهما السببان المهمان لا يلغيان وجود أسباب أخرى أقل أهمية  تتعلق بالموقف الناقم من الشعب بصورة عامة، ومن الطلاب بصفة خاصة، على النموذج الذي تقدمه "السلطة الحاكمة" في الضفة، وتنسيقها الأمني مع الاحتلال، وكيف تعاملت مع مسألة استشهاد باسل الأعرج، ومع إضراب أبطال الحرية والكرامة، وحالة شبه الذوبان بين قائمة الشبيبة والسلطة، خصوصًا الأجهزة الأمنية، وكيفية اختيار أعضاء القائمة دون الاحتكام إلى إرادة الطلبة واختيارهم الحر، وما يؤدي إليه ذلك من زيادة عدد الغاضبين والناقمين المحسوبين على "فتح"، ما يجعلهم غير مكترثين بنجاحها، وقد يعمل بعضهم على إفشالها، إضافة إلى تداعيات مشاركة الرئيس محمود عباس في جنازة شمعون بيرس، وما تلاه من بيان صادر على الشبيبة في بيرزيت منددًا بالمشاركة، ما أدى إلى فصل العديد من كوادر الشبيبة.

يوافق العديد من الطلبة على أن الشبيبة في بيرزيت تبذل مجهودًا أفضل من السابق لخدمة الطلبة، ولذلك يتحسن وضعها، ولو قليلًا، كل عام، ولكن مساوئ السلطة ترخي بظلالها السوداء عليها، ما يقتضي أن تعمل على الفصل بينها وبين السلطة في سياق عملية فصل ما بين السلطة و"فتح"، وهذا بات أكثر صعوبة بعد أن تكرس في المؤتمر السابع لحركة فتح أنها حزب السلطة وحزب الموظفين أكثر ما هي أي شيء آخر.

ولتوضيح ما نقصده نشير إلى أن كتلة الوفاء منذ العام 1996 وحتى وقوع الانقسام في العام 2007 فازت 7 مرات بينما فازت الشبيبة مرتان اثنتان، ومنذ الانقسام وحتى الآن، أي في آخر عشر سنوات، فازت الشبيبة 7 مرات (في مرتين منهما قاطعت كتلة الوفاء الانتخابات)، بينما فازت كتلة الوفاء 3 مرات على التوالي منذ العام 2015 وبنتائج مرتفعة عن السابق، ويظهر ما سبق أن كتلة الوفاء فازت مرات أكثر قبل الانقسام وخسرت مرات أكثر بعده.

من الأشياء الجديرة بالتنوية أنه بالرغم من المنافسة الحامية جدًا التي رافقت إجراء الانتخابات في بيرزيت، ورغم المناظرة بين القوائم التي تميزت بحدة شديدة إلى حد التخوين والتكفير والتحريض المتبادل، إلا أن المتناظرين من الشبيبة والكتلة خرجوا بعد المناظرة في مظاهرة مشتركة تهتف للوحدة الوطنية وتندد بالاحتلال وتناصر إضراب أسرى "الحرية والكرامة".

تبقى نقطة أخيرة لا يمكن تجاهلها في هذا المقال، وهي ما دامت "حماس" تفاخر بفوز كتلتها في بيرزيت، وتعتبر أن هذه النتيجة استفتاء على شعبيتها في كل مكان التي تظهر وتعبر عن نفسها إذا توفرت أجواء الحرية والديمقراطية، لماذ تخشى ولا تجري الانتخابات في الجامعات في قطاع غزة رغم أنها تسيطر عليه، وتستطيع أن تضمن إجراء الانتخابات بحرية ونزاهة، وتقدم مثالًا يستطيع أن يدحض المثال الذي تقدمه السلطة في الضفة.

إن عدم إجراء الانتخابات في جامعات غزة يجعل من حق السلطة في الضفة أن تتفاخر بأنها تسمح بإجراء الانتخابات في جامعات الضفة التي يمكن أن تفوز بها قوائم "حماس"، بينما الأخيرة تمنع إجراء الانتخابات إلا في الجامعة الإسلامية المحسوبة على "حماس".

إن إجراء الانتخابات بشكل منتظم في الجامعات والنقابات والاتحادات الشعبية والجمعيات الخيرية والأهلية وغيرها، شرط توفير الحد الأدنى على الأقل من أجواء الحرية والنزاهة والتنافس الشريف، والابتعاد عن الاعتقالات والتهديدات والاستدعاءات (فيكفي ما تقوم به سلطات الاحتلال) ضرورة ملحة لقيامها بدورها المهني والوطني على أحسن صورة، وهو يمكنها من الصمود في مواجهة الاحتلال ومخططاته الرامية إلى تفكيك مختلف الهيئات والمؤسسات الفلسطينية حتى لا تساهم في دورها في معركة الحرية والعودة والاستقلال.

بقلم/ هاني المصري