مازن فقها .... تساؤلات امنية على التجربة الفلسطينية

بقلم: سميح خلف

ثمة ما هو مهم ان تتذكر كافة العمليات الامنية الاسرائيلية والتي استهدفت قادة فلسطينيين وكوادر ونشطاء من كافة اطياف العمل الوطني سواء في داخل الضفة وغزة او في لبنان او اوروبا وبعواصم متعددة ، اغتيال الشهيد فقهاء فتح الباب على مصراعيه لكل الباحثين في الامن او في حركة النضال الوطني الفلسطيني ، ومن المؤكد ان تلك العمليات قد تخرج بتفاصيلها عن مجلد واحد، ولكن معظم العمليات الامنية التي قامت بها اجهزة الامن الاسرائيلية بشكل مباشر او غير مباشر والتي اثرت على مساق ونوعية وتوجهات قيادة الشعب الفلسطيني قد تكون لها نكهة امنية واحدة من حيث الاليات وامكانيات الدعم اللوجستي ونوعيته وادواته والتكليف الخطي في اعداد سيناريو وخطة الاغتيال والتنفيذ المهامي لكل عنصر بما يسمى دائرة تنفيذ المهام الى لحظة الانسحاب وانهاء العملية ، وبشكل رئيسي تعتمد تلك العمليات على امكانيات الدعم اللوجستي الارضية حول الهدف وتسخير كافة الامكانيات لمليء امني في دائرة التنفيذ.
فاذا ما اخذنا محور الارتكاز للنهج الامني الاسرائيلي عملية الفردان واغتيال القادة الثلاث وصولا الى عملية اغتيال قادة القطاع الغربي في قبرص وعمليات اخرى في اوروبا واغتيال منفذي عملية ميونخ الى اغتيال ابو جهاد والشيخ احمد ياسين والشقاقي والرنتيسي وقادة اخرين فإننا نجد الاختلاف النسبي البسيط فقط في الاعداد اللوجستي لتنفيذ تلك العمليات ، والسؤال هنا ..؟؟ التجربة الامنية الفلسطينية هل فعلا اهتمت بوضع دراسات للسلوك الامني الاسرائيلي وبرمجياته ووضع طرق الوقاية والعلاج والمبادرة ...؟؟ وبناء عليه تم اعداد المؤسسة الامنية الفلسطينية تنظيميا وتدريبيا على مستوى المؤسسة او على مستوى الأمن الاجتماعي او الاقتصادي او الاعلامي او التعبوي بما فيها حرب الاشاعات والتمويه والتضليل .
تعود أي متابع للمؤسسة الامنية او السياسية الفلسطينية بعد تنفيذ أي عملية اغتيال وفي تشابه مطلق ان تستند العملية للموساد او ما يسمى الشاباك بعد ذلك ، في حين ان حماية الجبهة الداخلية تحتاج الى اكثر من ذلك بكثير وحماية منظومة المقاومة تحتاج ايضا اكثر من ذلك ..... وحقيقة غالبية عمليات الاغتيال تم حفظ ملفاتها وهي هوة وانقطاع وفراغ سواء على المستوى الشعبي او على مستوى التجربة والمؤسسة باستثناء عملية اغتيال ابو اياد ومعرفة المنفذ وحجب كامل الملف وعناصره الاخرى ومعرفة عدنان ياسين سكرتير العلاقات الخارجية في سفارة فلسطين في تونس والذي تم تهريبه الى دول امريكا اللاتينية كما سمعنا وما يشاع ان راتبه مازال قائما في كشوف المالية للان .... اما باقي العمليات ومن قاموا بالدعم اللوجستي على الارض لها لم يكشف عنها ...... ولا ادري ما هي الاسباب وراء ذلك .... ام هو عجز وضعف وتفكك في الاجهزة ...؟؟ ام اختراقات تقوم بتوجيه التحقيق في تلك الملفات ..
بالتأكيد، ان تعامل المدرسة الامنية في قطاع غزة بواقعة اغتيال فقهاء قد غير المنظور والسلوك والفهم والاليات الامنية في التعامل مع أي حالة اختراق او اغتيال وعن سابقتها في المدرسة الامنية الفلسطينية والتجربة الفلسطينية ، فالوصول لعناصر دائرة التنفيذ والدعم اللوجستي بتفاصيلها شيء عظيم قامت به اجهزة الامن في غزة بكافة ادرعتها ولكن ما افردته نداء الوطن عن الامساك باثنين من دائرة التنفيذ بالاشتباه لنواياهم التسلل عبر حدود غزة وبمحض الصدفة وكانا مفاتيح التعامل مع الملف تعني الصدفة لها جانب من الانجاز وهنا لا نقلل بل نسجل تقديرنا بالأداء العالي والساعات المضنية والنهج العلمي والمعلوماتي التي قامت به اجهزة الامن .
ومع هذا الانجاز نستطيع القول ان هناك فجوات وثغرات امنية ليست بصغيرة اذا ما قارنا هذا الحكم على ما تسرب في وسائل الاعلام عن سلوكيات ومخالفات وعدم انضباطيات للمنفذ الاول لعملية الاغتيال التي ومن البديهي ان تجعل هذا المنفذ تحت دائرة الاهتمام والمتابعة منذ زمن ، نحن نسمع ان المنفذ قام باغتيال 20 فلسطيني من كافة الفصائل وهذا يدعو من جانب اخر ان تفتح حماس نفسها ملف تحقيق داخلي في احداث 2007 وما تلاها وخلالها من تصفيات واغتيالات ..
نؤكد مرة اخرى ان اجهزة الامن في غزة قفزت عن الحالة الترتيبية الامنية السابقة للتجربة الفلسطينية ، ولكن لا يكفي ذلك ان تبقى اجهزة الامن الفلسطيني في حالة انتظار وترقب واستقبال لنتائج المخططات الامنية الاسرائيلية .. بل يلقى على عاتقها اعادة ترتيب للمنهجية الامنية سواء على المستوى الداخلي والخارجي .
اذكر في السبعينات من القرن الماضي سجلت اجهزة الامن الفلسطينية وخاصة جهاز المخابرات ارقام قياسية في الكفاءة اعترفت بها كثير من دول اوروبا وكان اسم الامير الاحمر يرعب تل ابيب .... ولكن تصفية علي حسن سلامة واغتياله لا تختلف كثيرا في سلوكها اللوجستي عن اغتيال فقهاء باختلاف نسبي في التنفيذ في المكان والزمان ... وبعد ذلك دخلت الاجهزة الامنية في صراعات التوازنات الداخلية ومن ثم اضعفت وابتعدت عن المنهجية العلمية والامنية ، واصبحت مكبلة بمفاهيم تحددها القيادة السياسية وبرنامجها واتفاقيات غير معلنة عن طريق وسطاء اوربيين بين القيادة وإسرائيل لوقف حالة الاشتباك في العمليات الخارجية وان كان اسرائيل نقضت هذا الالتزام في قبرص وبعد ذلك اغتيال القائد الامني الكبير عاطف بسيسو في باريس وتبعا لتوجهات مرحلة سياسية قادمة .
واخيرا نفتخر بأداء الاجهزة الامنية في غزة ومزيدا من المثابرة لحفظ امن الافراد والفصيل والمجتمع ، وبالتأكيد ان اللعبة تغيرت .... ولا ثوابت في الملعب الامني .
سميح خلف