جولة ترامب الشرق أوسطية – صفقات وتبادل منافع ومحاضرات

بقلم: عبد الحميد صيام

أثناء حملته الانتخابية المنفلتة من كل عقال، قال دونالد ترامب "إن أميرا سعوديا يحاول أن يسيطر على الولايات المتحدة"، في إشارة إلى استثمارات الوليد بن طلال. وأكد ترامب في تصريح آخر على أن السعودية هي التي أطاحت بالبرجين في نيويورك، وأن السعودية لا تستطيع أن تعيش كدولة بدون المساعدات الأمريكية، وأن الخزانة الأمريكية تتكلف الكثير من أجل حماية السعودية.
وكالتاجر الشاطر، يتناسى كل ما قاله عندما يحين الوقت لعقد الصفقات المربحة. ترامب الرئيس، على عكس كل الرؤساء السابقين، اختار السعودية لتكون الدولة الأولى التي يقوم بزيارتها، خارج الولايات المتحدة، خارجا على تقليد متبع منذ عقود طويلة بقيام الرئيس الجديد بزيارته الأولى لأحد الجارين الكبيرين كندا أو المكسيك.
يصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 20 مايو الحالي الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، منذ عهد الرئيس روزفلت، وأكثرهم انخراطا في مشاكل محلية وإقليمية ودولية. وقد أعد الملك سلمان بن عبد العزيز، استقبالا استثنائيا لضيفه، وذلك بتوجيه دعوة لنحو 50 زعيما عربيا ومسلما لحضور لقاء قمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وسيعقد ترامب لقاءه الأول مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ثم يلتقي مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، ثم يعقد قمة ثالثة مع كافة الملوك والرؤساء المشاركين من العديد من الدول العـربية والإسلامية. ومن العجائب والغرائب أنه سيلقي محاضرة على المسؤولين العرب والمسلمين، حول نبذ ثقافة الكراهية وتهميش الآخرين وتعميم ثقافة التسامح وقبول الغير، والتوحد لاقتلاع جذور الراديكالية والعنف والتطرف والإرهاب.
ينتقل بعدها الرئيس الأمريكي لإسرائيل، يصحبه وفد هو الأضخم في تاريخ تبادل الزيارات بين الدول، وقد أكدت وسائل إعلام أمريكية على أن وفد الرئيس المرافق لإسرائيل يصل إلى نحو 1000 شخص. وسيقوم ترامب بزيارة قصيرة لبيت لحم لزيارة كنيسة المهد، ويلتقي على هامش الزيارة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. ثم يعرج في طريقه إلى قمة الدول الصناعية السبع بصقليا إلى روما لزيارة الفاتيكان. وقد أشار ترامب في إحدى فلتات لسانه، إلى أنه سيزور مقرات الأديان السماوية الثلاثة. وفي إسرائيل سيلقي ترامب خطابا على تل مسعدة (متسادا بالعبرية) قرب الشاطئ الغربي للبحر الميت، إذ يروى أن مجموعة من الثوار اليهود ضد الحكم الروماني آثروا الانتحار بدل الاستسلام، رغم عدم ذكر هذه الحادثة في أي من كتب التاريخ اليهودية، ولا أعرف كيف يعزز هذا الخطاب ثقافة التسامح وقبول الغير وتقديم التنازلات، للوصول إلى حل عادل ومقبول من الجميع.
ملاحظات حول الزيارة شكلا ومضمونا
في يونيو 2009 قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة للرياض، استغرقت عدة ساعات فقط، التقى فيها بالعاهل السعودي آنذاك عبد الله بن عبد العزيز، وقد حاول أوباما جس نبضه في موضوع دعم التقارب العربي الإسرائيلي، لتشجيع إسرائيل للانخراط في العملية السلمية، إلا أن الجواب كان جافا كما روت صحيفة "نيويورك تايمز" في الأول من مايو "إن السعودية ستكون آخر دولة تعترف بإسرائيل".
أوباما من جهته بدل أن يخاطب الملوك والرؤساء العرب، اختار أن يخاطب الشعوب. من على منبر جامعة القاهرة ألقى خطاب المصالحة مع العالمين العربي والإسلامي، واعدا أن يفتح صفحة من العلاقات القائمة على الاحترام والتفاهم، والعمل على حل المشاكل العالقة، بما في ذلك الانسحاب من العراق وأفغانستان والتوجه لحل المشكلة الفلسطينية، التي أعاد مرجعيتها إلى نكبة عام 1948. ومن الملاحظ أن أوباما قفز عن زيارة إسرائيل، وتجنب زيارتها في دورته الأولى، وهو أمر لم تغفره له، وعملت كل ما في وسعها لعرقلة جهوده.
ترامب يحاول أن يعمل عكس أوباما في كل شيء، فهو ليس معنيا لا بالشعوب ولا بهمومها. ما يهمه المال وإسرائيل. ولذا يعمل فقط على إجراء تفاهمات مع القيادات، سواء كانت منتخبة أو وصلت للحكم بالوراثة أو عن طريق الدبابة. يريد أن يطمئن هؤلاء القادة الذين توجسوا من رئاسته، خاصة أنه بدأ عهده بمنع جنسيات سبع دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر. يريد أن يقول لهم هناك أشياء مشتركة بيننا لنعمل على حلها معا، نتقاسم الأدوار وكذلك التكاليف. ويبدو أن هناك إشارات واضحة في أن المنطقة جاهزة لتقبل إسرائيل جزءا منها، ولذلك اختار ترامب أن ينتقل من الرياض إلى تل أبيب وبالزخم نفسه. أما من حيث الجوهر فترامب يريد أن يرسل بعض الرسائل التي يمكن للمتابع أن يستخلصها من هذه الزيارة المهمة:
أولا: إن فكرة دعوة عدد كبير من رؤساء العالمين العربي والإسلامي، هي فكرة الرئيس ترامب، الذي يريد أن يطمئن حلفاءه في العالمين العربي والإسلامي بجدية ومتانة التحالف بين الولايات المتحدة وتلك الدول، وأن تركيز هذه الإدارة على الأمن والتسلح واستخدام القوة، إن لزم الأمر، أمور جادة لا مجال للتهاون فيها. ويريد أن يطمئن دول الخليج بالتحديد بأن أمنهم في الصون والحفظ، ولكن عليهم أن يقوموا ببعض الواجبات مثل، شراء السلاح والمشاركة في تكاليف هذه الحماية، وأن تبقى أمريكا هي مصدر الاستيراد الرئيسي، بالإضافة إلى تقبل إسرائيل عضوا في هذا الإطار.
ثانياً: إرسال رسالة تهديد مبطن لإيران، لاستنكار تصرفاتها العدائية وميليشياتها المنتشرة في المنطقة، خاصة تحرشها بدول الخليج، التي تعتبر جزءا من الأمن القومي للولايات المتحدة. والرسالة المبطنة تشير إلى أن هناك إمكانية حقيقية لإنشاء إطار جديد لهذا التحالف الجديد (إن لم يتم إنـشاؤه فعلا) لمواجهة التحدي الإيراني بقيادة المملكة العربية السعودية والأردن ومصر وإسرائيل، تحت يافطة مواجهة الإرهاب وهزيمته، والهدف أيضا غير المعلن مواجهة إيران وتحجيمها وتقليم أظافرها الطويلة.
ثالثا: تكريس السعودية كقائد للعالم الإسلامي، والتأكيد على أن اختيار ترامب لها كأول زيارة خارجية، أمر مقصود وله دلالاته، ويعبر عن ثقة الإدارة الأمريكية بأن الدور السعودي أصبح أكثر نشاطا وفاعلية، خاصة بعد تمكنها من إطلاق تحالف لعدد من دول العالمين العربي والإسلامي للتدخل عسكريا في اليمن، منذ شهر مارس 2015 إلى جانب النظام المعترف به شرعيا.
مقايضة الأمن بالمال
هناك مجموعة من المسائل ستكون موضوع اللقاءات الثنائية بين الوفدين الأمريكي والسعودي. وأول هذه الملفات صفقات السلاح كجزء مما يسميه ترامب "تقاسم الأعباء". لقد تزامنت هذه الرحلة مع الإعلان عن عقد صفقة سعودية ضخمة لشراء أسلحة أمريكية متنوعة بقيمة 100 مليار دولار، تصل في عشر سنوات إلى 300 مليار. كما تستعد المملكة للإعلان عن صفقة استثمار في الولايات المتحدة بقيمة 40 مليار دولا من مجموع 200 مليار خلال السنوات الأربع المقبلة، وقد يعلن عن الصفقة عشية وصول ترامب، أو بعد مغادرته بقليل. وتخصص الاستثمارات في تطوير البنى التحتية الأمريكية والطاقة والتكنولوجيا. وهو ما ورد في تصريح صادر عن البيت الأبيض، بعد لقاء ترامب مع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
إذن سيل الاستثمارات والصفقات التجارية الضخمة يقابله تعزيز المواجهة مع إيران وأطماعها التوسعية. ولكن هذا لا يكفي. ما يريده ترامب أيضا هو التوصل لاتفاق إسرائيلي – فلسطيني- عربي- إسلامي، يبدأ بالتطبيع وينتهي بتشكيل تحالف على غرار حلف الناتو لمحاربة الإرهاب والتطرف. لذلك يتوقع المحللون الاستراتيجيون هنا أن تشمل محادثات الرئيس الأمريكي العمل على إحياء عملية سلام مع إسرائيل، تشمل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار إقليمي، ومعاهدات سلام بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل، كتلك المبرمة بين مصر والأردن وإسرائيل. فالرئيس ترامب يؤمن بتشابك كل المسائل التي تخص كل هذه الدول وزعمائها، الذين سيلتقي بهم، وارتباط بعضها ببعض، وكونها جزءا لا يتجزأ من المصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق فموقف أمريكا الحازم من إيران سيقابله ضغط باتجاه الحل الإقليمي للقضية الفلسطينية، الذي يبدو أن معالمه بدأت تتبلور شيئا فشيئا، ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأن يطلق عليها "صفقة القرن" طبعا في حالة إتمامها. ولنا في ذلك شكوك ومخاوف ستكون موضوع أحاديثنا في المستقبل.

د. عبد الحميد صيام
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي