أربعة وثلاثون يوماً والأسرى ما زالوا صامدين في اضراب الحريّة والكرامة ، أربعة وثلاثون يوما يزداد فيها يوماً بعد يوم ضعف ووهن أجساد أسرانا البواسل ، ومع هذا فهم قد آثروا التضحية بكل نتائجها على الاستسلام والخضوع لشروط العدو الصهيوني ، وهم يدركون تماماً أنّ العدو الصهيوني لا يعنيه كثيراً من الأمر وضعهم الصحيّ ما دام يرى المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً بشأنهم ، ولكنهم يتساءلون عن موقف جديّ لم يتخذ بعد على الصعيد الوطني الفلسطيني ، وكأنّ حالهم أصبح محل مقايضة ومساومة لا تحقق لهم حريتهم وكرامتهم ، وباتت قضية الأسرى خاضعة لتوازنات عديدة محلياً ودولياً .
فالموازنة بين اضراب الأسرى وبين زيارة ترامب تعني أننا نراهن بقضايانا الوطنيّة على الجانب الأمريكي الذي يثبت في كل يوم أنه العدو اللدود لشعبنا ولقضيتنا ، وأنه ليس حليفاً استراتيجياً وحسب للعدو الصهيوني ، بل هو صاحب المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية ، فكيف نلتفت إلى ترامب ونبشّ في وجه ، بينما نعبس في وجه أسرانا ونميل عنهم لأنّ اضرابهم لم يكن مناسباً مع زيارة الرئيس الأمريكي لبلدنا ، فترامب لن يعطينا شيئاً لأنه لا يملك أي شيء ، وهو لا يملك قرار المنح والعطاء الذي هو بيد الكونغرس والبنتاغون الأمريكي ، ونحن كلما جاء رئيس أمريكي جديد استبشر فينا البعض خيرا فيه ، وكلنا يدرك أنّ الرئيس الأمريكي هو مجرد مدير للبيت الأبيض وليس صاحب القرار في السياسة الأمريكية ، لذلك أي رهان على أمريكا هو رهان خاسر ، ومقايضة قضية الأسرى بزيارة ترامب هو عمل خاسر على الصعيد الوطني ، فالأسرى أسمى وأعظم من أن نضعهم في كفة ميزان مقابل زيارة ترامب لبلدنا .
والموازنة بين حريّة الأسرى وكرامتهم وبين حياتهم تضع الكل الفلسطيني أمام مسؤولياته الوطنيّة ، فالأسرى قد وصلوا إلى حافة الموت ، وهذه حقيقة يعلمها الجميع ، فالتضحية بهم جريمة نحاسب عليها وطنيّاً ، والتوقف عن اضرابهم والمطالبة بحقوقهم الإنسانية مسؤولية تحتّم علينا أن نحدد موقفنا بصراحة ووضوح تجاه قضيتهم ، هل نحن معهم في اضرابهم ومعركتهم ، وهل الوقوف معهم هو بإقامة خيّم الاعتصام ، وإعلان التضامن معهم ، أو بشرب الماء والملح ، أو بإصدار البيانات المؤيدة لهم ، أو بمطالبة العالم بالوقوف معهم ، كل هذا يشدّ من معنوياتهم ، ولكن المطلوب أكثر من ذلك وأهم من ذلك ، المطلوب مقاومة شعبية شاملة على كل مساحة الوطن والشتات وتشمل كل المستويات الوطنيّة ، بدءاً من اللجنة التنفيذية ورئيسها ، مروراً بكافة الفصائل والقوى الفلسطينية وكل المؤسسات الفلسطينية إضافة إلى كل الفعاليات الوطنيّة السياسية والفكريّة والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، مقاومة شعبيّة فلسطينيّة شاملة تجعل من الشعب الفلسطيني كله موقفاً واحداً موحداً في مواجهة غطرسة العدو وتعنثه تجاه مطالب أسرانا البواسل .
حياة أسرانا تهمنا ، ومطالب أسرانا تهمنا ، ولن نحمي حياتهم ، ونساعدهم في تحقيق مطالبهم ، إلا إذا تحركنا التحرك الجديّ الفعّال لنصرتهم ، وهذا التحرك يجب أن يكون على المستوى الدولي ، فتدويل قضيّة الأسرى واجب وطني ومسؤولية تاريخية تتحمله القيادة الفلسطينية ، فالمطلوب الآن قبل الغد أن تنقل قضيتهم إلى مجلس الأمن الدولي ، والمطالبة الفورية بعقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، واتخاذ القرارات الدولية استناداً إلى القانون الدولي بشأن الأسرى المضربين عن الطعام ، هذا القانون الدولي الذي يؤكد على حماية الأسير المضرب عن الطعام لمدة تتجاوز الأربعة عشر يوما حيث يجب حمايته دولياً وأطلاق سراحه فورا ، فكيف إذا كان هؤلاء الأسرى يتجاوز عددهم الألف والستمائة أسير ، ألا يستحق هؤلاء تحركاً على أعلى مستوى دولي لحماية أسرانا ومطالبهم العادلة .
حمص في 21/5/2017 صلاح صبحية