قمة ترامب وغياب فلسطين

بقلم: عباس الجمعة

وفي ظل التطورات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على المنطقة العربية، اتت زيارة الرئيس الامريكي ترامب للمنطقة وعقد قمم بهدف تسخير العداء بين شعوب المنطقة وتنفيذ مشروع تفتيت المنطقة العربية ، هذا المشروع الذي عجز كيسنجر ورايس عن تنفيذه، الا ان مشروع الشرق الاوسط لم يسقط من اجندة الادارة الامريكية التي سعت منذ احتلال العراق لتنفيذه وتعميم الفوضى الخلاقة له عبر ما يسمى الربيع العربي ، ولذلك نقول ان امام هذه المخاطر لا بد من تشكيل جبهة شعبية عربية قادرة على التصدي لكافة المخططات المرسومة للأمة العربية.

من هنا راينا بأن الإدارة الأمريكية حددت اهتماماتها في المنطقة بدعوة اصدقائها لمحاربة ومحاصرة إيران، والخفاظ على شعار أمريكا أولاً، بما يعني أن على دول الخليج العربي أن تدفع المال مقابل الدفاع عنها، وهذا ما لمسناه من زيارة ترامب للسعودية وعقد الصفقات بمئات المليارات من الدولارات، كما ان خطاب ترامب كان واضحا وبصمة الحاضرين في مواجهة إيران و"الإرهاب" وهو بكل تأكيد سيشكل هذا الخطاب صفحة للتطبيع العربي الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية من خلال التمهيد لضرب قوى المقاومة .

أن ما يجب الوقوف أمامه ليس ما تخطط له الادارة الامريكية، فهذا وضع طبيعي بالنسبة لدولة إمبريالية، ولكن الأهم هو غياب أي دور عربي رسمي يواجه هذه المخططات والمؤامرات التي تحاك منذ احتلال العراق الذي يتعرض الى التفتيت والتمزيق،وما تعرضت له سوريا وليبيا واليمن بعد ذلك من قوى الارهاب المدعومة من قبل القوى الامبريالية والرجعية بعد قيام ثورات عربية حقيقية في مصر وتونس ، ولكن القوى الامبريالية استطاعت مع حلفائها التحرك لاحتوائها وتجييرها لمصلحتهم ، رغم الدور الذي لعبته القوى التقدمية والقومية في مصر وتونس ، لهذا المطلوب دعم وإسناد المقاومة في المنطقة لمواجهة هذه المؤامرات.

ونحن اليوم نرى أن المنطقة العربية تعرضت إلى ضربات قاسية، كان أهمها وعد بلفور المشؤوم الذي كان بداية لتحولات لإعادة رسم المنطقة العربية كاملة ونكبة فلسطين عام 48 ، وهزيمة حزيران التي تعتبر الضربة القاصمة الأكبر للمنطقة العربية، حيث بدأ انهيار الأمة بعد الهزيمة بشكل متسارع، فقد كانت هزيمة لمشروع إعادة إحياء دولة حقيقية بعيداً عن التقسيمات التي قام الاستعمار بفرضها، الا ان قوى المقاومة لهذه المشاريع، كانت على مدى التاريخ. والمنطقة العربية تشهد تطوراً للمقاومة ونهجها، استطاع إيقاف التمادي "الصهيوني" التي كانت تسرح وتمرح في المنطقة كيفما تشاء، وكانت انتصارت المقاومة في لبنان ، التي اسقطت نظرية رايس في عام 2006.

لذلك نحن نرى ان الاوضاع التي تعيشها المنطقة، من حيث اتساع دائرة الصراعات العربية، وبمشاركة إقليمية، دولية، دون إغفال أن المفتاح الرئيس لهذه الصراعات هو (القضية الفلسطينية)، وتنامي الصراعات الدولية على منطقتنا، إضافة إلى صعود قوى دولية كروسيا والصين، وتراجع قوى أخرى ولكنها لم تصل حتى هذه اللحظة إلى حالة الانكسار، رغم ما

يجري على الأرض من خدمة صافية للكيان الصهيوني، خاصة من خلال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا يؤكد بلا شك سقوط اغلبية النظام الرسمي العربي، الأمر الذي يستدعي ضرورة استنهاض كافة الاحزاب والقوى التقدمية والقومية والاسلام التنويري في مجابهة هذه المخاطر .

وفي ظل كل ذلك تأتي ذكرى نكبة فلسطين الذي لعب العرب فيها الأدوار ، حيث لم نسمع في قمة ترامب اي حديث يذكر عن النكبة ، الا إدامة مفاعيل الهزيمة، خدمة للسياسة الأمريكية والامبريالية في المنطقة، وإذا اعتبرنا أنّ الكيان الصهيوني يُمثّل قاعدة متقدّمة للعدوان الاستمعاري على منطقتنا، فإن الرجعية العربية التابعة، شكّلت باستمرار قاعدة الاسناد للكيان الصهيوني، وإختراق عميق للصف العربي، لطالما لعبت أدوار مدمّرة لإضعاف الصف العربي والقدرة على المقاومة والصمود، وفي الأعوام الأخيرة تطور التعاون بين نظم النفط والكيان الصهيوني لتحالف أمني مفضوح، وشراكة عسكرية في العدوان على العديد من شعوب المنطقة، هذا كله بجانب الشراكة في الهجمة المسعورة لتصفية القضية الفلسطينية.

ان مخاطر عدة يفرزها التحالف والتسابق العربي والاسلامي للالتحاق بالركب الامريكي، لا تبدأ باستكمال مخططات التقسيم والتفتيت للمنطقة العربية، ولا تنتهي بفرض التسوية التصفوية للقضية الفلسطينية، بل من ضمن اهدافها تغذية وتسعير الحرب الطائفية، وتصعيد الحروب على قوى المقاومة بحجة مكافحة الارهاب.

اما ما قدموه من عشرات وربما مئات المليارات للخزينة الامريكية ، لتقديم كل ما يمكنهم لضمان بقاء الحماية الأمريكية لهم، بما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية، و خوض حروب الولايات المتحدة نيابة عنها، في مواجهة كل قوى المقاومة، وكل محاولة للنهوض الحر لهذه الشعوب، نستدعي من كافة القوى العربية الحية حشد كل موارد الصمود، لوقف مخاطر هذا العدوان، والرد عليه بيقظة حقيقية من الشعوب في هذه المنطقة المنكوبة بحكام لم ولن يعرفوا طريقا الا في خدمة امبراطورية القتل الامريكية.

وفي معمعان المعركة التي تستهدف شعوب المنطقة والنيل من إرادتها وكرامتها ، على الشعب الفلسطيني بكافة قواه وفصائله استنهاض الطاقات بمواجهة الاحتلال الجاثم على صدور شعبنا ومستمرا في كل اجرءاته الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية ، كما ان المرحلة تستدعي انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية وتطبيق اتفاقات المصالحة وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية تقديرا واحتراما لدماء الشهداء من قادة ومناضلين وابراز قضية الأسرى التي يجب أن لا تكون موضوع خلاف أو صراع على الإطلاق ، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال والكفاح الوطني .

ولذلك نقول للعالم اجمع ان المقاومة حق مشروع للشعوب التي تحتل اراضيها كما نصت عليها مواثيق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان ، وتنبثق شرعية المقاومة من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير، وهو حق من الحقوق غير القابلة للتصرف، ولا يجوز لأي دولة محتلة واستعمارية وعنصرية أن تتوسل بأي ذريعة لمنع الشعب الفلسطيني من ممارسته على أرض وطنه، ويعطي هذا الحق الشرعية للمقاومة المسلحة كأداة للوصول إلى حق تقرير المصير إزاء هذا كله لم يبق أمام الشعب الفلسطيني والأمة العربية إلا المقاومة والانتفاضة لمواجهة العدوانية

الصهيونية ومساعيها لإقامة «إسرائيل العظمى» من النيل إلى الفرات والهيمنة على الاقتصادات والثروات العربية.

ان المقاومة عمل مشروع يتماشى مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية الأخرى، ومع تجارب الشعوب الأوروبية في محاربة الاحتلال النازي ومع ما هو متعارف عليه عالمياً بخصوص الاستعمار والاستعمار الاستيطاني ومقاومة الاحتلال الأجنبي والعنصرية والتمييز العنصري، فكل شعب من شعوب الأرض سواء أكان صغيراً أم كبيراً له كامل الحق في الحرية والاستقلال والسيادة وحق تقرير المصير، وهذه الحقوق مبادئ دولية معترف بها في جميع أنحاء العالم ولدى شعوب العالم كافة، والشعب العربي الفلسطيني أسوة ببقية شعوب العالم له الحق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني وعودته إلى الى دياره التي شرد منها تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية.

من هذا الموقع وبعد تجاهل العرب في قمة ترامب قضية الاسرى نقول ان الحركة الاسيرة المناضلة التي تدخل اسبوعها الاول من الشهر الثاني بإضرابها متسلحة بإرادة عظيمة ومصممة على تحقيق أهدافها ومطالبها الإنسانية العادلة بكل ثبات ،ولا بد من اتخاذ خطوات ترتقي إلى مستوى نضال الاسيرات والاسرى البواسل الذين يعكسون حالة صمود وعزة ولا يملكون من أدوات الفعل إلا إرادتهم وأمعائهم الخاوية في مواجهة آلة البطش والقهر الصهيوني فهم من يعطونا الامل في استمرار مسيرة نضالنا من اجل حريتنا .

ختاما : لا بد من القول ، امام الضغوط ومخاطر الهجمة الإمبريالية الشرسة على المنطقة والقضية الفلسطينية ، نرى بان الاحتمالات الواردة، حول حصول عدوان صهيوني على لبنان وغزة مع استمرار تصاعد العدوان والاستيطان في الضفة في محاولة للقضاء على المقاومة، لذلك لا بد من الاستعداد لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة تركّز الصراع على جميع المستويات، وهذا يستدعي وحدة الصف الفلسطيني ، ورفض الابتزاز الامريكي والضغوط من اجل العودة الى مسار مفاوضات جربت على مدار اربعة وعشرون عاما دون نتيجة ، فلنكن على قدر من التمسك بحقوق شعبنا حتى نيل الحرية والعودة والاستقلال .

بقلم/ عباس الجمعة