يأتي شهر رمضان الكريم للعام الحادي عشر على التوالي في ظل أسوء أوضاع إقتصادية و معيشية تمر بقطاع غزة منذ عقود , وذلك في ظل استمرار و تشديد الحصار المفروض على قطاع غزة و إستمرار الانقسام الفلسطيني و عدم الوفاق وتفاقم أوضاع وأزمات المواطنين , حيث أن استمرار وتشديد الحصار الظالم ومنع دخول كافة احتياجات قطاع غزة من السلع و البضائع المختلفة وأهمها مواد البناء و التى تعتبر العصب و المحرك الرئيسي للعجلة الاقتصادية في قطاع غزة والتى أدى منع إدخلها إلا وفق الألية الدولية إلى تعثر عملية إعادة الإعمار , وبحسب تقرير صدر حديثا قدّر عدد الذين ما زالوا نازحين وبدون مأوى جراء الحرب الإسرائيلية في صيف 2014 على قطاع غزة، بحوالى أكثر من 6،700 أسرة (حوالي 35،000 فرد مشرد) , وتوجد فجوة عاجلة في المساعدة والحاجه لدعم مالي نقدي لنحو 6،000 أسرة نازحة تقريبا.
ومن المتعارف عليه بأن معدلات الاستهلاك ترتفع من قبل المواطنين في شهر رمضان الكريم ، مما يشكل عبئا اقتصاديا إضافيا على كاهل المواطنين محدودي و معدومي الدخل , حيث تزداد احتياجات المواطنين وتتضاعف المصاريف في هذا الشهر الكريم من خلال الموائد الرمضانية المختلفة، والتزاماتهم من النواحي الإجتماعية و العائلية في ظل تفاقم أزمة البطالة و الفقر حيث ارتفعت معدلات البطالة بشكل جنوني و بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني ووفقا لمعايير منظمة العمل الدولية فإن نسبة البطالة في قطاع غزة قد بلغت 41% وبلغ عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 200 الف شخص في قطاع غزة خلال الربع الأول من عام 2017 , وتعتبر معدلات البطالة في قطاع غزة الأعلى عالميا.
وأصبح ما يزيد عن مليون شخص في قطاع غزة دون دخل يومي وهذا يشكل 60% من إجمالى السكان , وهم يتلقون مساعدات إغاثية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وجهات إغاثية محلية وعربية ودولية , بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65% , كما إرتفعت معدلات إنعدام الأمن الغذائي في قطاع.
وجاء القرار المفاجئ بخصم حوالي 30% من رواتب موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية في المحافظات الجنوبية ليشكل ضربة قاصمة للأوضاع الإقتصادية و المعيشية , وأدى القرار إلى تداعيات خطيرة وكارثية على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة , حيث أن الجزء الأكبر من الموظفين مديونون للبنوك ومجمل ما يتقاضوه شهريا لا يتجاوز 40% من إجمالي الراتب في أحسن الأحوال وبعد خصم قيمة 30% من الراتب لن يتبقى لهم شئ ليعتاشوا منه ويسددوا إلتزاماتهم وديونهم بدأ من البقالة حتى إيجار المسكن , بالإضافة إلى عدم إلتزامهم في سداد فواتير الخدمات الخاصة بالكهرباء والمياه والإتصالات والإنترنت, وتسبب القرار في خلل كبير في حركة دوران السيولة النقدية ونقصها من الأسواق وفاقم الأوضاع الإقتصادية والمعيشية , وتعتبر قيمة الخصم هي القوة الشرائية التي تم إعدامها.
ويأتي شهر رمضان و الأسواق تشهد حالة من الكساد و الركود الإقتصادي في كافة الانشطة الاقتصادية وأهمها القطاع التجاري الذي يعاني من ضعف في المبيعات نتيجة لضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين , وأصبحت الاسواق التجارية خالية ومهجورة من الزبائن.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه سيكبد التجار و المستوردين ورجال الاعمال خسائر فادحة في الفترة القادمة , خصوصا من يتعاملوا بالبضائع الموسمية الخاصة بشهر رمضان والأعياد, ولن يستطيعوا تغطية مصاريفهم الجارية الثابتة نتيجة الانخفاض الحاد في مبيعاتهم اليومية , وتزداد الأمور تعقيدا مع أزمة الكهرباء الطاحنة الخانقة التي تضرب قطاع غزة .
إن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عشر سنوات أدي إلى دمار البنية الإقتصادية و الإجتماعية والصحية والبيئية , وأصبح مليونا شخص يعيشون في أكبر سجن بالعالم.
وفي النهاية فإن كافة المؤشرات السابقة تؤكد بأن قطاع غزة حاليا ليس على حافة الإنهيار بل يدخل مرحلة ما بعد الموت السريري , حيث أن قطاع غزة اصبح نموذج لأكبر سجن بالعالم , بلا إعمار, بلا معابر, بلا ماء , بلا كهرباء , بلا عمل , بلا دواء , بلا حياة , بلا تنمية , ويجب أن يعلم الجميع بأن الخناق يضيق بقطاع غزة و الإنفجار قادم لا محال , و أصبح المطلوب من المؤسسات و المنظمات الدولية الضغط الفعلى على إسرائيل لإنهاء حصارها لقطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة إحتياجات قطاع غزة من السلع و البضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود أوشروط.
بقلم/ د. ماهر الطباع