أمة النفخ والجلد والتيه

بقلم: عدنان الصباح

باختصار شديد نحن امة منقسمة على ذاتها فالساسة وقادة الرأي ان صح التعبير يقفون متنازعين على رصيفين متناقضين بين نافخ للذات بلا تفكير ولا توقف ولا اعمال فكر او فحص للقول او للموضوع ولا حتى للنصوص نفسها ان كانت جائزة او مناسبة او لا وبين جالد للذات ناقم لا يدري اين يتجه فيطلق لسانه او قلمه شاتما لاعنا جالدا وهو يمارس نفس دور نقيضه فلا يفحص ولا يعمل الفكر لا في النص او القول او الموضوع وبين هذا وذاك يبقى الشارع مرتعا للطرفين البعيدين ويبقى عامة الناس في ضوضاء لا نهاية لها وهم لذلك لا يجدون بديلا عن تلقف اي موقف له صورة الوضوح او القدرة على الفعل ايا كان ذاك الموقف وبغض النظر عن تجلياته او خلفياته او دوافعه او ابعاده او النتائج المتوقعة منه.
شبابنا اليوم لا يجدون من يمنعهم مثلا عن التفكير بالهجرة للغرب الملعون هربا من الجالد والنافخ معا لان الحقيقة الدامغة التي يراها المتلقي في الشارع العربي هي عكس ما يصرخ به شقي معادلة المواطن العربي العاقر فهو لا يرى شيئا من نفخ النافخ على ارض الواقع وهو قطعا ليس يعنيه ابدا ما تحوي كتب التاريخ ولا قصائد فطاحل الشعراء ولا جزالة اللغة العربية فالعرب في واقع الحال الامة الأكثر تخلفا ونكوصا وتبعية, كما انه لا يرى في سوط الجالد للذات ولا في صوته معنى حقيقي غير الشتائم التي لا تغني ولا تسمن من جوع والجالد ابدا لا يقدم لأحد طوق نجاة ولا حتى قشة صغيرة يتعلق بها يمكن تسميتها بالأمل الواقعي او الحي وهو كذا لا يملك حتى زراعة الحلم الممكن في اذهان شبابنا وشاباتنا ولذا يجد الشاب العربي نفسه مجبرا على قبول وتلقي الشكل الواضح المعاش لحياة الغربي فيلجأ اليها كحقيقة قرفا من صراخ ما لديه بلا معنى ولا مضمون او ان يجد نفسه فريسة لتطرف يخرجه من حالة انعدام الفعل او عدم القدرة على السير الى الامام معتقدا ان في التطرف فرصة سريعة لتحقيق التغيير المطلوب لحياته ومستقبله كشخص وكأمة ووطن.
شبابنا اذن اما مهاجر مكانا عبر الحدود حالما بالانتماء للنجاح معتقدا ان النجاح يمكن ان يكون له وطنا بدل تراب الفشل المتواصل فيجد نفسه في امريكا او كندا او البرازيل او دول اوروبا وهو بذلك يهرب من امة الضاد والعروبة والإسلام وأمة " وكنتم خير امة اخرجت للناس " وأمة امجاد يا عرب امجاد وكل هذه النغمات التي باتت بلا مضمون حقيقي في حياتنا الى عالم آخر منتصر حضاري ناجح لا يعنيه ما كتبته قصائد الشعراء عن امجاد الاجداد ولا يلتفت لها اصلا وهو يقرأ كتب العلم والإدارة والإبداع اكثر من كتب التاريخ والسياسة المتروكة للمعنيين وهو يفتح ابواب التفكير على مصراعيها لكل من يريد دون ضوابط او حواجز او قيود وهو يعطي للطاقات الشابة كل القدرات والإمكانيات للنجاح ويشجع المبدع بغض النظر عن اسمه او لونه او جنسه او دينه بينما لا يزال العربي في بلاده يسافر يوم الانتخابات المحلية من بلد الى بلد ليصوت لعشيرته ولا زالت الاحزاب تبحث بين اعضائها او جمهورها عن ابناء العشائر الكبيرة لترشيحهم باسم الحزب للانتخابات وتعشعش العقلية القبلية في اذهان الجميع وهو اي الشاب العربي ان لم يجد في الهجرة المكانية فرصة يلجأ للهجرة الزمانية فينطوي بعيدا ويخرج بإرادته من واقعه لا يعنيه من امر حال امته شيئا رافضا للقائم منتظرا ما سيأتي دون ادنى استعداد لتحريك قدمه خطوة واحدة الى الامام على طريق الفعل فينسلخ كليا عن مادية المكان الذي يعيش به لينتمي زمنا الى مكان اخر يحلم به ولا يستطيع الوصول اليه وقد تكون الهجرة المكانية حلم كل شاب عربي ان لم تكن حلم كل عربي على الاطلاق إلا اولئك الممتهنين تدمير حالنا وغدنا لصالح فتاتهم على موائد الامبرياليين وجشعهم.
ينبغي للعرب ان ارادوا الانطلاق من قيودهم ان يكسروا كل منفاخ اخرق ويقصوا كل لسان غبي ( والكسر والقص هنا هي كلمات مجازية حتى لا يفهم منها قتل احد او اخراس احد ) ويتركوا الابواب مشرعة للآن المكان والآن الزمان تصحو بلا ضوابط ولا قيود على الفكر والإبداع بحيث نملك القدرة على قراءة الواقع بلا وجل او خجل او خوف لصياغة فكر حي حقيقي قادر على الانتقال الى دائرة الفعل بتحويله الفكر كقاريء واعي للفعل الى ادوات متحولة من كليشيهات القول الى مماسك لأدوات الفعل على الارض بما يكفل متابعة نقدية جريئة لكل خطوة قابلين للآخر ايا كان منفتحين على حضارات البشر غير مغلقين بدون نرجسية كاذبة ولا رضا اخرق عن الذات وبدون غباء رافض بلا معنى عاجز عن الفعل فالأمة التي لا تملك فعلها ولا تقراه ولا تفتح ابوابها للريح ولا تعتبر نفسها جزء من البشرية ومالكة لحضاراتها كما الآخرين ستموت حتما من العفن والكسل والانجماد حيث هي.

بقلم
عدنان الصباح