لست متفائلاً أن هذه الصرخة، وهذا النداء سيصل إلى من صمت آذانهم وأغلقت عيونهم من العرب والمسلمين، عما تتعرض له القدس، من عمليات ذبح للبشر والحجر والشجر، ولا أجافي الحقيقة بأن العرب والمسلمين جزء من المؤامرة والتواطؤ على القدس وأقصاها ومقدساتها.
فالقدس بعد القمم الثلاثة في الرياض والتي اصطف فيها زعماء العرب والمسلمين خلف الرئيس الأمريكي ترامب، ودفعوا له مئات المليارات من الدولارات سموها ما شئتهم خاوة أو جزية، لم تفلح تلك المليارات في جعله يتفهم موقفهم، أو جعل وجهه “المكلح” يعرق، أو يستيجب حتى لتوسلاتهم بالضغط على اسرائيل، بأن تقبل مبادرتهم العربية للسلام، فقط بتجميد الإستيطان وليس بتحقيق حل الدولتين مقابل شرعنة وعلنية التطبيع العربي والإسلامي معها،واعتبارها دولة “شقيقة”.
فترامب بعد زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة ولدولة الإحتلال، عبر عن إنحيازه لدولة الإحتلال بشكل مطلق، ولم ياتي على ذكر الإستيطان أو إنهاء الإحتلال أو حل الدولتين، بل وإمعاناً في إذلال العرب والمسلمين، قال بشكل واضح بأن هناك ارتباط تاريخي عميق بين القدس ودولة الاحتلال، وقام بزيارة حائط البراق، كتأكيد على حق اسرائيل فيه، وهو جزء أصيل من المسجد الأقصى.
هذه التصريحات وهذا الضوء الأخضر الأمريكي، والإنهيار العربي -الإسلامي، شجع نتنياهو وحكومته لإعلان حرباً شاملة على مدينة القدس بدأت بإعلان نتنياهو بالقول بان المسجد الأقصى وحائط البراق ستبقى بيد “اسرائيل” في أي تسوية قادمة، ومن ثم جاء عقد اجتماع حكومة الاحتلال الأسبوعي على مقربة من المسجد الأقصى، ليس تحدياً سافراً وفظاً فقط للقوانين وقرارات الشرعية الدولية ،بل لكي يبعث برسائل الى العرب والمسلمين، في الوقت الذي تعززون فيه علاقاتكم معنا،نحن نقول لكم لن نتخلى عن ثوابتنا واستراتيجياتنا، فالقدس والأقصى لنا.
وكذلك أيضاً في هذا الإجتماع أقرت الحكومة الصهيونية خطة تهويدية ضخمة للقدس والبلدة القديمة بـ 50 مليون شيكل، تحت مسمى خطط تطويرية، هذه الخطة تشمل حفر أنفاق أسفل المدينة وحائط البراق وإقامة مصاعد كهربائية وتلفريك معلق بغرض جذب السياح واليهود إلى منطقة حائط البراق، وبما يهدد بتدمير الكثير من الآثار العربية والإسلامية، نتيجة تلك الحفريات،وتهويد المكان والفضاء العربي، وإقصاء المشهد العروبي للمدينة، وطمس معالمها الحضارية والتاريخية والروحية والدينية العربية – الإسلامية.
وعلى نفس الجبهة كان وزير الداخلية الصهيوني درعي يجدد قانون منع لم الشمل للعائلات المقدسية المعمول به منذ عام 2003 تحت حجج وذرائع أمنية، في سياسة تطهير عرقي مستهدفة سكان المدينة العرب بالتقليص وتغيير الواقع الديمغرافي فيها لمصلحة المستوطنين.
ولم يكتفي الإحتلال بمثل هذه القوانين والمخططات التهويدية، بل كان المتطرف بينت وزير التعليم الصهيوني وما يسمى بوزير شؤون القدس “زئيف الكين” يضعان خطط خماسية من أجل السيطرة على العملية التعليمية في القدس بالكامل، وبما يضمن الشطب والإلغاء الكلي للمنهاج الفلسطيني في القدس، عبر مقايضة المنهاج بالميزانيات، بحيث تتلقى المدارس التي تعلم المنهاج الإسرائيلي ميزانيات اضافية، مثل تمويل ساعات دراسية اضافية وتوسيع مناهج التعليم في المدارس وتحسين البنية التحتية في المؤسسات التعليمية.
هذه الخطة المستهدفة توسيع تعليم المنهاج الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية، تستهدف ليس فقط “كي” و”تقزيم” الوعي الفلسطيني،بل صهره وتطويعه، فهي تشتمل على بدء تطبيق المنهاج التعليمي الإسرائيلي في 100 صف من الصفوف الأولى مع زيادة أعداد الطلبة الحاصلين على شهادة “البجروت” الإسرائيلية المعادلة لشهادة الدراسة الثانوية العامة الفلسطينية، ورفع نسبة الطلبة المقدسيين الحاصلين على هذه الشهادة من (12%) الى (26%)، وكذلك الحديث عن تخفيض نسبة التسرب في المدارس الثانوية من (28%) الى (25.5 %)، ليس دقيقاً بالمطلق، فنسبة التسرب في المدارس الثانوية الحكومية في القدس وتحديداً في التوجيهي تصل الى (50%)، ووزير التربية والتعليم المتطرف بينت، يدرك تماماً بأن وزارته، هي المسؤولة عن مثل هذا التسرب، حيث النقص في الغرف الصفية في مدارس القدس الحكومية، وبإحصائيات الإسرائيلية يصل الى (2447) غرفة صفية،تزداد كل عام.
ما يجري في هذا الجانب، جانب جبهة الوعي والثقافة، هو عدوان سافر على الهوية والذاكرة والوعي والثقافة والكينونة والإنتماء والوجود الوطني الفلسطيني،فالقدس مدينة محتلة، ومن حق سكانها استخدام لغتهم القومية وثقافتهم الخاصة في العملية التعليمية، ولكن هذا الوزير المتطرف المغرق في الفكر التلمودي التوراتي، صاحب نظرية وشعار القدس تهود بالأفعال لا بالأقوال، يعتبر بأن أسرلة الوعي الفلسطيني، هي أهم من تهويد أرضها، ولذلك وضع نصب عينيه شطب والغاء المنهاج الفلسطيني بالكامل في مدينة القدس.
لم تعد المسألة تطبيق منهاج فلسطيني مشوه أو محرف، وشطب كلمة وعبارة أو فقرة هنا وهناك من الكتب التعليمية الفلسطينية التي تؤكد على الهوية الوطنية والكينونة الفلسطينية. أو المتعلقة بالشهداء والأسرى وحق العودة وعروبة وفلسطينية القدس، أو إستبدال امتحان الثانوية العامة الفلسطيني بـ “البجروت” الإسرائيلي، بل واضح أن العملية تأتي كمقدمة لإلغاء المنهاج الفلسطيني في القدس بشكل كامل، وعلى نحو أكثر خطورة من ما جرى بعد الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967، حيث سيطر الاحتلال على المدارس الحكومية فقط وطبق المنهاج الإسرائيلي عليها، واضطر تحت صمود وتوحد الحالة المقدسية بكل مكوناتها للتراجع عن ذلك.
الحرب على المدينة المقدسة وأهلها شاملة ومستمرة ومتواصلة، بكل الأشكال وتطال المقدسيين في أدق الهموم وتفاصيل الحياة اليومية لهم، فالمحتل يرى في المدينة عاصمة لدولته، وأبعد من ذلك عاصمة لكل يهود العالم، ونحن كفلسطينيين منشغلين في جدل سفسطائي بيزنطي عن جنس الملائكة، هل هي ذكر أم انثى؟؟ وعربان ومسلمي ترامب يقولون لنا، إذهبوا أنتم وربكم وقاتلوا، ففلوسنا وأموالنا، هي من أجل رفاهية أمريكا، والتي رفاهيتها من رفاهية اسرائيل، ونحن لا نملك لإرادتنا ولا السيطرة على أموالنا، ولا نستطيع ان نرسل لكم مليماً واحداً بدون إذن امريكا وموافقتها، لكم الله.. لكم الله.
بقلم/ راسم عبيدات