على العهد الذي عاهدوا شعبهم عليه، منذ ان اختط كل واحد منهم اول خطوة له على طريق الكفاح بكل اشكاله المتاحة، كان اسرانا الابطال عند وعدهم، فرسان حق وصبر وارادة من فولاذ، عندما خاضوا اطول واشمل اضراب عن الطعام في تاريخ الحركة الاسيرة، وسط اسوأ ظرف تمر به حركة التحرر الفلسطينية، وفي خضم تطورات ذاتية وموضوعية كانت تصرف الانظار عن هذه الملحمة النضالية، فحققوا بثباتهم وايمانهم وعدالة مطالبهم الانسانية، مكسباً وطنياً مهماً، سوف يضاف الى رصيد النضال الفلسطيني المتواصل على طريق الاستقلال والحرية.
لقد كانت ثقة الشعب الفلسطيني بأبنائه هؤلاء، ومنذ اللحظة الاولى لإعلان الاضراب المفتوح عن الطعام، ثقة لا تتزعزع، وهم من خيرة الخيرة، من القابضين على جمر هذه المرحلة العصيبة، كيف لا وفيهم القادة الكبار أمثال مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وغيرهم بل وكلهم من ارباب السيف والقلم والموقف، كيف لا وهم اصحاب الروح الثورية المتوقدة، والمضاء الذي لا يضاهى، هؤلاء الذين كانوا القدوة، وضربوا المثال في الصمود والمقاومة والبسالة الشخصية، خارج المعتقلات وداخلها، وسطروا صفحات مشرقة في سجل الكفاح الفلسطيني المشرف لكل محارب من اجل الحرية، الامر الذي كان يمدنا بالثقة على مدى الاربعين يوماً العظيمة، ويدفعنا الى التفاؤل بحتمية الانتصار في معركة الامعاء الخاوية.
لقد كتب فرسان معركة الماء والملح الاسطورية هذه، صفحة اخرى مشرفة في كتاب الثورة الفلسطينية، وصنعوا بهذا الصبر الذي لا صبر مثله مفخرة كبرى، سوف تحفظها الاجيال المقبلة عن ظهر قلب، وتتغنى بها الامهات، ويستمد منها الادباء والفنانون اجمل الصور الوطنية، فضلاً عما ستطلقه في اوساط هذا الشعب من عنفوان واعتزاز وثقة بالنفس، احسب انها ستشكل طاقة لا تنضب في معركة الارادات المتقابلة بين الحق والباطل، بين الاحتلال والحرية، وربما ستفتتح زمناً جديداً، بين ما قبل الاضراب وبعده، تماماً على نحو ما تجلى عليه التاريخ الوطني الفلسطيني بعد اضراب عام 1936.
وهكذا، ومن بين اسنان الذئاب الكاسرة، من عتمة جوف الليل الفلسطيني الطويل، انتزع ابطالنا في السجون والمعتقلات الاسرائيلية، نصراً عزيزاً سوف نفاخر به الدنيا، وحققوا بقوة الارادة وحدها، وبتضامن ابناء شعبهم مع هذا الموقف البطولي النادر حقاً، اضافة نوعية قل نظيرها في تاريخ حركات التحرر العالمية، من المقدر لها ان تؤسس لطور جديد في مقارباتنا لمتطلبات معركة الخلاص من الاحتلال البغيض، بما في ذلك الثبات على المبدأ، وامكانية النصر في نهاية المطاف، والايمان بالقدرة الذاتية على خوض اشرس المواجهات المقبلة بقلب من حديد، وتحقيق سائر الاهداف الوطنية المشروعة دون نقصان، بما في ذلك هدف تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وبالفعل، فقد ضرب لنا الاسرى الاشداء في هذه المعركة غير المتكافئة بكل المعايير، مثالاً ساطعاً في كيفية خوض غمار المواجهة الناجحة، وتحقيق افضل مستويات الاداء النضالي، سواء عبر توحد الحركة الاسيرة خلف قيادتها المجربة والموثوقة، او من خلال التمسك بالأهداف المتفق عليها سلفاً داخل السجون، اي ما يعادل التمسك بالثوابت الوطنية خارج المعتقلات، وهو ما ينبغي معه ان نعمل على هديه، وان نحذو حذوه دون ابطاء، على انهاء الانقسام الكريه، واعادة توحيد الصفوف الفلسطينية، على قاعدة برنامج الاجماع الوطني المتوافق عليه في الاطر والمؤسسات الشرعية.
على مثل هذه الخلفية، فإننا ونحن نرفع رؤوسنا بكل فخر واعتزاز بهذه الملحمة التي سجلها نحو 1500 فارس نبيل، بحروف من نار ونور، فإننا ندعو الى العمل بكل وسيلة ممكنة لإبقاء قضية الاسرى والمعتقلين حية، ليس في الضمائر فقط، وهي كذلك بالفعل، وانما على رأس جدول اعمالنا الوطني، وضمن برنامج اتصالاتنا اليومية، وذلك بطرحها في كل لقاء دبلوماسي، وفي كل تحرك سياسي، وفي كل مناسبة وكل مناسبة وطنية ممكنة، باعتبارها قضية ملحة بالنسبة لنا، بل وشديدة الاحاح لجماهير شعبنا، على القيادة الفلسطينية وضعها في مقدمة الاهتمامات الوطنية، وجعلها شرطاً مسبقاً لا يمكن بمعزل عنها الوصول الى اي سلام او تسوية سياسية.
في ختام هذه المداخلة العاجلة، نقول بملء حناجرنا؛ المجد لأسرانا الابطال، وتحية لهم من عمق اعماق وجدان هذا الشعب الصابر المرابط في بيت المقدس واكناف بيت المقدس، واننا على العهد الذي تعاهدنا عليه في أول الانطلاقة وأول الرصاص أول الحجارة، ان نضع قضية حريتكم – ايها الأبطال - في المقام الاول على الاجندة الوطنية، وان نعمل على إثارتها في كل لقاء مع كل جهة دولية تبحث معنا اي قضية من قضايا الحاضر والمستقبل الفلسطيني، بدرجة لا تقل ابداً ولا تدنو مرتبة عن اي من القضايا المتصلة بمرحلة الحل النهائي ، بما في ذلك قضية القدس والاستيطان والحدود، وغيرها من الموضوعات التي تشغل لب اهتماماتنا جميعاً.
الحرية لكم، والمجد لكم، أيها الأبطال
احمد قريع (ابو علاء)