من سوريا لغزة.. المسحراتي الدباس حاضر في رمضان

لم يتوقف اللاجئ الفلسطيني المسحراتي، نزار الدباس "43عامًا"، على مدار نحو عقد ونصف من الزمن، من ممارسة هوايته السنوية، في إيقاظ الناس للسحور، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بسوريا.

ورغم عودته برفقة عدد من أفراد أسرته، لقطاع غزة، نهاية تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه لم يتخلى عن تلك المهنة، التي يجد سعادته فيها، خلال شهر رمضان المبارك. 

ويحضر "الدباس" بصوته المعهود، ولهجته السورية، بين الناس، في حي قيزان النجار، جنوبي غربي محافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ليُضفي أجواءً مميزة للشهر الكريم بمهنته، التي تجد استحسانًا وقبولاً كبيرًا من قبل الناس.

ويفتقد الناس المسحراتي "الدباس" حال تغيبه لو ليوم واحد، كما يقول "لمراسل وكالة قدس نت للأنباء"؛ مُشيرًا إلى أن الناس قبل بدء شهر رمضان، كانت تسأله عما ما إذا كان سيقوم بإيقاظهم على السحور أم لا.

كلمات تراثية يُرددها

ويحافظ على الكلمات التي تعلمها في مخيم اليرموك بسوريا، من صديقه "سليمان" الذي كان يتولى منطقة، وهو منطقة أخرى في المخيم، ويُرددها في كُل ليلة، ما يجعله متميزًا عن غيره من المسحراتيّة، وينال إعجاب الناس في الحي الريفي الذي يقطن به.

ويخرج في كل ليلة من منزله الصغير، المبني من الصفيح، يرتدي جلابية وعباءة تراثية وحطه تشابه التي يرتديها السوريين والرئيس الراحل أبو عمار، ويُمسك بيده طبلة صغيرة، وعصى يضرب بها، ويتنقل بين الشوارع الترابية واحد تلو الأخر، دون كلل أو ملل.

ويردد المسحراتي "الدباس" هذه الجُمل "إصحى يا نايم وحد الدايم، سبح بحمد الله، العمر مو دايم، على البرغوت معاني، نط وعشعش بأذاني، عفرت جاب ولاد أخته، ولاد أخته للشجاعني، اثنين بطبلوا بلطباق، اثنين بزمروا بالمزمار، رقصوني الشيالة، استغفر الله ما بكذب، كل عام وأنتم بخير..".

"سبحانك سبحانك، ربي ما أعظم شانك، من فضلك وإحسانك، نجينا من نارك، اصحوا يا عباد الله، إصحى يا نايم، يا نايم مالك دايم، قوموا على سحوركم، أجى رمضان يزوركم؛ يا نايم وحد الدايم، يا نايم وحد الله، أفلح من وحد الله، صلي على رسول الله، وحدوه يا عباد الله، اصحى يا نايم، قوموا على سحوركم، قوموا صلوا على النبي، كل عام وأنتم بخير..".

"اصحوا يا عباد الله، إصحى يا أبو محمد، إصحى يا أبو غالب، إصحى يا أبو نمر، قوموا على سحوركم، إجى رمضان يزوركم، وحدوه يا عباد الله، يا نايم بلا غلبة، متمدد مثل الخشبة، النوم كثيرٌ لا يفنع، اصحوا يا عباد الله، اصحى يا نايم؛ ليلة القدر خير من ألف شهر، رمضان كريم، شهرٌ فضيل، اصحوا يا عباد الله، يا نايم وحد الدايم، يا نايم وحد الله، افلح من وحد الله، صل على رسول الله.."  

تراث يتجدد

مراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، تجول مع المسحراتي "الدباس" المتزوج من فلسطينية، وأنجب ثمانية أطفال، في إحدى ليالي رمضان، ورصد معه طبيعة عمله، ومدى حُب الناس له، واستجابتهم وتعاطيهم معه..

ويقول : "ولدت في سوريا، وعشت مع أهلي أكثر من عقدين ونصف من الزمن، ولدي معرفة واسعة في عاداتهم ولهجتهم، حتى تعلمت المسحراتي من صديق في سوريا اسمه (سليمان)، وكنت أتولى إيقاظ الناس في منطقة (الجزيرة) في مخيم اليرموك، وهو منطقة (أم عامر)، على مدار حوالي خمسة عشر عامًا".

ويضيف الدباس "كانت الناس سعيدة بذلك في سوريا، ما جعلنا نستمر، حتى أن هذه المهنة أو الهواية السنوية توجد بكثرة في المدن والبلدات والأحياء السورية، ولهم طبلة خاصة ولباس، وكلمات يرددونها باستمرار؛ وفي نهاية شهر رمضان يتلقون الهدايا العينية والمالية من الناس، قبل العيد بيوم".

ويتابع "عندما أتيت لغزة، لم أمارس هواية المسحراتي على الفور، بل توقفت عدة أعوام، وبدأت من تلقاء نفسي اعيدها تدريجيًا، فوجدت قبول وإعجاب من الناس، الذين عبروا عن سعادتهم الكبيرة بذلك، حتى أنهم طلبوا الطرق على أبوابهم لإيقاظهم على صوتي".

وشد "الدباس" انتباهنا، من خلال ندائه بأعلى صوته على أهالي الحي كل شخص باسمه، ويتوقف عند نوافذ وأبواب بعض المنازل، حتى يستفيق سكان المنزل، فيغادرا لأخر، وهكذا من الساعة الثانية فجرًا حتى الثالثة، التي يعود بها لمنزله لتناول السحور.

وخلال تجواله يُقدم له الناس بعض الأطعمة والحلوى الرمضانية له، يعود بها لمنزله، كما أنه يتلقى العديد من الهدايا النقدية والعينية من الناس قبل وخلال العيد، كما كان يحدث معه سوريا.

بهجة وذكريات موجعة

ويلفت "الدباس" إلى أن المسحراتي هو "بهجة" رمضان، ولولا حُب الناس وطلبهم مني الاستمرار لما بقيت حتى الآن، فهي دون مقابل، لا ابتغى منها سوى الأجر من الله وسعادة الناس؛ مُشيرًا أنه لو تأخر يومًا تسأل عنه الناس، حتى أن كثير لا يستفيق إلا على صوته. 

ويستذكر "الدباس" بألم ووجع الأعوام الجميلة التي قضاها في سوريا، بعدما غادرها وترك بعض من أشقائه هناك حتى الآن، وأهالي الحي الذي يعيش فيه وجيرانه وأصدقائه، كأبو خالد الحلبي، وخالد الأبطح..؛ مؤكدًا أنه بكى عندما أتى لغزة وترك المخيم.

ويلفت إلى أنها كان ينام في منازل السوريين، وتربطهم علاقة قوية، مثل أشقائه تمامًا؛ ويتمنى العودة، وأن يعود المُخيم المُدمر حاليًا بفعل الصراع الدائر في سوريا، والذي قتل آلاف اللاجئين في المخيم، وهجر عشرات الآلاف منهم، ودمر كثير من المنازل.

وينوه "الدباس"، بالقول : "أعتقد لم يبقى مسحراتي يوقظ الناس حاليًا، بسبب الأوضاع والظروف الصعبة"؛ كما لم ينسى بعدما تنهد بألم الفنان السوري الشهير "حسن دكّاك"، الذي شارك في مسلسل باب الحارة، وأدى دور "أبو بشير"، حيث كان يوقظه من النوم في رمضان للسحور.. 

المصدر: خان يونس – تقرير | وكالة قدس نت للأنباء -