اليوم اكتب عن الفرق بين المناضل الملتزم بقضيته ، وبين المناضل الذي يفهم وسيلة النضال غاية ، اقول ذلك لأن ما تعلمناه من خلال تجربتنا ان القائد والمناضل يكون انسان في شعب، وانسان في امة وقائد سياسي في حركة تحرر وطني ما انفكت تكافح من أجل نيل شعبها حريته واستقلاله.
فنحن في شهر حزيران شهر النكسة والاجتياح ، شهر المفقودين ، شهر الشهداء ، ونحن نقف لنؤكد على ضرورة ان نخرج من الهزيمة والتراجع ، من خلال الوضوح في المواقف السياسية، كما علينا ان نتمسك بما قاله الرئيس الراحل عبد الناصر ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، فلهذا يجب ان نتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ككيان سياسي وممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وان تلعب المناضلين والقادة الثوريين الدور الوطني الوحدوي، من اجل وحدة الشعب وقواه باعتبارهم عماد الثورة والطريق الوحيد لاستعادة الحقوق ولتحقيق الأهداف.
من هنا اقول ان المناضل والقائد المسكون في هموم شعبه وحريته ووحدة أمته والمدافع الصلب عن مصالح الفقراء والمهمشين هو القائد الذي يستحق التقدير ، واذ قراءة في تجربة الثورة الفلسطينية تجد الكثير من القادة الذين شكلوا بايمانهم ومبادئهم الأخلاقية وقيادتهم لفصائلهم على المستوى السياسي والنضالي في ظل حركة تحرر وطني، ولشعب تحت الاحتلال، موقعا هاما ، في ظروف معقدة وعالم متغير، حيث كان يدرك الجميع ان السياسة مفيدة بالظروف الموضوعية والامكانات الواقعية، وأن تحقيق انجازات لشعبهم تتطلب موقفا سياسياً واضحاً، وجريئاً، فكانوا يدركون متطلبات كل مرحلة ومستعدون لاقتحام مصاعبها.
في ظل هذه الظروف، ارى ان المناضل والقائد يجب ان يتمتع بالجرأة الأدبية، على المستوى الفكري والسياسي ، انطلاقاً من الظروف الجديدة ، وان يبقى متمسكاً بالهوية الوطنية وبحقوق شعبه والتفرغ لمتطلبات الكفاح الوطني الفلسطيني.
وفي ظل هذه الاوضاع وكوني انتمي الى تنظيم ديمقراطي ثوري ربط بين الفكر الوطني والقومي والفكر الاشتراكي العلمي، فقد اكدت هذه التجربة الملموسة صوابية وموقع جبهة التحرير الفلسطينية في فلسطين وفي أكثر من بلد عربي وغير عربي، وشكلت هذه جرأة الفكرية والسياسية ، لقادة الجبهة العظام الشهداء طلعت وابو العباس وابو احمد حلب على قدرتهم مع رفاقهم في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للجبهة، فاعطوا دورا مميزاً في الديمقراطية، للكثيرين من القادة السياسين ، وخاصة عندما اختار الشهيد القائد ابو العباس ان يكون مقره في العراق بعد ان رفضت كافة الدول العربية استقباله بعد عملية اكيل لورو، فوقف ليؤكد على مواقفه السياسية ودفاعه عن حقوق أمته ، وعن حقوق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال والعودة وعن حقه ببناء دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
ونحن نعتقد اليوم اننا بحاجة الى كوفية الرئيس الرمز ياسر عرفات وموقف الشهيد القائد الامين العام ابو العباس والى نظرة حكيم الثورة جورج حبش والى بلورة رؤية اليسار من خلال سليمان النجاب والى قراءة الرفيق المناضل نايف حواتمة ، اتجاه المخاطر التي تتعرض لها الجماهير الفلسطينية والعربية وقوى الحرية والديمقراطية في العالم، التي تحملها الحركة الصهيونية المتحالفة مع قوى الاستعمار والهيمنه وبخاصة الادارات الأمريكية المتعاقبة، على حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية والاستقرار والسلم في المنطقة.
لذلك فأن القائد والمناضل الاستثنائى... يُعلى من قيمة شركاء العمل بصرف النظر عن مواقعهم ومراتبهم النضالية، وينقب عن أصحاب المواطنة الإيجابية والعطاء الوطنى والسجل الحافل بالإنجازات والشباب المتميز والطموح ليمنحهم الثقة والصلاحيات، ويراهن على ما لديهم من إمكانات كامنة وقدرات واعدة، ويُذلّل لهم سُبل العمل والابتكار ويدلّهم على منبع الأفكار، فهو لا انفصام بين حضوره الإعلامى وأفعاله وقراراته وأسلوبه القيادى لأنه يملك إنسانية الفكر وابتكارية الحلول والوفاء بالوعود والعهود، فالقائد الاستثنائى يشعل فتيل الحماس فى النفوس الراكدة عبر التقدير والتحفيز والتشجيع والاعتراف بإنجازات وطنية.
وامام كل ذلك نرى بانه على المناضل النزاهة والشفافية والموضوعية من خلال حمل رسالته الواضحة، وتفاعله التشاركى، بالحلول الخلاقة وسط غابات من حقول الألغام والتحديات، لهذا عندما اليوم نرى قادة استثنائين وفي مقدمتهم الدكتور واصل ابو يوسف الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية يجسد القول والممارسة وعلى جمع القول والعمل بكل جوانبه، من خلال موقعه الوطني واندماجه في الكفاح الثوري ، والعمل الدؤوب على تمتين الوحدة الوطنية بدون أي تهاون أو كلل، وتعزيز الوعي، والثقافة في عقول الأجيال الشابة ، نؤكد ان الارادة تظل مشدودة للعمل وعامرة بالأمل والتفاؤل... لمستقبل أكثر عدالة.. وإنسانية..
هذه المعرفة وهذا الادراك العلمي، دافعني لاكتب عن الواقع وضرورات تغيره، فنحن بحاجة الى مناضلين اشداء ، ونحن بحاجة الى النظر بما يعانيه المناضلين ، وبكل اسف نقول ان هناك مناضلين يستحقون من قياداتهم تسوية اوضاعهم في الرتبة والراتب ، حتى يتمكن هذا المناضل المتواضع من مواصلة مسيرة الكفاح الوطني ، من اجل تحقيق أهداف شعبه في الحرية والاستقلال والعودة وصون هويته الوطنية .
لهذا اقول رغم الضغوط والمغريات التي كانت تسلط على جبهة التحرير الفلسطينية ، من أكثر من طرف عربي او اقليمي او دولي، وبرغم تعقيدات الوضع الفلسطيني الداخلية والخارجية، الا انها بقيت محافظة لخط الشهداء ، وأسرى الحرية ،الوفاء للشعب، والوفاء لفقراء شعبنا وأمتنا في كل مكان، والوفاءً لأمتنا العربية ولاحرار العالم جميعاً، حاملة شعار تحرير الارض والانسان .
ختاما : رغم الواقع المرير ارى انه علينا المحافظة على البعد القومي للقضية الفلسطينية ورفض اي محاولات سلخها عن عمقها العربي، او محاولات تجيرها لحسابات التكتيك السياسي لهذا الطرف العربي او ذاك، كما لا بد من ان تاخذ القضية الفلسطينية بعدها الأممي مع حركات التحرر
والديمقراطية في العالم، وعلى إقامة أفضل علاقات التحالف مع الشعوب التي تناضل من اجل استقلالها وحريتها وديمقراطيتها في مجابهة محاولات الهيمنه الاستعمارية بعامة والأمريكية بخاصة.
بقلم/ عباس الجمعة