ثمة شيء ما يقول لي بان تاجيل نقل امريكا لسفارتها من تل ابيب للقدس ....لن يكون بدون ثمن،،ثمن عربي فلسطيني كبير سيدفع لقاء ذلك، فهذا الكابوي الأمريكي تاجر مُر وشرس وجشع في نفس الوقت قادم من قلب الكارتيل الريعي الإحتكاري... ولعل ربط تاجيل نقل السفارة الأمريكية بما حدث من قمم ثلاث في السعودية ولقاء الحمد الله - كحلون في رام الله... يجعلني احلل بان العنوان الرئيسي لتلك الصفقة هو السلام الإقتصادي، مشروع نتنياهو للحل...ومن هنا كان لقاء الحمد الله- كحلون في رام الله والحديث عن توسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية في مناطق (ج) والتي تشكل (60%) من مساحة الضفة الغربية،فالأوروبين وامريكا مارسوا ضغوطا على اسرائيل للحد من عمليات الهدم في منطقة (ج) واعطاء السلطة تصاريح بناء فيها.....ولعل الجميع يتذكر انه في قمة الإصطفاف العربي الإسلامي خلف امريكيا في ال 20 من الشهر الماضي، أبدى العرب والمسلمين استعدادتهم لخطوات تطبيعية مباشرة وفورية علنية مع اسرائيل تشمل خطوط اتصالات مباشرة، وطيران مباشر، وإلغاء القيود على دخول الإسرائيليين بما فيهم رجال الأعمال الى الدول العربية...وقد دشنت تلك المواقف الى ترجمات عملية برحلة مباشرة لطائرة الرئيس الأمريكي ترامب من الرياض الى تل ابيب.. والعرب والمسلمين لم يطلبوا تطبيق ما يسمى بمبادرة السلام العربية التي جرى ويجري ترحيلها من قمة عربية الى اخرى منذ اقرارها في قمة بيروت/2002،والهبوط بسقفها حتى تقبل بها اسرائيل، بل الثمن مقابل ذلك تجميد جزئي للإستيطان.
الجميع يدرك بان ترامب أثناء حملته الإنتخابية شن حملة شرسة على المشيخات الخليجية، وقال بأنه لا حماية بدون دفع، ودول الخليج عليها أن تدفع مقابل حمايتها، وليس فقط عليها ان تدفع الأموال،بل عليها ان تعمل على شرعنة وعلنية التطبيع مع دولة الإحتلال، وكذلك نقل علاقاتها السرية الى العلنية، كما قال نتنياهو زواج على رؤوس الأشهاد، بما يشمل التنسيق والتعاون والتحالف والمناورات المشتركة لمواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني في المنطقة، ففي قمم الرياض تحقق لترامب ما يريد دفعت السعودية (460) مليار دولار على شكل شراء أسلحة امريكية واستثمارات في البنى التحتية الأمريكية والشركات الإستثمارية الأمريكية، والسعودية ليست الوحيدة المطلوب منها الدفع، بل بقية المشيخات العربية عليها ان تدفع صاغرة.
أما على الصعيد الفلسطيني، فيبدو انه مقابل تاجيل نقل السفارة الأمريكية، والذي اعتبره الفلسطينيين، انه نتاج الدبلوماسية والضغوط السياسية الفلسطينية والعربية، التي بينت لترامب مخاطر عملية النقل على العملية السلمية والمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
ترامب اجل عملية النقل، ولكن العملية ليست مجانية، رغم أن هذه العملية، ليس لها بعد جوهري او استراتيجي في إطار تغير الموقف والسلوك والإستراتيجية الأمريكية، فالكونغرس الأمريكي في الذكرى الخمسين لضم القدس، سيشارك الكنيست الصهيوني إحتفالاتها في عملية الضم للمدينة، في إنحياز سافر لدولة الإحتلال،وتحدٍ وخروج على قرارات الشرعية الدولية، وإستهانة بكل العرب والمسلمين، فالفلسطينيون مطلوب منهم مقابل ذلك العودة الى المفاوضات بدون أية شروط مسبقة، بما فيها وقف أو تجميد الإستيطان، ووقف ما يسمى بالتحريض في المناهج، ودفع الرواتب للأسرى والشهداء، وكذلك عليهم محاربة "الإرهاب" والمقصود هنا حركات المقاومة ومن يقف خلفها من مرسلين وداعمين،وربما تكون الإعتراف بيهودية الدولة واحدة من هذه الإشتراطات.
عملية التاجيل هذه، قد يتبعها عقد مؤتمر ل"السلام" في واشنطن بمشاركة عربية، ضمن ما يسمى بالحل الإقليمي، وهنا سيتم ممارسة الضغوط على الجانب الفلسطيني للموافقة على مسار سياسي جديد، غير مسار حل الدولتين، فترامب لم يتحدث في لقاءاته مع القادة العرب والمسلمين وحتى مع الرئيس عباس عن حل الدولتين او الإستيطان او إنهاء الإحتلال، فهذه المفردات أصبحت من خلف ظهر ترامب ونتنياهو والعديد من الدول العربية والإسلامية، فالحل فقط سيكون عبر ما يسمى بالسلام الإقتصادي، مقايضة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بتحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال ، ولقاء رئيس الوزراء الفلسطيني الحمد الله مع وزير المالية الإسرائيلي في رام الله، يأتي في هذا السياق.
نتنياهو الذي عقد جلسة حكومته في الأنفاق القريبة من المسجد الأقصى، وقال بان النبي سليمان بنى الهيكل، وبان اليهود العائدين من سبي بابل الثاني قد اعادوا بناء هذا الهيكل، لكي يعود اليه اليهود بعد مدة طويلة من التشرد والضياع، وتتحقق تطلعاتهم بإقامة دولة لهم، يقول بشكل واضح بان القدس والأقصى سيبقيان في يد اسرائيل في ظل أي تسوية مستقبلية، وبان القدس ستبقى موحدة وعاصمة لدولة الإحتلال.
إن عملية تأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، تستهدف "إستحلاب" المزيد من المال العربي، وصفقات اضخم من السلاح والإستثمارات العربية في الإقتصاد والبنى التحية الأمريكية، والمزيد من التطبيع العربي مع اسرائيل، وإستيعابها كدولة جارة وصديقة في المنطقة، مع التركيز على ايران كمصدر خطر وتهديد للأمن القومي العربي، وامن المنطقة استقرارها، وكذلك المزيد من التنازلات الفلسطينية، حيث تدرك الإدارة الأمريكية بان الحالتين العربية والفلسطينية في أسوء مراحلهما، وهما تمكنان امريكا واسرائيل من فرض شروطهما بالكامل، في أي مؤتمر سلام قد يعقد في واشنطن، ولذلك اجواء التفاؤل الكبيرة التي يشعيها العرب والفلسطينين، بان الإدارة الأمريكية جادة في ايجاد حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبما يضمن اقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967، لا تستند الى حقائق على أرض الواقع، بل هي مجرد امنيات ورغبات وستر للعجز، وبيع اوهام وكلام معسول من الإدارة الأمريكية، ولذلك علينا ان نبقى في اعلى درجات الحذر والإنتباه، بأن خطوة تاجيل السفارة، سيستتبعها فرض حلول على شعبنا الفلسطيني، تتناقض مع مشروعه الوطني وحقوقه المشروعة.
بقلم/ راسم عبيدات