أقل ما يمكن أن يقال في تعيين ديبلوماسي إسرائيلي في منصب نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه مهزلة. ينطبق هذا الوصف على المنظمة الدولية، كما ينطبق على الدول الأوروبية، وبالتأكيد على إسرائيل في علاقتها الملتبسة مع الجهتين.
فهل يحق لدولة احتلال تنتهك ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني وتتحدى القوانين في شكل فاضح ومتعمد، أن تتبوأ منصباً قيادياً في المنظمة الدولية؟
هذا السؤال يجب أن يُطرح على مجموعة دول أوروبا الغربية في الجمعية العامة، فهذه المجموعة التي تنتمي اليها إسرائيل، هي التي اختارت السفير الإسرائيلي داني دانون لهذا المنصب. سبق لها أيضاً أن أنقذت إسرائيل من عزلة دامت ٥٠ عاماً عندما ضمتها اليها، بعد أن رفضت ذلك المجموعات الإقليمية المختلفة بسبب الطبيعة العدوانية والتوسعية للدولة العبرية وظروف نشأتها.
هل هو التواطؤ الأوروبي الدائم مع إسرائيل إذاً؟ أم هي الضغوط الأميركية؟ مهما يكن، فهذه هي أوروبا تخون نفسها وقيمها مجدداً لمصلحة دولة لا تقيم لها أي اعتبار أو وزن، ولم تلتزم يوماً أياً من قراراتها. فليس خافياً الخلاف الكبير بين الجانبين في قضية المستوطنات، والذي أسفر عن تصويت أوروبا مع قرار في مجلس الأمن ضد الاستيطان نهاية العام الماضي. وليس خافياً أيضاً الرفض الإسرائيلي المطلق لأي دور أوروبي في عملية السلام منذ تقويض اتفاقات أوسلو وانتهاء بمؤتمر باريس الدولي مطلع العام.
في هذا التعيين أيضاً، تتواطأ الجمعية العامة ضد ذاتها وقيمها وميثاقها، وتستخف بالمبادئ التي وضعتها. لكن أليس هذا ما فعلته، منذ البداية عندما قبلت انضمام إسرائيل اليها على رغم عدم انطباق شروط العضوية عليها؟ الشروط واضحة: أن تكون دولة، محبة للسلام، وقادرة وعازمة على تنفيذ الالتزامات التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة.
ولأن إسرائيل ليست كذلك، مُنحت عضوية مشروطة بأن تقبل من دون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد تطبيقها، ومن بينها قرارا التقسيم وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وحتى يومنا هذا، ما زال العالم ينتظر تتفيذ هذه الالتزامات.
صحيح أن تعيين إسرائيلي في منصب نائب رئيس الجمعية العامة ليس بالأمر غير المسبوق، فدانون هو ثالث إسرائيلي يعيّن في هذا المنصب بعد أبا إيبان عام 1952، والسفير دان غيلرمان عام 2005، إلا أن ذلك لا يقلل من فداحة الأمر، خصوصاً إذا جاء في زمن اليمين الإسرائيلي المتطرف، وساهم مرة أخرى في إخراج إسرائيل من عزلتها الدولية.
وعلى رغم أن دانون يُعد من "الصقور"، إلا أن تعيينه دليل على أمرين، أولاً مدى الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من أوروبا وأميركا، والأخيرة أخذت بمراجعة مشاركتها في مجلس حقوق الإنسان "لانحيازه للفلسطينيين". والأمر الثاني أن إسرائيل تكثف مساعيها لتولي مناصب رسمية داخل هيئات الأمم المتحدة في إطار حملة مضادة وعنيفة رصدت لها موازنة ضخمة لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، ومحاربة حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل (بي دي إس)، ومعها إنجازات الديبلوماسية الفلسطينية. والمحزن في هذا الأمر خفوت الصوت الفلسطيني الرسمي إلا من إدانات محدودة جداً، على رغم أن الحملة الإسرائيلية تهدد بتآكل ما تفتخر السلطة الوطنية بإنجازه خلال العام الماضي على صعيد التضامن والتأييد الدولي للقضية، وفي الصميم منه خيار التدويل.
فما زالت ماثلة الحملة التي خاضتها إسرائيل، مدعومة بـ "ممثلتها" في الأمم المتحدة، السفيرة الأميركية نيكي هايلي، ضد تعيين رئيس الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض مبعوثاً للمنظمة الدولية في ليبيا، ولاحقاً المفاوضات التي أجراها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني لتولي منصب نائبه، وهو أمر لم يعجب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، وانتهى الى لا شيء، حتى أُعلن قبل أيام تعيين دانون.
على رغم ضعف الأمم المتحدة وتواطئها، ما زال خيار التدويل الفلسطيني، بما هو تحويل الحقوق الوطنية الى مطلب دولي ورفع الشكاوى الى المؤسسات الدوليّة، يرعب إسرائيل ويدفعها نحو المؤسسات الدولية بقوة الدعم الأميركي، وما هذا التوجه سوى أكبر إثبات على أن الدولة العبرية ما زالت في قلب العزلة الدولية مهما بدا غير ذلك ومهما روجت لغيره. لكن الموازين أيضاً تتغير بسرعة.
فاتنة الدجاني
