يبدو بأن مرحلة ما بعد "ٌقمم" الرياض قد بدأت،في تجريم قوى المقاومة الفلسطينية، ووسمها بالإرهاب،ترجمة للخطاب الذي اعلن فيه ترامب امام القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية في الرياض بان حركة حماس وحزب الله اللبناني،حركتان إرهابيتان مثلهما مثل "القاعدة" و "داعش" بتصفيق ورضا وقبول من الزعماء والقادة العرب المشاركين في القمة،واضح ان مسلسل التجريم والتطبيق الفعلي قد بدأ،ليس بالطلب من قطر بطرد قادة حماس عن أراضيها،بل بإعلان شرعنة التطبيع وعلانيته مع دلوة الإحتلال،والذي حدث مباشرة بعد القمة،حيث استقل ترامب طائرته من الرياض الى تل ابيب مباشرة،واول أمس أجرى الصحفي الإسرائيلي المخضرم "يهود يعاري" من القناة العبرية الثانية عبر خدمة "السكايب" مقابلة مباشرة مع مدير معهد أبحاث الشرق الأوسط في جده عبد الحميد حكيم،قال فيها بأنه يجب التصدي ومعاقبة الجماعات الإرهابية التي تستخدم الدين من أجل تحقيق غايات وأهداف سياسية،وخص بحديثه حركتي حماس والجهاد الإسلامي،وليتبع ذلك تصريح من باريس لوزير الخارجية السعودي الجبير،دعا فيه قطر الى طرد حركة حماس من الدوحة بإعتبارها،هي وحركة الإخوان المسلمين جماعات إرهابية...
واضح بأن عملية التطبيع مع اسرائيل تنتقل من جوانبها السرية الى العلنية،واسرائيل لم تعد دولة معادية،بل دولة "شقيقة"،يجب التعاطي معها بشكل طبيعي،وأبعد من ذلك نسج العلاقات والتحالفات السياسية والعسكرية معها،وكذلك التبادل الدبلوماسي والتجاري والإقتصادي،فرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ومنذ الحرب العدوانية على قطاع غزة في تموز /2014،قال بأن من نتائج تلك الحرب، كسب اسرائيل لحلفاء وأصدقاء جدد في العالم العربي،ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم،لم تتوقف اللقاءات والعلاقات السرية بين اسرائيل والعديد من الدول العربية،في أكثر من مجال وجانب،وبالذات الأمنية والعسكرية والتجارية وغيرها،فأكثر من لقاء عقد في واشنطن ما بين تركي الفيصل،مدير الإستخبارات السعودي السابق،و"دوري غولد" مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية،وكذلك فعل أنور عشقي،والذي جاء الى اسرائيل والتقى العديد من قيادتها،ولكن السعودية كانت تقول بان هؤلاء،لا يمثلون ولا يعبرون عن سياسة المملكة.
الأن المسألة علنية وعلى رؤوس الأشهاد،كما يريدها نتنياهو،ف"قمم" الرياض فاصلة ما بين التطبيع السري والتطبيع العلني مع اسرائيل،والخطر هنا ليس في مسألة التطبيع والتنسيق والتعاون والتحالف مع اسرائيل،ونزع صفة الإرهاب والإحتلال عنها،بل تجريم قوى المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد والجبهة الشعبية ..الخ) وإعتبار النضال الفلسطيني،إرهاباً وليس مقاومة،كما كفلت ذلك الشرعية الدولية للشعوب المحتلة،ممارسة كافة أشكال النضال من أجل نيل حريتها.
اسرائيل هي أكثر دولة مستفيدة،مما يحدث من تصعيد للحرب التي تقودها السعودية ضد مشيخة قطر،وهي أكثر استفادة فيما يصدر عن هذه الدول من تجريم للقوى المقاومة الفلسطينية ووصف نضالها بالإرهاب،وهذا يشجعها على ممارسة المزيد من القمع والتنكيل بحق الشعب الفلسطيني،وبما يزيد من صلفها وعنجهيتها وغطرستها،حيث نشهد المزيد من " التغول" و"التوحش" ضد شعبنا وحقوقنا ومقدساتنا وكل أشكال وجودنا،وكذلك "تسونامي" إستيطاني إقتلاعي متصاعد يلتهم الأرض في القدس والضفة وفي الجليل والنقب،وتصريحات لكل أركان دولة الإحتلال،بأن اسرائيل ستبقى مسيطرة امنياً على الضفة الغربية في أي تسوية مستقبلية،وبأنه لن تقام دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر،والقدس ستبقى موحدة وعاصمة لدولة الإحتلال وتحت سيادته،وأنه على الفلسطينيين الإعتراف بيهودية الدولة.
واضح ان ما يجري تحضيره للشعب الفلسطيني وحقوقه وقضيته،بعد زيارات ترامب للسعودية و"قممه" الثلاث،وزيارته لدولة الإحتلال،على درجة عالية من الخطورة،وبما ينذر نحو تصفية القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني،فما يسمى بالمبادرة العربية للسلام،التي كان واضعوها،هم أل سعود ومعهم تحالفهم العربي يتحدثون عن دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران /1967 مقابل التطبيع مع الإحتلال،هذه الشروط سقطت وأصبحت الألوية للتطبيع والعلاقات المشرعة والمعلنة مع دولة الإحتلال دون أي حديث عن التزام اسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين،بل أصبح المطلب العودة الى مفاوضات بدون شروط،حتى بدون وقف للإستيطان،الذي لم يتحدث عنه ترامب لا في القمم الثلاثة في الرياض ولا في لقاءاته مع الرئيس عباس ورئيس وزراء دولة الإحتلال.
مع هذه المواقف والتنازلات المجانية التي تقدمها السعودية ودول التحالف العربي،والتطاول على شرعية النضال الوطني الفلسطيني واحقيته،فنحن سنكون امام الكثير من الضغوطات التي ستمارس على الشعب الفلسطيني،ليس فقط من قبل دولة الإحتلال وامريكا فقط،بل من دول هذا التحالف،حيث يجري الحديث عن حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي،في إطار إقليمي تشارك فيه دول التحالف العربي،هذه الدول التي سيكون دورها الضغط على القيادة الفلسطينية،للقبول بمشاريع سياسية تنتقص من حقوق شعبنا الفلسطيني،متجاوزة حل الدولتين،وبما يخدم المشروع الإسرائيلي- الأمريكي للحل الذي لن يخرج عن مشروع نتنياهو الإقتصادي،مقايضة حقوق شعبنا الفلسطيني الوطنية بسلام اقتصادي يشرعن الإحتلال ويبقيه،مقابل تحسين شروط وظروف حياة شعبنا الفلسطيني تحت الإحتلال كشعب فلسطيني.
المؤامرة على مقاومتنا وعلى شعبنا كبيرة وجداً خطيرة،ولذلك على كل قوى شعبنا وفصائله أن تتخلى عن ذاتيتها ونرجسيتها من أجل الشروع بتوحيد الساحة الفلسطيني،بتصليب وتقوية جبهتنا الداخلية لمواجهة المؤامرات والمخاطر القادمة.
بقلم/ راسم عبيدات