قطر ليس كما يرونها في عيون الشيطان

بقلم: زهير الشاعر

في ظل الأخبار الواردة من المنطقة والتي تفيد بأن دولة قطر أعلنت بأنها مستعدة للحوار والتفاوض حول الأزمة القائمة جاء هذا بالتزامن مع موقف المملكة العربية السعودية التي أعطت موافقة مبدأية للشيخ صباح الأحمد للحوار مع قطر كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة أبدت استعدادها للحوار والنقاش مع دولة قطر بشرط تغيير سياساتها الإقليمية نأمل بأن يكون هذا الأمر صحيحا وأن الأمل قد تجدد مع الجهود الكويتية من أجل إيجاد حل توافقي لهذه الأزمة لكي تصبح أزمة عابرة بين الأشقاء وليس أزمة أهداف واجب تحقيقها مهما كان الثمن السياسي والدبلوماسي ولربما أكثر من ذلك
من الجدير ذكره أن هذه الأزمة جاءت بعد مرور عدة أعوام من أزمة سحب السفراء في عام 2014 كاحتجاج على ما تقوم ببثه قناة الجزيرة من تغطية للأحداث التي تحدث في المنطقة تباعا والتي تجد فيها بعض الأطراف العربية بأنها منحازة وتهدف لإثارة وتحريض الرأي العام ضدها حيث أنها في هذه المرة بلغت مستوى غير مسبوق من التحدي نجم عنه قطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل وهذا للأسف فتح الباب أمام تصعيد هذه الأزمة بين الدول الخليجية لتصل إلى مستوى حصار دولة شقيقة والدخول في منحدر تعميق الأزمة بين الأطراف كافة مما سيؤدي إلى انقسامات إقليمية عميقة في سياق متطلبات ضرورة الاصطفاف لصالح الحفاظ على المصالح المتبادلة بين الدول
لذلك وجدت أنه لربما يكون من المفيد للقارئ أن أتحدث عن دولة قطر من وجهة نظر أخرى غير التي يتم طرحها في هذه الأيام بهدف شيطنتها بغض النظر عن أن ذلك سيغضب بعض الأطراف أم لا ولكني سأتحدث في هذا المقال بعيدا عن اللغة السياسية البحتة التي تعودت عليها في مقالاتي وسأستعين بخبرتي المتواضعة مع هذه الدولة الجميلة والمضيافة والتي يشعر زائرها بنظافة شوارعها وبرقي وكرم أهلها منذ الوهلة الأولى من وصوله إليها
من هنا لابد من الإشارة إلى أن صديقي السفير حسن العمادي سفير دولة قطر السابق في الهند الذي كان يفتح بيته دائما في شهر رمضان المبارك للقاء جماعي على الإفطار لكل الدبلوماسيين العرب وكان محبا لزملائه ومهذبا بضيافته لهم وكنت حينها أظن أن ذلك هو انعكاس لسلوك فردي نابع من تربية أسرية ولكن عندما زرت قطر بعد ذلك عدة مرات وجدت فيها سمة لشعب يتمتع بهذه الروح المضيافة لا بل بعمق كرم الضيافة هذا إلى جانب سلوك الفرد القطري المهذب بشكل عام وهو الذي لا يحقر من شأن الضيف أو يتعالى على كرامة المقيم في بلاده أو يمارس غطرسة الضيافة في حقه
قبل عام ونصف زرت العاصمة القطرية الدوحة لحضور مؤتمر حوار الأديان الثاني عشر وكم كان رائعا الاستقبال منذ اللحظة الأولى في المطار وحتى الوصول إلى الفندق ومن ثم مرافقتنا كمجموعات مشاركة في هذا المؤتمر مثلت وفودا رسمية كثيرة جاءت من 75 دولة في العالم يحملون مختلف الأديان والثقافات والمعتقدات جعلوهم جميعا وكأنهم أسرة واحدة متعارفة ومتحابة وراغبة بلقاءات متجددة
هذا زاد قناعتي بلا شك عن انطباعي الإيجابي عن هذه الدولة ونظامها القائم الذي تولد من قبل هذه الزيارة خلال زيارات أخرى قمت بها إلى الدوحة حيث أنها ترسخ في عقل زائرها فكرة أنها تمثل دولة طامحة ولديها الرغبة الصادقة في أن تسارع في حركة البناء لمواطنيها إنسانيا وثقافيا وعلميا وتعمل من أجل أن تهذب من نفوسهم ولا تتركهم يتغولون على زائر أو مقيم لا بل علمتهم كيف يحترمون كرامة الخرين هي دولة خيرة وكريمة ومنة لا بل هي دولة جامعة ومؤمنة بتعدد الثقافات وتنوعها
لذلك في تقديري أن الوضع المحيط بدولة قطر سيجد له مخارج لتجاوز أثار هذه الأزمة التي تعصف بها وذلك من خلال الحكمة التي يتمتع بها قادتها والمساحة التي توفرها هذه الدولة للمبدعين سواء من أبنائها أو من المقيمين فيها بدلا من أن تصبح ضحية لتهمة دعم الإرهاب وذلك من أجل إيجاد حلول منطقية بديلة من أجل الالتفاف على أثار الحصار المفروض عليها الن حتى لا يكون هناك أي تأثير على مسار الحياة الطبيعية فيها
لذلك فإن المشهد الحالي يشير إلى أن دولة قطر استطاعت أن تحتوي قوة المفاجأة المباغتة التي حملت صدمة كبيرة إليها ولكن بات عليها العمل بحكمة أكبر من أجل احتواء ما ترتب على ذلك وخاصة فيما يتعلق بضرورة تغيير موقف الولايات المتحدة الأمريكية بعدما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتمتع بمصداقية القول والفعل وذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس على أنه لا يمكن لأي دولة متحضرة أن تتسامح مع هذا العنف الناجم عن الإرهاب الدائر في المنطقة أو تسمح لهذه الأيديولوجية الشريرة بالانتشار على شواطئها في إشارة واضحة منه على أهمية ومكانة المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة القادمة وهي التي استطاعت أن تؤكد قيادتها في المنطقة من خلال جمع أكثر من خمسين زعيم دولة للقاء الرئيس دونالد ترامب في القمة العربية الإسلامية الأمريكية وبأن إدارته لن تتساهل مع أي دولة ممكن أن ترعى أو تقدم أي دعم للإرهاب أي كان نوعه بالرغم من أن هناك شراكة استراتيجية بين قطر والولايات المتحدة الأمريكية وذلك في محاربة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية كما أن قطر تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة وتعتبر شريكة وصاحبة مبادرات في عملية السلام في الشرق الأوسط
لذلك فإن قطر اليوم باتت تدرك بأنها وجدت نفسها متهمة بدعم وتمويل الإرهاب العنوان الشكلي لهذه الأزمة أما من ناحية جوهرها فهي تؤمن بأن هناك أبعاد إقليمية أخرى وبات عليها الدفاع عن نفسها ونفي التهمة عنها والإعلان عن وقف تمويل الجماعات الإرهابية حسب مفهوم التهمة وتماشيا مع المتطلبات التي قامت من أجلها هذه الأزمة حتى يكون لها دور في المهمة الإقليمية المستقبلية وهذا لربما سيزيد الأزمة القائمة تعقيدا كون أن قطر سترى في هذا الأمر مساسا بسيادتها لم يكن هناك مخاض ولادة لسيناريو جديد للمنطقة تقبل به قطر وتكون جزء منه
هذا يجعل قطر دولة باتت ذات تأثير وأهمية كبيرة لابد من التعاطي معها من منظور أنها دولة شريكة في الهموم الإقليمية وليس دولة متطفلة لأنها تنتهج سلوكا مستقلا بناء على رؤيتها بما يحقق مصالحها ومصالح مواطنيها كما أنه لا يمكن إنكار أن أمير دولة قطر تميم بن حمد ل ثاني هو شاب مثقف ومتعلم وواثق بنفسه ويتحرك ضمن رؤية تعتمد مصالح بلاده وذلك من خلال حرصه على بناء المواطن القطري تعليميا وثقافيا وإنسانيا من أجل ضمان انعكاس ذلك على بناء دولة متحضرة تعمل قطر من أجل تحقيقها بخطوات ثابتة ولكنها حذرة وبطيئة حتى لا تسقط في مستنقع الانفتاح في تحديث الدولة على حساب القيم والأخلاق الإنسانية
من هنا أجد أن دولة قطر ومعها منابرها الإعلامية المشاكسة ومنها الجزيرة التي ساهمت في الارتقاء بحالة الوعي لدى المواطن العربي بخلاف ما يقال بهذا المضمار لن تعود للخلف وستنطلق من جديد في مرحلة بناء كبيرة كما أنها لن تغلق الأبواب أمام تسويات منطقية وعقلانية في سياق المتطلبات الإقليمية والدولية وتأخذ بعين الاعتبار احترام سيادتها كدولة ذات سيادة وضرورة احترام الحاجة الأمنية لشقيقاتها من الدول العربية وبالتحديد الخليجية وخاصة فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه هذه الدول من تنامي نفوذ إيران في المنطقة كما عليها تفهم ضرورة الالتزام من طرفها برفع الغطاء عن الجماعات الإرهابية وفي نفس الوقت المشاركة في مواجهة التحديات التي تتعلق بضغوطات متطلبات الحاجة لإرساء عملية سلام إقليمية باتت ملحة لابد أن تكون مبنية على شراكة إقليمية شاملة باتت الفرصة متاحة لتحقيقها
لذلك فإنني أرى أن قطر ليس كما يحاول البعض أن يشيطنها كدولة راعية للإرهاب لا بل هي دولة مؤسسات طامحة ودولة قانون تطبقه على المواطن القطري قبل المقيم وهذا يجعلها دولة تحترم نفسها كما أنه لا يمكنها أن تكون خارجة عن المنظومة الدولية أو الإقليمية أو متمردة عليها كما أنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي من المفيد عدم عزلها لا بل العمل على إيجاد طريقة متفق عليها وتلبي احتياجات جميع الأطراف الشقيقة صاحبة العلاقة بهذه الأزمة بما فيها الشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية واحتياجاتها الأمنية وذلك لتخطي الخلافات معها لتكون شريكة بالفعل في محاربة الإرهاب الذي بات يمثل التحدي الأكبر الذي يواجه العالم بمجمله كون أنها تمتلك إمكانيات الشراكة في مواجهة هذا التحدي بكامل مقوماتها وخاصة المالية والإعلامية

م زهير الشاعر