نكسة حزيران قطاف المجازر والتجسس والفرقة

بقلم: أوس أبوعطا

ما تزال نكسة حزيران تحفر في قلوب الفلسطينيين والعرب أجمع حزنا وهما وغما وكدرا ونكدا كيف لا وهي مرحلة الانكسار والانحدار والتواطؤ والخذلان فبعدما كانت تحفز النفوس على تحقيق النصر واستعادة الأرض والحقوق المسلوبة وبالتالي استعادة الكرامة و العزة بعد عام النكبة 1948 ذهبت الأماني هباء منثورا مع الأراضي المغتصبة
و في خضم منطقة عربية تعج بالخلافات والمؤامرات خرج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في السادس والعشرين من أيار بتصريح خطير مفاده أن المعركة ستكون شاملة ضد الكيان الصهيوني و وجه اللوم إلى الأردنيين و نعت وصفي التل رئيس الوزراء الأردني وجماعته بأنهم جواسيس لأمريكا وبريطانيا بسبب تصريحات الأخير التي شدد فيها عدم الدخول إلى الحرب مهما كانت الأسباب والظروف والمعطيات والمبررات لكن تصريح الزعيم ناصر لم يثن الملك حسين عن الاجتماع به ففي صباح الثلاثين من أيار هبط الملك حسين في مطار القاهرة دون سابق إنذار واجتمع مع الوفد المرافق له مع الرئيس عبد الناصر وحضر الأستاذ أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية جانبا من هذي الاجتماعات وتم إبرام اتفاقية دفاع مشترك بين مصر والأردن التي باتت تضم ثلاثة أطراف مصر وسوريا والأردن وفي اليوم نفسه دخلت مفارز من الجيش العراقي إلى الأراضي السورية
أما في الداخل الإسرائيلي فقد بدأت الحكومة توزيع كمامات غاز لمواطنيها بالتعاون من حكومة ألمانيا الغربية رغم أنه لا توجد أي دولة عربية تملك أسلحة نووية أو جرثومية حينها وهو ما يدخل ضمن حشد الدعم الإعلامي لإسرائيل في الخارج وفي الأول من حزيران عدل أشكول حكومته بحيث انتقلت حقيبة الدفاع إلى موشي ديان في حين أصبح مناحيم بيغن وزيرا للدولة ومعه جوزيف سافير وثلاثتهم من أحزاب اليمين المحافظ ممثلو خط التطرف في التعامل مع العرب
وفي الثاني من حزيران حطت طائرة رئيس الأركان الأردني في بغداد لإيصال رسالة من العاهل الأردني إلى الرئيس العراقي عبد السلام عارف توحي عن خطورة الوضع في المنطقة
وفي الثالث من حزيران أعلن الزعيم الزنجي مارتن لوثر كينغ الحائز على جائزة نوبل للسلام تأييده المطلق للكيان الصهيوني في رسالة نشرتها الصحف الأمريكية تحت عنوان سلام إلى أورشليم مجافيا للتاريخ والأخلاق منقلبا على مبادئه متزلفا للكيان الغاصب العنصري
مع شروق شمس يوم الرابع من حزيران بدأت القوات الدولية بالرحيل عن طريق مطار بورسعيد أما الفرقة الكندية قامت بتدمير معدات الأمم المتحدة التي كانت تستعملها وكأنها تخلي مواقعها استعدادا لاحتلالها من الصهاينة
ولابد من الإشارة أن قيام مصر بإغلاق مضيق تيران بوجه السفن المتوجه لإسرائيل المحملة بشحنات السلاح كان ذريعة الكيان الصهيوني لشن الحرب لقيام مصر بخنقه اقتصاديا على حد زعمه
وفي الخامس من حزيران يوم النكسة الساعة 745 بالتوقيت المحلي دوت صفارات الإنذار في جميع أنحاء إسرائيل وأطلق سلاح الجو الإسرائيلي العملية العسكرية الجوية ضد المطارات المصرية بمعدل 12 طائرة لكل مركز جوي في مصر
كانت البنية التحتية المصرية الدفاعية سيئة للغاية كان تحرك إسرائيل الأول والأكثر أهمية والذي أربك الجيش المصري الذي كان أكبر الجيوش العربية المشاركة في القتال وأفضلها تسليحا هو الهجوم على مطارات ومهابط الطائرات المصرية بحيث عطلت القدرة على استعمال 420 طائرة مقاتلة يتألف منها الأسطول الجوي المصري وقد ذهب بعض الصحفيين والمحللين المصريين من أمثال محمد حسنين هيكل للقول أن تعطيل سلاح الجو المصري هو السبب الأبرز لخسارة الحرب
كانت العملية ناجحة أكثر مما توقع الإسرائيليون حتى وبينما تم تدمير سلاح الجو المصري بأكمله على أرض الواقع فإن الخسائر الإسرائيلية لبثت قليلة حيث تم تدمير ما مجموعة 388 طائرة مصرية وقتل 100 طيار أما الجيش الإسرائيلي فقد خسر 19 طائرة من بينها 13 أسقطت بواسطة المدفعية المضادة للطائرات والباقي في مواجهات جوية
كما دمرت 32 طائرة سورية وسجلت نسبة استنزاف كبيرة في المعدات أما في الأردن فقد بلغ عدد الطائرات المدمرة 22 طائرة كما فقد العراق جزءا من سلاحه الجوي بعد أن هاجمت إسرائيل قاعدة جوية في الأنبار وحسب بعض التحليلات فإن نسب الاستنزاف في المعدات العربية وصلت إلى 70 80 من مجمل طاقتها
خسائر إسرائيل البشرية في الحرب قدرت بين 776 و983 جندي إلى جانب جرح 4517 جندي وأسر 15 جندي إسرائيلي
القتلى والجرحى والأسرى في جانب الدول العربية أكبر بكثير إذ إن نحو 9800 إلى 15000 جندي مصري قد قتلوا أو فقدواكما أسر 4338 جندي مصري أما الخسائر الأردنية فهي نحو 6000 جندي قتلوا أو في عداد المفقودين كما أسر 533 جندي ونحو 2500 جريح أما في سوريا فقد سقط نحو 1000 جندي و367 أسير
سادت مشاعر اليأس والإحباط والتذمر سائر الوطن العربي والأمة الإسلامية جمعاء وعبر عن ذلك المناضل بسام أبو شريف القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنه قد ساد العالم العربي في أعقاب نكسته جو من الكبة والإحباط وبينما راحت إسرائيل تتباهى بمنجزاتها طأطأ العرب رؤوسهم خجلا وحنقا في مصر أعلن عبد الناصر عن تنحيه عن رئاسة مصر متحملا المسؤولية الكاملة عن الهزيمة إلا أنه عاد عن الاستقالة بعد مظاهرات حاشدة في القاهرة ومدن مصرية أخرى رافضة لتنحيه عن السلطة رغم ذلك فثار الهزيمة لم تتلاش بهذه البساطة إذ تعرض الجيش المصري لحملة انتقادات شعبية لاذعة وسخرية ما اضطر عبد الناصر نفسه للطلب من الشعب التوقف عن حملته مذكرا أن الجيش يبقى أمل الأمة وفي الرابع عشر من أيلول انتحر المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش المصري بعد أن ابتلع كمية كبيرة من مادة مخدرة سامة تلاه استقالة أحمد الشقيري زعيم منظمة التحرير الفلسطينية كما استقال من منصبه كممثل لفلسطين في الجامعة العربية
وفي الرابع عشر من حزيران تم إقامة أول مستوطنة صهيونية في الجولان المحتل ميروم جولان
وصدر القرار رقم 237 الذي يطالب الكيان الصهيوني باحترام حقوق الإنسان في الأراضي العربية التي احتلها مؤخرا كما طالب القرار برفع المعاناة والألم عن السكان المدنيين
وفي السادس عشر من حزيران وجه الملك فيصل ل سعود رسالة إلى جميع الدول الإسلامية يحثهم فيها على الاجتماع من أجل تحرير الأقصى من براثن الصهيونية الغادرة فيما دعا السودان إلى القمة العربية الرابعة والتي عقدت فيما بعد على أرضه بتاريخ التاسع والعشرين من ب والتي عرفت باسم قمة اللاءات الثلاث لا صلح لا اعتراف لا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه وتعتبر من أقوى القمم العربية
وفي العشرين من حزيران تم تشكيل لجنة وزارية في الأردن لإغاثة النازحين الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة
أما في السابع والعشرين من حزيران ناقشت الحكومة الصهيونية والكنيست مشروع قرار ضم مدينة القدس بشكل نهائي إلى الكيان الغاصب وتم إقراره بالقرار 2046 وبموجبه أضحت وزارة الأديان في الكيان الصهيوني مسؤولة عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة وفي صباح اليوم التالي أصدرت حكومة الاحتلال ما سمي بأمر القانون والنظام الذي أخضعت بموجبه منطقة وتنظيم القدس للنظم والقوانين الإدارية الصهيونية وأعلن وزير داخلية الكيان الصهيوني ضم أحياء القدس العربية إلى القدس الغربية من أجل توحيد المدينة
كانت هزيمة حزيران ثمرة لما زرعه الصهاينة في المنطقة العربية من الجواسيس والعملاء أمثال كوهين فى عام 1964 قد زود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة وفى تقرير خر أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز ت54 وأماكن توزيعها وكذلك تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب
في عام 1965 وبعد سنوات من إيلي كوهين كامل أمين ثابت في دمشق لاحظ السوريون أن الكثير من قرارات الحكومة السورية تصل إلى إسرائيل ويتم بثها في الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية فهم السوريون فورا بأن جاسوسا إسرائيليا مقربا من القيادة السورية يعمل لمصلحة إسرائيل وباشروا بالبحث عنه واستطاع السوريون عن طريق أجهزة روسية متطورة إيجاد المكان الذي يبث منه إيلي معلومات لإسرائيل وتم القبض على ايلي كوهين وسط دهشة الجميع واعدم هناك في 18 مايو 1965
ولم تدخر جهدا القيادة الصهيونية الحاقدة في نشر الإحباط والرعب في الوسط العربي قد لا يعرف البعض سوى مجزرتي كفر قاسم ودير ياسين لكن بالعودة للتاريخ تبين أن العصابات الصهيونية لم تحتل منطقة قط إلا بارتكاب مجزرة فيها أو في البلدة التي تجاورها فمجموع شهداء المجازر العرب الموثقة من شهر أيار في عام النكبة يصل إلى 1246 ضحية للحقد والعنصرية و التشدد اليهودي الشنيع
ولم تزل تبعات حرب 1967م حتى يومنا إذ تواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها وكان من تبعاتها أيضا نشوب حرب تشرين التحريرية عام 1973م وفصل الضفة الغربية عن السيادة الأردنية وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م بمبدأ الأرض مقابل السلام الذي ينص على العودة لما قبل حدود الحرب لقاء اعتراف العرب بإسرائيل ومسالمتهم إياها رغم أن دولا عربية عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسية أو اقتصادية

المراجع
الموسوعة الفلسطينية دمشق1984
تاريخ فلسطين الحديثدعبدالوهاب الكيالي
فلسطين أرض الحضارات دشوقي شعث
الانفجار 1967 محمد حسنين هيكل

أوس أبوعطا شاعر وكاتب فلسطيني