نجح قائمون على مشروع إقامة مقهى شعبي فلسطيني في محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، يحمل أسم "مدينة القاهرة"، من تجسيد أبرز معالم المدينة الأثرية القديمة والحديثة، عبر مُجسمات، من مواد مُختلفة.
وضم المقهى معالم بارزة، منها "الأهرامات الثلاثة، وتمثال (أبو الهول)، إتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، برج القاهرة، كافتيريات ومقاهي شعبية مشهورة وصالون حلاقة ومحال بيع شرائح اتصال مصرية، ومسجد الحُسين، ودار الأوبرا..".
وينشد المار على الطريق الساحلي لرفح الفلسطينية الملاصقة للحدود المصرية الجنوبية، للوحة فنية، كُتب عليها "ميناء رفح البري"، تُشابه تمامًا البوابة المصرية للمعبر، ما يُثير الرغبة لمعرفة ما يوجد خلفها.
ما إن تصل للمكان بعد لحظات، ينتاب الشعور للوهلة الأولى أنك داخل العاصمة المصرية "القاهرة"، عندما ترى معظم معالمها، وقد دُشنت وكأنها واقعًا من قبل القائمون على هذا المكان، الذي يُعتبر مقهى شعبي، الأول من نوعه على مستوى فلسطين، الذي يضم معالم مصرية.
عبور بجواز سفر!
ويمنح القائمون الزائرين شعور السفر من غزة حقيقةً، من خلال طريقة التعامل به، فلحظة العبور لا تتم دون أن يتم منح العابر جواز سفر، يتمكن من خلاله الدخول للمقهى، والتنقل بين جنابته والتقاط الصور؛ وصولاً لجلسة هادئة على أنغام الأغاني المصرية، التي تُذاع في المكان لمشاهير المُغنيين، خاصة القُدامى.
وشيد القائمون تمثال "أبو الهول" من الخراسان، والأهرام الثلاث من "الخشب ومادة الفلين"، طُليت بدهان يُشابه الحجارة التي بُنيت منها، فيما دُشنت بقية المعالم من أنواع الخشب المُختلفة؛ بينما أطلق على مسالك وممار المقهى أسماء شوارع مصرية مشهورة "كالمُعز، شهاب"..
وتبلغ مساحة المقهى، حوالي "3ألاف متر مربع"؛ ضمت المعالم المذكورة، ومعالم أخرى، "كمحطة اتصالات (فدفون)، ومحل حلاقة كُتب عليه "صالون محمد الصغير"، وبجواره محل "لبيع الكُشري المصري"، وعلى مقربة منه كافتيريا سُميت "نعمة"؛ فيما التف المكان العلم المصري، ونُقشت على جدرانه رسومات وأشكال فرعونية.
كما لم يغِب عن بال القائمون على مشروع مقهى "مدينة القاهرة" أن يضعوا الزينة والإنارة في المكان التي تُشابه لحدٍ كبير أجواء المقاهي الشعبية بمصر؛ ويعتبر ذلك فرصةً لرؤية الأماكن التي لم يتمكن الكثير من رؤيتها واقعًا، بسبب عدم التمكن من السفر.
وما يزيد الزائر مُتعةً وشعورًا يجعله وكأنه يعيش لحظات من الخيال خارج حدود قطاع غزة المُحاصرة، تعامل العاملون في المقهى بلهجةٍ مصرية مع الزبائن، ولباسهم مشابه للمصريين، بجانب تلبية الطلبات بالعملة المصرية "الجنيه"، مقابل ما يُعادلها من الشيكل الإسرائيلي.
حلم تجسد
معرفة تلك المعالم البارزة وأشكالها وأسمائها، وطبيعة التعامل داخل المقاهي، لم يكُن وليد الصدفة، أو من درب الخيال، بل من وحي أشخاص عاشوا هذا الواقع وتلك الأجواء في جمهورية مصر العربية، ما سهل عليهم نقلها، مُستعينين بالخبرة الهندسية والفنية التي يمتلكونها.
بلهجةٍ مصرية يُحدثنا أحد مالكي المشروع وصاحب الفكرة نضال الجرمي "44عامًا"، عن طبيعة وفكرة المشروعة، قائلاً لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء": "قبل نحو خمس سنوات ويزيد، قمت بتصميم تلك المُجسمات فوق سطح منزلي الصغير، الذي لا يتعدى 140مترًا، في مخيم الشابورة للاجئين وسط رفح، ما شد انتباه الكثيرين، خاصة وسائل الإعلام، التي أتت لتصوير المكان".
ويضيف الجرمي الذي يتعلق بمصر كثيرًا كونها عاش بها فترة طويلة "راودني الحُلم من ذلك الوقت، بأن يتحول هذا المشروع الصغير لشيء حقيقي على أرض الواقع، يُصبح معلمًا، يُجسد أعرق مدن العالم العربي والإسلامي، التي نرتبط بها، بحُكم الجوار والتاريخ والجغرافية والنسب".
ويتابع "وجدتُ شريكًا في المشروع، وباشرتُ معه تطبيق الفكرة، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، في مكان لا يبعُد أكثر من كيلوا متر، عن الحدود البرية والبحرية لمصر"؛ مُشيرًا إلى أن للمكان دلالةً، وهي إضفاء أجواء للزائرين أنهم غادروا غزة.
وتمكن القائمون من انجاز ما يزيد عن "80%" من المكان، في انتظار إكمال اللمسات الأخيرة، ليتم الافتتاح رسميًا قبيل عيد الفطر؛ بينما استعانوا بأحد الفنانين لمساهمة في الرسومات والنقش الذي منح المعالم جمالاً يمتع الناظرين لها.
ولا يخلوا مكان العمل من الزائرين قبيل افتتاحه، فكل من يمر من هناك، ينشد للمكان ويأتي له ليلتقط الصور بداخله، وينشرها عبر مواقع التواصل، رغم رفض مُلاك المكان لذلك في الوقت الحالي، حتى ينتهوا من المشروع كاملاً، ويتيحوا الفرصة للجميع بالتجول والتقاط الصور به.؛ فيما بدأت تتهافت وسائل الإعلام المُختلفة.
تعزيز العلاقة
ويتطلع القائمون على المقهى الشعبي لأن يُصبح معلمًا أثريًا بطابع عصري، يُعزز علاقة الشعبين المصري والفلسطيني التاريخية، ويتحول لمقصد للفلسطينيين، الذي يتمنوا زيارة مصر، كونها الأقرب لهم، خاصة في ظل ظروف المعبر، بسبب الظروف الصعبة.
ولم يغِب عن بال الجرمي، الذي يتحدث لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" الإشارة للعلاقة التاريخية المُتأصلة بين الشعبين الفلسطيني والمصري، الذي يعتبره شعبًا واحدًا، لا فرق بينهما، كونه أكثر الشعوب مصاهرةً للفلسطينيين؛ لافتًا إلى أن كثير من سكان غزة يحملون الجنسية المصرية، ويجيدون اللهجة.
ويتمنى أن يُجسد المكان بكل معنى الكلمة العلاقة الوطيدة بين غزة ومصر تحديدًا، ويتحول لمعلم يقصده كل زائر حتى من غير الفلسطينيين، ويعكس حجم الحب الحقيقي لذلك البلد الذي احتضن القضية الفلسطينية، ويُشكل بوابتنا للعالم؛ متمنيًا لها الاستقرار والأمن والأمان.
