مامدى قانونية شرط التحكيم في عقد العمل الفردي ؟

بقلم: حسام عرفات

عرَّفت المادة الأولى من قانـــون التحكيــــم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000م التحكيم بأنّه : (وسيلة لفض نزاع قائم بين أطرافه، وذلك بطرح موضوع النزاع أمام هيئة التحكيم للفصل فيه). وعرفته  المادة 1790 من مجلة الأحكام العدلية بأنَّه :" اتخاذ الخصمين حَكَماً برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما". 

 

ونصّت الفقرة الأولى من المادة الرابعة من هذا القانون على أنّه (لا تخضع لأحكام هذا القانون المسائل المتعلقة بالنظام العام في فلسطين). كما نصّت المادة الثانية من اللائحة التنفيذية لقانون التحكيم رقم 3 لسنة 2000م، الصادر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (39) لسنة 2004م([1]) على أنّه (لا يجوز التحكيم في المسائل التي تتعلّق بالنظام العام، والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح قانوناً، كالعقوبات والمنازعات المتعلّقة بالجنسية، وكل ما هو متعلق بالأحوال الشخصية كالطلاق والنسب والإرث والنفقة، على أنَّه يجوز أنْ يكون موضوعاً للتحكيم، تقديراً لنفقة واجبة، أو تقديراً لمهر، أو أيّة دعوى ماليّة أخرى ناشئة عن قضايا الأحوال الشخصية). 

واستناداً إلى هذه النصوص التي تحظر اللجوء إلى التحكيم في المسائل التي تُعَد من النظام العام، فقد ثار جدل فقهي، حول صحّة شرط التحكيم في عقد العمل، نظراً إلى أنّ قواعد قانون العمل هي قواعد آمرة،  وتُعد من النظام العام، ولا يجوز مخالفتها. وما أثار الجدل في هذا الشأن، هو القرار الذي أصدرته محكمة صلح رام الله بتاريخ 27/2/2014م، والذي قرّرت فيه رد الطلب المقدّم إليها بعدم قبول دعوى رُفِعت للمطالبة بحقوق عمّالية، بذريعة وجود شرط تحكيم في العقد الموقع بين العامل ورب العمل. واعتبرت المحكمة أنّ شرط التحكيم الوارد في عقد العمل هو شرط باطل انسجاماً مع " ما استقر عليه الاجتهاد القضائي من أنّ المُخالصات التي يُوقّعها العامل في أثناء عمله، والمتعلقة بحقوقه لا يُعتد بها، وذلك لاتحاد العلّة في المسألتين، وهي أنّ العامل يكون ما زال على رأس عمله، ويكون الطرف الأضعف في العلاقة) ([2]).
وقد عارض بعض الكتاب هذا الاجتهاد القضائي الفلسطيني، واعتبروا أنّ شرط التحكيم في عقد العمل، هو شرط صحيح وجائز، ولا يُعد مخالفاً للنظام العام، ويدلِّلون على ذلك بأحكام للقضاء الأردني والفلسطيني،  وخصوصاً محكمتي التمييز الأردنية والنقض الفلسطينية، بل وطالب بعض هؤلاء بالنص على التحكيم في قانون العمل([3])، في حين اعتبر  البعض الآخر أنّ شرط التحكيم في عقد العمل هو شرط  غير صحيح، لأنّ  قانون التحكيم حظر الاتفاق على التحكيم في عقد العمل الفردي بسبب مخالفته للنظام العام([4]).
وبدورنا، فإنّنا نؤيِّد ما ذهبت إليه محكمة الصلح الموقّرة في هذا الاجتهاد القانوني، ونعتقد أنّ "شرط التحكيم" أو "مشارطة التحكيم" باطلة إذا تمّت عند إبرام العقد أو خلال سريانه، أمّا إذا جاء هذا الشرط أو تلك المشارطة بعد انتهاء العقد، فإنّها صحيحة ومُرتِّبة لآثارها القانونية، وندعو محكمة النقض الفلسطينية إلى تَبنِّي اجتهاد محكمة الصلح في هذا الشأن، والاستقرار عليه في أحكامها.
وقد تناقضت أحكام محكمة التمييز الأردنيّة في طبيعة شرط التحكيم، ومدى اعتباره تنازلاً من العامل عن حقوقه، فقد قضت في حكم لها في العام 2005م بصحة شرط التحكيم في حالة الاتفاق عليه في عقد العمل باعتبار التحكيم مؤسسة قضائية اختيارية([5]). ثم عادت وقضت في قرار حديث لهيئتها العامة بأنّ " شرط اللجوء إلى التحكيم في عقد العمل، يُعتبر تنازلاً من قبل العامل عن حقوق منحه إيّاها قانون العمل، وبالتالي فهو يُعد شرطاً باطلاً ولا يُرتِّب أي أثر"([6]).
 
 
المحامي حسام عرفات 

([1]) - منشور في العدد 50 من الجريدة الرسمية للسلطة الوطنية (الوقائع الفلسطينية) ، بتاريخ29/08/2004م ، صفحة 168.
([2]) - أنظر قرار محكمة صلح رام الله الصادر بتاريخ 27/2/2014م ، المنشور في الموقع الالكتروني لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) على الرابط :
http://www.wafa.ps/ar_page.asp x¡id=3YXeD9a636959743497a3YXeD 9 تاريخ الزيارة 24-7-2016م.ومشار إليه أيضاً في مقال للدكتور إيهاب عمرو بعنوان (مدى قانونية شرط التحكيم في عقد العمل)، والمنشور في موقع صحيفة دنيا الوطن الالكترونية على الرابط التالى :- http://pulpit.alwatanvoice.com /articles/2016/06/21/407770. html تاريخ الزيارة 22-6-2016 . أنظر أيضاً النص الكامل للقرار المنشور على الموقع الالكتروني لصحيفة الحياة الجديدة ، على الرابط التالى :- http://www.alhaya.ps/arch_page .php¡nid=229555
 تاريخ الزيارة 24-7-2016م ، س11:41م .
([3]) - أنظر مقال د. نعيم سلامة، التحكيم في النزاعات العمالية، المنشور في الموقع الالكتروني لجريدة دنيا الوطن، على الرابط التالي :- http://pulpit.alwatanvoice.com /content/print/323859.html   تاريخ الزيارة 24-7-2016، س6:12 م..
ويستند الدكتور سلامة في رأيه إلى إجازة محكمة التمييز الأردنية لشرط التحكيم في عقد العمل، والى أنَّ محكمة النقض الفلسطينية  لم تعتبر التحكيم في المنازعات العمالية من النظام العام، وذلك في حكمها في القضية الحقوقية رقم (273/2011م)، ولا تنطبق عليه بالتالي نص المادة 4/1 من قانون التحكيم لسنة 2000م . أنظر رأي مشابه الدكتور عمر العطين ، في مقالته بعنوان التحكيم في القضايا العمالية ، المنشور في مجلة المنارة التابعة لجامعة آل البيت ، المجلد 15 ، العدد2، سنة 2009م،  وموجود نسخة (وورد) على الرابط التالي:
https://web2.aabu.edu.jo/nara/ manar/suportFile/1526.doc تاريخ الزيارة 24-7-2016 ، س11:59م . ويرى بعض الفقه أيضاً أنه لاضير من إدراج شرط التحكيم في عقد العمل بشرط إيجاد ضمانات خاصة لحماية العامل من آثار هذا الشرط الذي قد يفرض عليه، لاسيما وأن صاحب العمل نفسه هو من يحرر عقد العمل ويقوم بتحديد المحكمين الذين يناط بهم فض النزاع. أنظر هذا الرأي أيضاً د.هيثم حامد المصاروة، أصول المحاكمات العمالية بين القبول والرفض، الطبعة الأولى، دار الحامد للنشر والتوزيع،عمّان،2010م،ص27-ص28.
([4]) - أنظر مقال د.ايهاب عمرو ، مدى قانونية شرط التحكيم في عقد العمل ، المنشور  على الموقع الالكتروني لصحيفة دنيا الوطن على الرابط التالي:  http://pulpit.alwatanvoice.co m/articles/2016/06/21/407770. html تاريخ الزيارة 24-7-2016 م ، س6:08م
([5]) - قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 10/2005م ، منشور في مجلة نقابة المحامين الأردنيين، العدد السابع والثامن والتاسع، السنة الرابعة والخمسون، عمان، 2006م، ص1087. مشار إليه في د.هيثم حامد المصاروة، أصول المحاكمات العمالية بين القبول والرفض، مرجع سابق ،ص27.
([6])أنظر قرار محكمة التمييز الأردنية ، هيئة عامة رقم  320/2015  الصادر بتاريخ 21/3/2015، والمنشور على الموقع الالكتروني الرسمي للمجلس القضائي الأردني على الرابط التالي :- http://www.jc.jo/node/3918 تاريخ الزيارة 19-6-2016 ، س12:35 ص. وجاء في قرارها هذا أنَّ  قانون العمل منح (أطراف عقد العمل العديد من المزايا، ومنها نظر محكمة الصلح المختصة بصفة مستعجلة في الدعوى، وإعفاء الدعوى من الرسوم ، ومنح القانون العامل كامل حقوقه وأحاطه بالعديد من الضمانات،  باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة العقدية . وبالاستناد للأسس السابقة فلقد رتب المشرّع في نص المادة (4/ب) من قانون العمل بطلان أي شرط في عقد العمل، أو أي اتفاق، يتنازل بموجبه أي عامل  عن أي حق من الحقوق التي منحه إياها القانون . وبما أنَّ التحكيم يُعَد طريقاً بديلاً لتسوية النزاعات خارج إطار القضاء، وهو طريق استثنائي على الأصل العام، وفيه يتكبد العامل رسوماً ونفقات ومصاريف يعفيه منها قانون العمل، فإنَّ شرط اللجوء إلى التحكيم في عقد العمل يُعد تنازلاً عن حقوق منحه إياها قانون العمل ، ويُشكل مخالفة لأحكام المادة (4/ب)  من قانون العمل،  وبالتالي فأنَّه يُعد شرطاً باطلاً ولا يرتب أثراً). وقد ردت المحكمة الطعن الذي تقدمت فيه شركة للاستثمار التجاري ضد سيدة كانت تعمل لدى الشركة، وكانت الشركة قد خَفَّضَت راتبها من 1300 إلى 750 دينارا، ووفق قرار المحكمة فإنَّ السيدة عملت لدى الشركة بموجب عقود عمل مستمرة متتالية، وقام مديرها بتوقيعها على عقد عمل جديد لمدة ستة أشهر، دون أنْ تُعطى صورة عن العقد، ودون أنْ يُسمح لها بالاطلاع على مضمونه، أو محتواه ،أو الجهة التي هي طرف في العقد، علماً بأنَّها عيّنت في العمل ذاته والوظيفة ذاتها، وتبين لها أنَّ الشركة خَفَّضَت راتبها إلى 750 دينار، ثم أنَّهت عقد عملها بزعم أنَّ إنهاء عملها جاء خلال فترة التجربة على العقد الجديد. – أنظر الخبر المنشور عن هذا القرار الهام في موقع عمون الالكتروني على الرابط التالي : http://www.ammonnews.net/artic le/242605