هناك جنود مجهولون لم تسلط الأضواء عليهم، كان لهم أثراً كبيراً جداً في رسم معالم الأحداث في فلسطين، وكان لمواقفهم ولدورهم نتائج مفصلية وتداعيات عظيمة حددت شكل وصورة الواقع الذي نحياه في وقتنا الحاضر، من هذه الشخصيات التي سمع عنها القليل والقليل منا اللواء أركان حرب أحمد فؤاد صادق من قبل؟!! إنه قائد القوات المصرية التي حاربت في فلسطين سنة 1948م، والذي حل مكان اللواء أحمد المواوي الذي تم عزله بعد الإخفاقات الكبيرة التي لحقت بالجيش المصري في معارك النكبة ... وللواء أحمد فؤاد صادق قصة بطولية تستحق النشر تبدأ عندما استغلت القوات الصهيونية حالة التمزق في الجيش المصري في الجبهة الجنوبية، وانسحاب الجيوش العربية خارج أرض فلسطين، فعمدت إلى تحقيق كسب سريع لمعركة حربية سريعة وحاسمة، فقامت بوضع خطتها لتطويق الجيش المصري وعزله تماماً وإرغامه على الانسحاب إلى الأراضي المصرية، وتمكنت في شهر ديسمبر1948م، من احتلال بعض المرتفعات المهمة، كمرتفع الشيخ نوران الواقع جنوب شرق مدينة خانيونس، بالقرب من الحدود المصرية الفلسطينية الدولية،كما احتلت تل حجة وتل الفارعة واستمرت في تقدمها وشنت مجموعة من الهجمات بهدف السيطرة على طريق غزة الرئيسي، الذي يربطها بمصر، وعلى خط السكة الحديدية الموازى للطريق العام، وتمكنت في22/12/1948م، من احتلال المرتفعات المعروفة بالتبة 86.
في أعقاب هذه التطورات الخطيرة في مجريات الحرب أصدر وزير الحربية المصري حيدر باشا أوامره بإخلاء غزة والانسحاب إلى رفح؛ ولكن اللواء صادق رفض الانصياع، وخالف الأوامر العسكرية ورفض تنفيذ أوامر حيدر باشا، ورفض الانسحاب وقال نصاً: ( إزاي انسحب وأسيب ربع مليون(عدد سكان منطقة غزة آنذاك) من إخوتي الفلسطينيين كالفراخ، يذبحهم اليهود وينتهكون أعراضهم ؟ أتريدون أن آخذهم معي إلى العريش؟ أم أدافع عن رفح؟ لا لن انسحب مهما كانت النتيجة ). بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قرر استعادة التبة 86،على الرغم من الظروف العصيبة التي عانى منها الجيش المصري في تلك الآونة، وبعمل بطولي تمكنت القوات المصرية من استعادتها وطرد القوات الصهيونية منها بعد أن كبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
هذا الموقف الرافض لتنفيذ الأوامر العسكرية القاضية بالانسحاب من منطقة غزة إلى رفح من قبل اللواء أحمد فؤاد صادق كان موقفاً شجاعاً ومتفرداً،لأنه بهذا الرفض أنقذ ما تبقى من اللواء الجنوبي وهو ما عرف فيما بعد بقطاع غزة من الضياع، وأبقى الجزء الأخير من أراضي جنوب فلسطين عربياً إلى يومنا هذا، وأنقذه من سيطرة إسرائيلية صهيونية مؤكدة، وأنقذ عشرات الآلاف من السكان من ممارسات العصابات الصهيونية الغاشمة التي ارتكبت في أنحاء متفرقة من فلسطين عشرات المذابح الدموية بحق المواطنين العزل لبث الرعب وإجبار المتبقين على الرحيل، فلو تخيلنا للحظة أن اللواء صادق انصاع لهذه الأوامر ونفذها، فان ذلك يعني أن إسرائيل سيطرت فعلياً وبالكامل على جنوب فلسطين، وأن مصير سكان هذه المنطقة أصبح بين خيارين إما القتل والإبادة وإما الطرد والتشريد.أخيراً ذكرت الوثائق التاريخية الخاصة بثورة 23الضباط الأحرار في مصر في يوليو 1952 أنه وقع اختيار الضباط الأحرار على اللواء صادق ليقود الثورة لكنه اعتذر لأسباب خاصة به فتم الاستعانة باللواء محمد نجيب الذي كان أول رئيس لمصر لفترة وجيزة بعد الثورة.
بقلم/ د.ناصر الصوير