هذه رسالة من القلب، أوجهها إلى الأخ الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، وفيها الكثير من العتب عليه؛ لأن ما يقوم به من إجراءات تجاه قطاعنا الحبيب لا يمكن فهمها في السياق الإنساني أو الوطني على الإطلاق.
كلمة الحقِّ مرَّة..
يا سيادة الرئيس.. إذا كان لكم عتبٌ على حركة حماس كونها أخطأت بحفك، فتذكر كم أنت - أيضاً - أخطأت بحقها وحق شعبك.
لقد قلنا إننا أخطأنا أكثر من مرة، وحتى خصمك محمد دحلان قد اعترف أيضاً بالخطأ، ولكنك - يا سيادة الرئيس - لم تبادلنا يوماُ الاعتراف بالخطأ!!
لا تنس - يا سيادة الرئيس - أنك قد طعنتنا في أعزِّ ما نملك وطنياً لحماية حقنا وكرامة شعبنا، وذلك حين تعمَّدت تبخيس الفعل المقاوم وتقديس التنسيق الأمني!!
لذلك، وبسبب مثل هذه المواقف قست قلوب الناس عليك، وطالتك ألسنة البعض بشدة، وتبادلنا من التهم – للأسف - ما لا يحفظ للود بقية.
آمل أن تتحملني سيادتك؛ لأننا هنا في قطاع غزة بمثابة المظلوم، الذي جرى على لسانه الجهر بالسوء من القول، والذي وإن كان غير محببٍ لنا، إلا أنه نزف الوجع والألم، ومتنفس للقهر وضيق الحال.
لقد تعلمت من أبي الأميِّ – يا سيادة الرئيس - ومن تربيتي في محاضن الحركة الإسلامية أن أقول كلمة الحق، وألَّا أخشى في الله لومة لائم، وألَّا أحقد على أحد، وأن أحب وطني وشعبه العظيم. ولذلك، كان الوطن - عنواناً وراية وأرضاً مباركة - أحبَّ إليَّ من كل ما سواه، وتتقدم مكانته في حساباتي السياسية على كل ما لدينا من التنظيمات والنعرات وصيحات الجاهلية.
يا سيادة الرئيس أنا لن استعرض بهذه الرسالة تاريخ العلاقة بيننا؛ من منَّا أصاب ومن أخطأ؟ حيث إن قناعتي أن كلَّ واحد منَّا له وعليه، وأن الحكمة تستدعي إيجاد السبيل لاجتماع شمل الوطن، حيث إن المفاتيح كلها - من وجهة نظري - بيديك، وأنت يا سيادة الرئيس ما تزال القادر على أن تأخذ سفينتنا كوطنٍ إلى برِّ الأمان، والكرة في ملعبك، وإن كنت تقول في تصريحاتك غير ذلك، وتحاول تحميل حركة حماس - ظلماً - المسئولية والأثم المبين!!
لقد أخطأت - يا سيادة الرئيس - بإجراءاتك العقابية تجاه قطاع غزة، وأنت تعلم أن شعبها الأبي لن يركع، ولن يخضع.. وإن كان من حولك يوهمونك غير ذلك.
أتمنى عليك - يا سيادة الرئيس - أن تجعل لمخافة الله مكاناً في قلبك، ولا تسمع لقول الكثير ممن حولك من بطانة السوء، وممن يذكروننا بالمنافقين من وعاظ السلاطين، واستمع إلى نبض شعبك الحي، وإلى أهل قطاع غزة الطيبين، والذين هم مثار العزَّ والكرامة والفخر لنا ولك.
أنت - يا سيادة الرئيس - في مشهد أهل غزة من يتربص بهم، ومن يُحرض الاحتلال عليهم، وأن كلَّ ما يدور في فكرك أو تفكر به البطانة من حولك هو كيف تُعاقب غزة، لتنخ وتأتي إليك أو لغيرك صاغرة؟! فيما خصمك اللدود محمد دحلان وهذا هو الواقع – يا سيادة الرئيس - لا يفكر إلا في كيف يمكنه التصالح مع حماس، ويمد يده لإنقاذ غزة، وكسب المزيد من ودِّ أهلها.
يا سيادة الرئيس.. إن بطانتك والمطبخ السياسي الذي يقدِّم لك الرأي بخصوص قطاع غزة هو من أجهل الناس بالسياسة، حتى ولو حمل أحدهم الشهادات العليا في مجال الاجتماع السياسي؛ لأنهم بصراحة من الفاسدين أخلاقياً ووطنياً، الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم الخاصة، ويتحاشون تقديم الرأي والمشورة الصادقة لك؛ لأنهم يعرفون أنها ربما تغضبك، كون الصورة كما نسمعها - يا سيادة الرئيس - أنك غاضبٌ ومتحامل على غزة وأهلها، ولا تحب حتى سماع ذكرها. لذا، فإنهم يتحاشون أن يمحضوك النُصح، ويفكرون دائماً بما يرضيك، ويعزفون اللحن الذي يتساوق مع ما يدور في عقلك ويخدم مصالحهم.
فيما خصمك اللدود محمد دحلان - وهذه هي الحقيقة المشهودة - يبحث ويتواصل مع كل من يقدم له النصيحة في كيفية حصول اختراق في علاقاته مع حماس والقيادات الوطنية في قطاع غزة.
إن قطع الكهرباء أو تخفيضها عن قطاع غزة - بطلب منك - هو موقف لا يمكن فهمه يا سيادة الرئيس، فهل يُعقل أن يأتي هذا الطلب منك؟! فيما نتانياهو؛ العدو اللدود لشعبنا، يبحث مع الأوروبيين حلولاً بديلة للتخفيف من معاناة أهل القطاع!! إنها حالة سريالية يصعب فهمها يا سيادة الرئيس!!
ألا تخشى - يا سيادة الرئيس - ونحن في شهر رمضان المبارك دعوة المظلومين من أهل غزة، وهم بسبب انقطاع الكهرباء لا يتركون دعوة في جوف الليل إلا بالدعاء عليك.
ألا تخشى - يا سيادة الرئيس - دعوة مشفوعة بالدمع لامرأة تحركت في ذلك الظلام الدامس من الليل لترضع طفلها فتعثرت وسقطت، وقامت تدعو عليك؛ لأنك من حرمها نور الكهرباء، فخرج دعاؤها مع صرخات طفلها من القلب: "يا رب عليك بعباس، وكل من تسبب بقطع الكهرباء عن الناس".
ومن سيدة مكلومة أو أرملة فاضلة قامت في منتصف الليل للتهجد وقراءة القرآن في هذا الشهر الفضيل، فحرمتها إجراءاتك بحق قطاع غزة أن ترى النور، فلم تجد ماءً للوضوء بسبب انقطاع الكهرباء، فبقيت إلى آذان الفجر تدعو عليك أن يخسف الله بك وبمن حولك الأرض، وأن يحرمكم بصر الرؤية وبصيرة الرشاد.
وأسرة اجتمعت على مائدة الإفطار أو في وقت السحور، ولكنها لم تتبين مواطن أصابع يديها الممتدة لتناول الطعام، فأخذ كلُّ واحدٍ منهم بالدعاء عليك.
يا سيادة الرئيس.. ابحث لك عن بطانة تُذكِّرك بما يقربك إلى كسب قلوب شعبك، وليس من يُغلظ صدور المستضعفين عليك.. فأنت – يا سيادة الرئيس - بحكم الشيخوخة على مسافة لحظة أو جلطة من القبر، فلا تجعل من مردوا على النفاق يوهمونك بالعمر المديد؛ لأن الأعمار بيد الله، "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".
فكر - يا سيادة الرئيس - بما سيكتبه التاريخ عن سيرتك، وبما سيبقى في الذاكرة الجماعية لشعبك من أثرٍ عنك.
ألا تكفي عشر سنوات من العداوة والبغضاء والفشل السياسي والخسائر الوطنية المتتالية لتعيد النظر في استراتيجية التعامل مع قطاع غزة، والقائمة على أسلوب الوعيد والتهديد.. ألم يأنِ لك – يا سيادة الرئيس – أن تفكر بسياسة جديدة، عنوانها الترغيب ومدّ الجسور لاستعادة غزة وأهلها؟
إن السياسة القمعية والإقصائية تجاه أهلك في قطاع غزة، والتي يشير لك بها جوقة من المنتفعين حولك، ربما يوهمونك أنها طوق النجاة لشخصك، ولكنها – بالتأكيد - هي الحالقة لتاريخك، وأنها وصفة الموت لشعبك وضياع وطنك.
نحن وأبو عمار في مشهد العلاقة والحوار
نحن - يا سيادة الرئيس - لم نتعود أن نخسر ساحتنا أو الناس من حولنا، برغم أخطانا السياسية التي لا ننكرها.. نعم؛ اختلفنا مع الشهيد القائد أبو عمار (رحمه الله)، ولكننا حرصنا أن تظل أبوابنا مثل قلوبنا مشرعة له، وكان هو أيضاً أشد حرصاً على التواصل وإبقاء حبال الود ممدودة مع قيادة حركة حماس، فقد اجتهد دائماً على وصل ما انقطع، وحافظ بذكاء ومسئولية عالية على "شعرة معاوية" رابطاً بيننا، حتى في أشد لحظات التوتر والصراع.
لقد اختلفنا مع الزعيم؛ أبو الوطنية الفلسطينية، ولكننا كنا نُقدِّر حرصه عل كسب حب شعبه له، وكنا نجد فيه (رحمه الله) الأب الحاني، فكنا برغم خلافنا معه ندعو له، ونسأل الله أن يلهمه الرشد، وأن يرزقه البطانة الصالحة، وأن يسدد خطاه.
نعم؛ اختلفنا معه، ولكننا حقيقة أحببناه، ودعونا الله أن يغفر له، وكان في المخيال الفلسطيني ذاكرة بطل، ولدى أصحاب الرأي والمنصفين هو الزعيم الذي اجتهد فأخطأ، فكان له أجر.
يا سيادة الرئيس.. إن حركة حماس حينما تعض على كل جراحات الماضي، وتفتح الطريق مع دحلان، فهذا ليس نكاية بك، ولكنَّ الرجل فيما يرشح لدينا من معلومات أنه قد تغير، ولغته السياسية غدت أكثر تصالحية، ويبدو أن لديه مشروعاً لإغاثة أهل غزة، وأن بصمات تحركه لتجنيب غزة وقياداتها تهمة الإرهاب ملحوظة. لذلك، كان التقارب بهدف إصلاح ذات البين مع جزء ملحوظ من كوادر وقيادات حركة فتح تحت قيادته في قطاع غزة، وكما كانت الاستجابة للجهود الخيَّرة لمصر لتحقيق مثل هذا التقارب، فنحن لا نريده أن يباعد بيننا، حيث نتطلع إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة وأيدينا ممدودة إليك.
يا سيادة الرئيس.. نحن لا نريد اشتراطات منَّا أو منك، ولتكن هناك جهة وطنية كالإطار القيادي المؤقت أو حتى عربياً كمصر يمكن أن نلتقي عليها، لتحكم لنا أو عليك، حتى يلتئم الجُرح ويجتمع الشمل.
اليوم، المشهد المجتمعي والرأي العام في قطاع غزة، أنك - يا سيادة الرئيس - فقدت البوصلة باتجاه قطاع غزة، وأنك تعمل على تجويع شعبها، وتركها لتغرق في الظلام، فلا يجد أهلها ما يسهرون عليه في رمضان إلا الدعاء عليك، فيما دحلان خصمك اللدود - يا سيادة الرئيس - هو من يحدد - الآن - بعض قواعد اللعبة، وضبط مسار البوصلة باتجاه الوصول إلى غزة، لإنارتها والتنفيس عن أهلها.
وفيما يصلنا من أخبار – يا سيادة الرئيس - فأن هناك من يخطط من طرفك بالتعامل مع قطاع غزة كإقليم متمرد!! ويقوم بالتحريض مع الطرف الإسرائيلي بغرض استهداف القطاع وإذلال أهله المكلومين، فيما يظهر دحلان في المقابل – يا سيادة الرئيس – بالمنقذ، الذي يمهد الطريق لإنعاش القطاع، وإخراجه من المأزق الكارثي الذي هو فيه.
نحن ودحلان والقضية الوطنية
يا سيادة الرئيس.. انظر إلى خلافنا مع دحلان، حيث كان بيننا وبينه ما صنع الحداد، والرجل قال فينا وقلنا فيه ما لا تُصلحه وجاهة قبائل العرب أجمعين، ولكن بعد عشر سنوات من المحنة الوطنية، ومن تراجع مكانة قضيتنا الفلسطينية، وتصدُّع الكثير من إمكانيات الصمود لدى شعبنا، والتواطؤ الذي شاهدناه عربياً على قضيتنا، والتآمر الأمريكي الإسرائيلي الذي يحاك على مقاومتنا وأشاوس شعبنا العظيم، بسبب كل ذلك آثرنا أن نعضَّ على جراحنا، وأن نتخطى ما لحق بكلِّ واحد منَّا من أذى وإهانات، وأن يتقدم كلُّ منَّا بخطوة تجاه الأخر لإصلاح ذات البين وشأن الوطن.. إنها السياسة والمسئولية الوطنية يا سيادة الرئيس.
صدقني - يا سيادة الرئيس - أن نظرتنا إلى دحلان ليس من وراءها إلا الرغبة في تجاوز كل ما وقع من أخطاء، والعمل على طي صفحة الماضي، بهدف إصلاح البيت الفلسطيني، الذي نعلم أنه لن يكتمل إلا بك، فلا تتمادى في الخصام؛ لأنك ما تزال ربان السفين، وأنت فينا وبيننا في موقع الخصم والحَكم.
إن دحلان - يا سيادة الرئيس - هو ابن المخيم الذي عرفناه، المخيم الذي تعيش بين جوانحه وتعشعش أخلاق الحارة والجوار، فهو حتى وإن صار مليونيراً فلن تسكنه نزعة الرجل الأرستقراطي، ولا فشخرة مجلسه أو لغة خطابه الاستعلائية؛ لأن ثقافة المخيم التي تعلمناها – يا سيادة الرئيس - ليس هي فقط وعثاء الفقر والجوع والحرمان، بل الأخلاق والسلوكيات والمُثل والمبادئ العالية، التي تنامت وترعرعت في أكناف ذلك.
دحلان - يا سيادة الرئيس – هو ابن المخيم كما السنوار وهنيِّة وأبو مرزوق، حيث يمكنك أن تجلس مع الواحد منهم، وتأكل معه، وتلاطفه بلغة شوارع المخيم مع ابتسامة صادقة من القلب، وتشعر أنه قريب منك برغم خلافك معه، فيما أنت - يا سيادة الرئيس - لا يعرف للأسف وجهك الابتسامة معنا، وهناك من يقول إنَّ لديك عقدة من غزة وأهلها، تجعلك تكره حتى الاتيان على ذكرها.
مرَّ رمضان – يا سيادة الرئيس - ولم نسمع أو نشاهد أنك قمت بتغبير قدميك بزيارة أسرة فقيرة في المخيم، لتسمع منها أوجاع الوطن وأنَّاته، فيما خصمك اللدود دحلان لا تنقطع راياته عن بيوت العزاء في قطاعنا الحبيب، وكانت طرود الغذاء - من طرفه - في هذا الشهر الكريم تمرّ على بيوت الفقراء والمحتاجين بسخاء، كمن يعسُّ بين الناس في الليل ليتفقد طاهي الحصى من بينهم، ويقوم بما عليه من واجب إنساني والتزام أخلاقي لوصل ما انقطع من تلك الأرحام.
أعرفت الآن - يا سيادة الرئيس - لماذا غدت غزة دحلانية الرغبة والهوى؟
إنها لقمة العيش والكرامة، والحاجة إلى الأمن والاستقرار وستر الحال يا سيادة الرئيس.
رمضان كريم، وكل عام - يا سيادة الرئيس - والوطن وأنت وشعبنا بألف خير.
د. أحمد يوسف