ثقافة الانتصار بتحقيق الهزيمة

بقلم: عدنان الصباح

سأل أحدهم الخر فيما اذا كانت لديه فكرة عن حل مشكلات الحرب من تخلف وفقر وبطالة وغيرها فاقترح الثاني ان يقوم العرب بإعلان الحرب على امريكا التي قطعا ستهزمنا وتحتل بلادنا وبالتالي تصبح ملزمة بحل مشاكلنا فرد السائل بسؤال ثاني وماذا لو انتصرنا عليها فاجب صاحب الاقتراح تلك هي المصيبة هذه النكتة متداولة في الاوساط الشعبية العربية بشكل طبيعي وبدون امعان للفكر بها فالنكتة حسب تعريفي لها هي نتيجة غير متوقعة لسرد طبيعي فالقصة ظلت هنا طبيعية ان نعلن الحرب لنحصل على ما نريد اي ان ننهزم وتحتل امريكا الوطن العربي لكن الغير طبيعي ان ننتصر نحن فالمتحدثين متفقين على ان تلك اذن مشكلة لا حل لها اي ان كل مشاكلنا تحل بهزيمة جديدة والنصر ذاته مشكلة لو حصل فعلا لأننا لم نعتده ولا نعرف كيف يمكننا التصرف تجاهه

منذ نهاية الحرب الاستعمارية الاولى وهزيمة المانيا ومعها تركيا وسيطرة بريطانيا على فلسطين ونحن لم نحرك ساكنا سوى الاحتجاج وارسال الكتب لرفض وعد بلفور والمطالبة بالاستقلال وكأن الاستقلال منحة بريطانية يمكن ان تمنح لنا وبعكس الحركة الصهيونية التي اعلنت عن قيام دولة الاحتلال فور اعلان بريطانيا عن انتهاء انتدابها لفلسطين ظللنا نحن نبحث عمن يعطينا الدولة وحتى المحاولة الخجولة بالإعلان عن حكومة عموم فلسطين وأدناها في مهدها وبأيدينا وكأن بنا فعلا لا نستطيع تحمل مسئولية انفسنا او اننا نخشى الحرية والاستقلال

الفهم المتناقض لصراعنا مع المحتلين كان ولا زال له كبير الأثر على قدرتنا على ادارة المعركة فمن عاش على هدي فكرة الحق التاريخي لشعبنا في بلادنا كان كمن يقول ان هناك شك بالأمر وراح يقدم الدلائل والإثباتات لنجد انفسنا اليوم امام من يصرخ معتذرا كولي عهد البحرين او رجل رجال دين مسلمين وأشباه مثقفين وساسة عرب يعلنون اليوم علنا عن حق لليهود في القدس وفلسطين ويسكتون عن تحريفات وتعديلات بقرارات اليونسكو فيما يخص فلسطين والقدس ويقبلون بذكر الحق اليهودي هنا ومفتي السعودية يتحدث عن عدم جواز مساعدة حزب الله ضد اسرائيل وعدم جواز التظاهر لنصرة الفلسطينيين وصار بإمكان القادة العرب ان يعلنوا علنا علاقتهم بإسرائيل بكل اشكالها بما في ذلك التعاون الامني وخصوصا ضد ايران ومنذ حرب الخليج والنظام الرسمي العربي يشارك اسرائيل مشروعها متغاضية كليا عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتدريجيا تتنصل الدول العربية من مهمة تحرير فلسطين

حتى حرب اكتوبر المجيدة حولتها السياسات الضعيفة والشعور بالدونية لدى الساسة العرب ونموذجهم السادات وهو رئيس اكبر دولة عربية استطاع ان يجعل منها هزيمة وقدم النصر على انه فقط دعوة للتقارب مع امريكا لا اكثر ولا اقل وقدم تنازلات لا حدود لها لدولة الاحتلال الامكانيات العظيمة للعراق وقواه وخطابه القومي ذهب جميعه ادراج الرياح في حرب غير مقدسة على ايران واحتلال للكويت وتجييش للعالم بما فيهم الغالبية العظمى من العرب ضد العراق حتى اخضاعه للاحتلال وهذا تكرر اليوم في ليبيا واليمن وسوريا وينبغي ملاحظة ان الدول التي استخدمت حتى الخطاب اللفظي القومي والمعادي لاسرائيل دفعت الثمن ولا زالت تدفعه كالعراق وسوريا وليبيا واليمن بينما نجت الانظمة التي تدور في الفلك الامريكي والصهيوني من اي اهتزازات

ادارة الرئيس الامريكي الاكثر وضوحا استطاعت ان تعري وجوه الحكام العرب وخصوصا بعد الزيارة الاخيرة لترامب للسعودية وحصوله على كل الدعم السياسي لمشاريعه وكذا الدعم المادي الغير محدود حد اعادة السيطرة الامريكية عمليا على الاقتصاد السعودي حد افقار السعودية التي تعاني من ازمات مالية خصوصا بعد الحرب على اليمن والانغماس بوحلها والانغماس بجريمة تدمير سوريا وقد عاد ترامب الى بلاده بعد ان تمكن من اشعال الضغائن وحرق السفن بين الدول العربية والاسلامية واصبح وحده القاسم المشترك الاعظم بعد ان تعهد له الجميع بقبول اسرائيل والقبول بحقها في بلادنا وحماية وجودها والقبول بها كجسم طبيعي بل وحليف مشارك بالحرب على ارهاب سوريا وايران وحماس وحزب الله ويتسابق العرب جميعا على رضا ترمب شاتمين بعضهم قابلين برؤيته لدينهم وبلادهم ومستقبلهم الاسوأ وبذا فاننا نكرس حقيقة اننا ننتصر بالهزيمة وقد كانت نتائج زيارة ترامب للسعودية الاثبات الاكبر على ذلك.

بقلم/ عدنان الصباح