استجاب الاحتلال الإسرائيلي لطلب السلطة الفلسطينية، وشرع في تقليص كمية الكهرباء الموردة لسكان قطاع غزة، وفي المقابل استجابت السلطة الفلسطينية لطلب الاحتلال الإسرائيلي، وشرعت في إلغاء هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ليتم دمجها ضمن وزارة الشؤون الاجتماعية.
قبل عشرين عاماً، كانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين جزءاً من وزارة الشؤون الاجتماعية، وهذا ما لم يرق للأسرى في حينه، ليتم التوجه بطلب إلى الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات بأهمية تشكيل وزارة شؤون الأسرى والمحررين، وذلك إعلاءً لشأن الاسرى، وتقديراً لدورهم في تحرير الأرض من المحتلين، وكي لا ينظر إليهم على أنهم متسولين للمساعدة من وزارة الشؤون الاجتماعية، وحتى لا تقف ام الأسير وزوجته وأولاده في طابور الفقراء والمعوزين.
وقد وقعت شخصياً في ذلك الوقت مع عدد من أعضاء المجلس الوطني على رسالة موجهة إلى الرئيس الشهيد ياسر عرفات، تطالبه فيها بدعم مطالب الأسرى بهذا الخصوص، وفي السياق ذاته، تم تشكيل وفد كبير من الأسرى المحررين لمقابلة وزيرة الشؤون الاجتماعية أم جهاد الوزير، وقد تم تكليفي شخصياً من قبل الأسرى المحررين للتحدث باسمهم أمام الوزيرة أم جهاد، وحثها على دعم مطالب الأسرى، بالاستقلال بوزارتهم بعيداً عن وزارة الشؤون الاجتماعية، وقد استجابت الوزيرة مشكورة لمطلبنا، ووعدت بدعم مطالبنا العادلة لدى الشهيد عرفات.
في شهر 9 من سنة 2014 تم إلغاء وزارة شؤون الأسرى والمحررين، وذلك استجابة للضغوط الإسرائيلية، وتم تحويل الوزارة بأبعادها المعنوية إلى هيئة شؤون الأسرى والمحررين، لتتبع منظمة التحرير الفلسطينية، وتخضع لإشرافها، وإشراف الرئاسة الفلسطينية، وفي هذا التحويل إنقاص من قيمة الأسرى، وتسخيف لمكانتهم التي انتزعوها بسنوات عمرهم خلف الأسوار.
كان الهدف الإسرائيلي من إلغاء وزارة شؤون الأسرى والمحررين هو التأكيد على السياسة الإسرائيلية؛ التي رفضت تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأسرى الفلسطينيين، واعتبرت الأسرى سجناء أمنيين، بل تعاملت معهم على أنهم مخربون، لا حق لهم بالحرية، ولا حق لعائلاتهم بالحياة الكريمة، وعليه فإن قضيتهم السياسية التي دافعوا عنها كانت باطلة، وسنوات سجنهم تمثل الإرهاب، وعائلاتهم حواضن للعنف، ولا حق للإرهابيين بالحياة.
اليوم تواصل إسرائيل فرض سياستها، وإملاء إرادتها، وتطالب بإلغاء هيئة شؤون الأسرى والمحررين نفسها، وتضع ذلك شرطاً لاستئناف تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، ولاسيما بعد أن صادقت الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون خصم مخصصات الشهداء والأسرى من أموال الضرائب المحولة للسلطة الفلسطينية.
قضية هيئة شؤون الأسرى والمحررين لا تقف عند أبعاد فرض الإرادة الإسرائيلية على قيادة السلطة الفلسطينية في هذا الأمر فقط، ولا يمكن حصرها في الخضوع الفلسطيني للأوامر الإسرائيلية في هذا الشأن فقط، قضية وزارة شؤون الأسرى والمحررين عنوان للمرحلة القادمة من التنازلات بلا حدود، ومن التراجع، والانحناء أمام الضغوط الإسرائيلية التي لن تقف عند حدود المستوطنات التي وافقت اللجنة المركزية لحركة فتح على تبادل الأراضي معها بنسبة تصل إلى 12%، ولن تقف عن حدود فصل غزة عن الضفة الغربية، وقطع رواتب موظفيها، وتقليص كهربائها، ولن يقف التنازل عند حدود الاعتراف بأن حائط البراق هو المكان المقدس لليهود، قضية التنازل الرخيص ستجتث القضية الفلسطينية من جذورها، وستقضي على أي أمل للفلسطينيين بالعيش فوق تراب وطنهم بحرية وكرامة.
د. فايز أبو شمالة