دحلان يكسب

بقلم: طلال الشريف

أمام ديكتاتورية الجيوبولتكس تحضر أو تغيب تتراجع أو تتقدم جيوش الحرب أو مقاولات المصالحات أو مفاوضات السلام فلا فرق إلا في الخسائر وضياع الوقت على المحاصرين معنويا وجسديا في سجن غزة الكبير أومعتقل فلسطين الأكبر
الجيوبوليتكس بمعناها العربي الجغرافيا السياسية التي تتابع إرتكازاتها عبر خطوط عرض وطول تؤتر في الأمن القومي للدول ذات المساحة الجغرافية والسكانية الأكبر ومركز تلك الدول على مقياس القوة الحربية في تعداد وعدة الجيوش والأجهزة الأمنية والإستخبارية والأهم الأهم ما تمكله تلك الدول من مركز الفعل السياسي والثقافي وتاريخ صراعها مع المنطقة المحيطة بها ومكوناتها ما يجعلها من الثوابت في عملية بناء المواقف السياسية في الظروف الطبيعية وحتى في الظروف الإستثنائية التي لا تلبث أن تمتد طولا أو قصرا حتى تعود إلى واقع تفرضه ديكتاتورية الجغرافيا السياسية من جديد لتمحو ثار الزمن الإستثنائي الذي مرت به والكلام هنا يتعلق بجمهورية مصر العربية بالتحديد
الثابت الذي تحدثت عنه هنا كان من نصيب من قرأ السياسة تاريخيا مقرونة بالجيوبوليتكس بشكل أعمق دون شطط أو تردد مبني على مصلحة نية أو عاطفية أو مصلحة تكتيكية ضيقة وعليه كان دحلان الرابح الوحيد إستراتيجيا في العلاقة مع متغيرات المنطقة والإقليم حيث هما نقطتا الإرتكاز الأساسيتان لتحرك أي طرف فلسطيني من الأطراف السياسية الثلاث المتصارعة في فلسطين
من يقود السياسة القادمة في فلسطين عباس أم دحلان أم حماس أم جميعها أم خليط منها وهنا لابد من تفكيك الحالة وتحليلها بالشكل الصريح
سؤال مركب تظهر في إجابته ثلاثة مشاهد تتداخل في بعض من خلفياتها لكن في الجوهر والتجريد لابد هنا من تحديد عناصر القوة في المشاهد الثلاثة للإجابة عمن سيصنع الفعل في الزمن القادم
المشهد الأول عباس على خلاف غير مرتجع مع دحلان ولا يلتقيان ولن يلتقيا وعباس ليس لديه ما يفيد لحماس من إمكانية المصالحة التي ذهبت أدراج الرياح ودخلت مشروع العقوبات وكسر العظم بهدف إنصياع حماس لترك الحكم في غزة وتظهر في المشهد الحالة الشعبية التي تتأثر سلبا ومعاناة بخطة عباس وإجراءته من خصم وقطع رواتب وتقاعد مبكر وتقليص خدمات ويظهر في المشهد أيضا فتور في العلاقة مع قوى منظمة التحرير ومعارضة تشتد أحيانا بالإستفراد بالمراسيم والقرارات لحقبة من الزمن أظهرت هذه القوى بالتوابع غير المؤثرة في قرارات القيادة الرسمية لمنظمة التحرير وتتراخى أحيانا تلافيا لعقوبات الإستحقاقات المالية التي قد يتخذها عباس بحقها وتظهر أيضا في الصورة هيئة العلاقات العربية الباهتة بالنظام السياسي الفلسطيني وقيادته إلا من إعتبارات بروتوكوليا في علاقات تلك الدول بقيادة عباس خاصة بعد رفضه مبادرات مصر والرباعية العربية وتظهر في الصورة أيضا التنسيق الأمني وعدم دعم انتفاضة القدس واضراب الأسرى وقطع رواتبهم عقابا جبريا من الولايات المتحدة واسرائيل للظفر بخطة سلام مقلصة سيفرضها ترامب على قيادة المنظمة والسلطة المتماهيتان الن جبرا من عباس خلاصة القول قيادة يلة للسقوط لن تستطيع الفعل في الزمن القادم
المشهد الثاني حماس على خلاف أصبح غير مرتجع مع عباس بعد دخول خطة كسر العظم بينهما لإخضاع حماس بإجراءات تقليص الخدمات عن قطاع غزة ومحاولة وضع حماس في الزاوية مع أزمتها المالية وأزماتها التحالفية خاصة مع قطر وتركيا بعد مؤتمر الرياض بين ترامب والعرب والمسلمين وفتح الطريق لوضع حماس على قائمة الإرهاب لمعاقبتها وكان خرها تقديم مشروع للأمم المتحدة من مندوبة الولايات المتحدة لإعتبار حماس منظمة إرهابية وهذه قضية لها مخاطر الحرب والتصفية والتجفيف إذا ما نجحت بغض النظر عن صحة هذه المواقف فكم من قرار صدر من الأمم المتحدة على باطل ولكن كان الثمن فادحا مثل العراق وسوريا وحتى ليبيا ويظهر في المشهد حالة فقر الدم والذبول الشعبي بعد تفرد حماس بالحكم في غزة عقد ونيف وتراجع شعبيتها في غير أوساط الحمسايويين على الأقل ووصولهم لطريق مسدود لحل أزمات الناس وتأمين مستقبل خريجيهم من الشباب وعدم قدرتها على تلبية الخدمات وتسهيلات الحركة للجمهور فأصبحوا بمثابة رهائن ينتظرون الفرج وستظهر في الصورة بشكل أوضح قريبا مواقف العرب والمسلمين في التخلي عن حماس بعد موقف الولايات المتحدة وترامب ولذلك حماس أصبحت تتحدث وتتصرف بشكل إحتمائي مع مصر وتتفق مع دحلان لتقليل ضغط عباس عليها وكل ذلك له إستحقاقات تجعل العلاقة أكثر انفتاحا على مصر ودحلان لتتنفس وحماس مجبرة في النهاية على تنسيق أوسع تتنازل لمصر ودحلان عن الكثير وخاصة عند صدور قرار في الأمم المتحدة بإعتبارها منظمة إرهابية وأمام ضغط الشارع واحتياجاته في الزمن القادم لأن ظروف غزة لم يعد يطيقها أهلها الخلاصة مصير حماس على المحك ومنشغلة من الن فصاعدا في حماية الذات وكيفية إستمرارها كحزب سياسي ععادي وحماس ليست قادرة على الفعل السياسي في الزمن القادم حتى لو اندلعت الحرب فالنتائج لن تعيد حماس لمركز الفعل
المشهد الثالث
دحلان وعلاقته بعباس غير مرتجعة وهو ليس بحاجة لها في مواجهة القادم فالندين له في حالة ضعف وهو يراكم عناصر قوة جديدة بعد الذي تحدثنا عنه من تمسكه بالعلاقة مع الجيوبوليتكس المصري وهذا ثابت وهو متفرد به يمتاز عن عباس الذي يضيعه بالوقت الخاصة وتكبير مساحة المناوئين له داخليا وخارجيا وحماس التي تحاول استعادة علاقاتها مع مصر لكن الظروف تغيرت على الجميع بعد مؤتمر الرياض وما قد يحدث من قرارات في الأمم المتحدة بشأنها الخلاصة دحلان يراكم المكاسب والأصدقاء والمد الشعبي المؤيد له في الداخل والخارج ويحاول المساعدة في تخفيف معاناة أهل غزة وتوسيع العمل في الضفة الغربية ولديه جدر حماية صلبة في الجيوبوليتكس ودول الرباعية العربية وتصحيح العلاقة مع حماس وهو القادر أن يكون في مركز الفعل في الزمن القادم في حال السلم أو الحرب وفي حال المصالحات أو المفاوضات أو حتى إجراء الإنتخابات في الوطن في أي وقت قادم وهي السياسة التي لا تحتمل الفراغ والأهم دحلان ليس في موقع صنع القرار الرسمي وتبعاته سواء في الضفة أو غزة لكنه الأقل زنقة أمام الجمهور من حماس وعباس
وبالنتجة سواء كانت الحياة السياسية القادمة يقودها طرف أم مشاركة بين الأطراف فصاحب الفعل المركزي هو من راكم ثوابت الجيوبوليتكس والتواجد على الأرض أي الشعبية السكانية ومفايتح رفع المعاناة عن الشعب والعلاقات مع النظام السياس داخليا والعلاقات الجيدة خارجيا
216217م

د طلال الشريف