تحدث النائب مشير المصري في مهرجان خطابي قبل يومين، قائلاً: "إن حركة حماس نمتلك عدة خيارات لفتح الأبواب المغلقة، وأضاف: إننا ندير المعركة السياسية بكل حكمة"!!
أخي سعادة النائب والداعية الإسلامي الشاب مشير المصري (أبو بكر) دعني كأخ وصديق اختلف معك، إذ ليس أمامنا إلا خيارات الضرورة؛ فالأبواب ليست مشرعة كما كانت قبل عشر سنوات مضت، حيث إن حجم التآمر على حماس كبير، ولا أحد يريدها على خريطة الفعل السياسي، كما أن البعض يعمل على شطبها كفصيل مقاوم، حتى من داخل البيت الفلسطيني للأسف.
لو كانت الأمور بالشكل الوردي الذي تطرحه - يا أبا بكر - لما كنا بحاجة للجوء إلى خيار غير قادرين حتى اللحظة بالحديث عن تفاصيل ما تم فيه من تفاهمات، وأننا من باب الحذر نترك لهذه التفاهمات أن تمضي في طريقها بصمت، على أمل أن تساعدنا تفاعلاتها الإيجابية على الأرض لتأمين القناعة بها بين قواعدنا، ومن له اعتراض على هذا التحرك من خارج صفوفنا.
وبرغم انتصاري واستعدادي للدفاع عن الخطوة التي اتخذتها الحركة تجاه النائب دحلان في سياق الرؤية السياسية، وبهدف الخروج من مأزق وجودنا بين قطبي الرحى، وأملاً في أن نطوي صفحة من الخلاف أضعفتنا جميعاً، إلا أنها خطوة كانت تستدعي بعض الحوارات الداخلية، لمعاينة ما لها وما عليها من ناحية المكاسب والعواقب، التي يمكن أن تترتب عليها محلياً وإقليمياً، ثم المضي قُدماً لكل من يريد أن يكون واثق الخطوة في أي تحرك وفي أي اتجاه.
إن الكل في ساحتنا يعلم أن ما اتخذناه من تحركات في القاهرة، وما انتجناه من تفاهمات كان هو خيار الضرورة، وكذلك الرغبة في تحريك المياه الراكدة، ورسالة إلى الإخوة في رام الله أن البديل حاضر، ومع ذلك فنحن جاهزون ضمن اتفاق القاهرة لتحقيق المصالحة مع الكل الوطني بما في ذلك دحلان خصمنا اللدود، وهذا ليس عيباً ولا منقصة؛ حيث إن حسابات السياسة هي حقيقة حسابات الضرورة والمصالح، وأن هذه الخطوة وهذه التفاهمات مع فتح دحلان كانت ممراً إجبارياً بهدف التخذيل عن هذه الحركة العظيمة، وتحقيق انفراج في العلاقة مع دولة مصر الشقيقة، باعتبار أن مثل هذه الخطوة إذا ما كللت بالنجاح؛ فإنها سوف تخدم تطلعاتنا الاستراتيجية في تعزيز العلاقة مع مصر الشقيقة، وسوف تعمل على توسيع دائرة بناء الثقة بيننا، وربما تمهد الطريق إلى مصالحة وطنية واسعة مع ما تبقى من الخصوم، وبرعاية مصرية ينتظرها الجميع.
أخي سعادة النائب والداعية أبا بكر.. نعم؛ في إطار التعبئة والإبقاء على أجواء التفاؤل وشعلة الأمل متقدة يمكننا تقبل بعض ما تتحدث به أنت وغيرك من قيادات هذه الحركة العظيمة، ولكن برجاء عدم الافراط بما يوحي أننا في قطاع غزة بحالة من الخير والعافية.
أخي أبا بكر.. نحن شعب عالي الثقافة والفهم، والكثير منا مؤطر سياسياً، ومصادرنا للمعرفة متعددة، والناس يا صديقي تقرأ وتتابع وتتعلم بلغة الواقع والأرقام أننا لسنا بعافية سياسية ومعيشية على مستوى قطاع غزة، وأيضاً في علاقاتنا الإقليمية والدولية.
إن حالتنا كفلسطينيين كارثية، ليس فقط من باب أننا منقسمون على أنفسنا، وأننا عاجزون برغم ذلك عن لملمة الشمل، وتخطي مأزق الانقسام وتداعياته، ولا نملك كذلك إلا لغة الاتهام والتشكيك وتوجيه الملامة والعتاب كل منا تجاه الآخر. بل لأننا أيضاً على المستوى الإقليمي محاصرون، وهناك من يعمل على تضييق الخناق علينا، وتسويق دعوات الصهاينة والأمريكان باتهامنا بالتطرف والإرهاب!!
أخي أبا بكر.. إنني اتفهم لغتك كداعية وخطيب، ولكن صورتك كرجل سياسةٍ ونائب في التشريعي هي التي تسكن في أذهان الناس. لذلك، أرجو عندما تتحدث عن الخيارات لا تبالغ في المسألة، وكأننا فعلاً نمتلك الكثير منها، أو أننا في ترفٍ منها، فإن هذه اللغة تخدعنا، ولا تعكس حقيقة المأساة التي نعيشها ونتوجع منها، ولا تخطئها عين أحد.
أخي العزيز أبا بكر.. لسنا شعباً "عقله في أذنيه"، بحيث تطربه الكلمات المنمقة وجماليات اللغة ومفرداتها، نحن شعب مضى على محنتنا الوطنية أكثر من عقد من الزمن، وقد أكل بعضنا خشاش الأرض، وطحن بعضنا الآخر الحصى وشربه لبناً ليستقوي به على الموت. ولذلك، نأمل منك ومن غيرك ألا تستخفوا بعقول شعبنا، والتعاطي معه كشعب مثقف، يفكر بكل ما تقولون، ويتدبره بميزان الواقع، ثم يحكم على مصداقية ما فيه من الوعد والوعيد.
إن كل ما أرجوه أخي الكريم - بكل ما لك من قامة وهيبة - هو أن تتذكر - وأنت تُقدم كل ما هو خارج "وعظيَّات المساجد" - بأن الناس اليوم تسمع بعقولها وليس فقط بأذنيها، وهي تنتظر من الرائد في جنبات بيتها أن يخبرها الحقيقة، وألا يفرط في الخطاب، حيث إن معطيات الواقع تبدو كثيراً متناقضة مع ما نسمع.
احترمك كخطيب وداعية، ولكن في السياسة - يا صديقي العزيز - اعذرني، حيث لي وجهة نظر أخري.
احمد يوسف