وما زالت الخليل صعبة المراس كأهلها الكرام

بقلم: أوس أبوعطا

تقع مدينة الخليل على المرتفعات الجنوبية للقدس، وتبعد عنها 44 كلم، وهي ترتفع عن سطح البحر 927م.
كانت الخليل في العصور القديمة تحمل اسم أربع نسبة لبانيها، وفي أوائل القرن التاسع عشر للميلاد سكنها نبي الله إبراهيم عليه السلام، وفي منطقة بلوطات ممرا الواقعة شمال الخليل، ولما توفيت زوجته سارة عليها السلام دفنها في مغارة المكفيلة التي اشتراها هي وحقلها من عفرون بن صوحر الحثي ، ولما توفي عليه السلام، ومن بعده اسحق و زوجته رفقة عليهما السلام، دفنا في المقبرة المذكورة، وكذلك تم نقل رفات نبي الله يوسف عليه السلام إلى نفس المقبرة .
دعيت تلك البلدة فيما بعد باسم حبرون نسبة إلى أحد أولاد كالب بن يفنة، وفي أيام الرومان أقيمت كنيسة على مقبرة إبراهيم عليه السلام وعائلته، ولما دخل الفرس عام 614 م هدموها، حتى لم نجد لحبرون ذكرا في الفتوحات الإسلامية .
في العهد العربي الإسلامي ذكر المؤرخون والرحالة، الخليل، بأسماء مسجد إبراهيم، حبرى، حبرون، والخليل الذي غلب أخيرا على كل الأسماء.
وصل عدد سكانها عام 1980 م إلى 50 ألف نسمة، مع هجرة الكثير من أبناءها إلى خارج فلسطين من أجل العمل، و من العائلات التي تنتمي إلى الخليل الجعبري، القواسمة، التميمي، يغمور، النتشة، أبورميلة، وغيث .
يوجد في الخليل أكثر من عشرين مستعمرة مقامة على أراضيها التي صادرتها سلطات الاحتلال العنصرية لهذا الغرض.
و تحتوي مدينتنا التاريخية على الكثير من المواقع الأثرية منها بلدة تريبنتس كانت تقوم على البقعة المعروفة باسم رامه الخليل ، إلى الشمال من مدينة الخليل وتبعد عنها 2.5 كلم، ويذكر في كتب التاريخ أن نبينا إبراهيم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام أقام فيها غير مرة، وهناك بشرت الملائكة سارة بمولودها إسحق عليهم أفضل الصلاة والسلام .
مجزرة في رابع أقدس مسجد للمسلمين
تعد مدينة الخليل مركزا لبعض المتطرفين من المستوطنين اليهود، نظرا لأهميتها الدينية.
وإن جاز القول فالخليل ثاني مدينة مقدسة في أرض فلسطين الحبيبة بعد القدس الشريف.
و هي من ضمن المدن الواقعة تحت نير الاحتلال الصهيوني بعد نكسة حزيران 1967، و الخليل ذات كثافة سكانية عالية، وكل أهلها مسلمون، فعمدت السلطات الغاشمة اليهودية على وضع خنجر مسموم داخل قلب هذه المدينة الطاهرة ألا وهو مستوطنة كريات أربع ، لتكون ذريعة للتدخل اليهودي ، ويقدر عدد سكانها بأربعمائة صهيوني ، تم سوقهم من أرذل وأدنى شعوب العالم شرقا وغربا، أغلبهم متدينون شديدو البغض والكره للمسلمين بصورة تفوق نظرائهم اليهود العاديين.
تاريخ المذابح اليهودية للعرب المسلمين طويل وأليم وشديد البشاعة والفظاعة، فديدن كل زعيم صهيوني أن يشرف على مجزرة تكون في سجله المشرف عند اليهود، فشارون صاحب مذبحة صبرا وشاتيلا، و بيجن صاحب مذبحة دير ياسين وكفر قاسم، و شامير صاحب مذبحة فندق الملك داود بالقدس، و بيريز الحائز على نوبل للسلام صاحب مذبحة قانا .
في الخامس والعشرين من شباط عام 1994، فجر يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان، نفذ الإرهابي باروخ غولدشتاين، بمشاركة قوات الاحتلال الإسرائيلي وجموع مستوطني كريات أربع، المجزرة البشعة التي تنم عن حقد دفين بحق الفلسطينيين.
وعند تنفيذ المذبحة قام جنود الاحتلال المتواجدون في الحرم بإغلاق أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم للوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وأثناء تشييع جنازات الشهداء ما رفع مجموعهم إلى حوالى 50 شهيدا، 29 منهم استشهدوا داخل المسجد.
وفي اليوم نفسه تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية وقد بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال إلى 60 شهيدا.
وأغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكلت ومن طرف واحد لجنة العار شمغار، للتحقيق في المجزرة وأسبابها، وخرجت اللجنة في حينه بعدة توصيات، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، وفرضت واقعا احتلاليا صعبا على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه حوالي 60 بهدف تهويده والاستيلاء عليه، وتكرر منع الاحتلال رفع الآذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة.
ويضم القسم المغتصب من الحرم مقامات وقبور أنبياء، منها قبر سيدنا يعقوب وزوجته، وقبر سيدنا إبراهيم وزوجته سارة، وقبر سيدنا يوسف، إضافة إلى صحن الحرم وهي المنطقة المكشوفة فيه.
كما وضعت سلطات الاحتلال بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل، وأغلقت معظم الطرق المؤدية إليه في وجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات أمنية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخان الخليل، وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
وعزز جنود الاحتلال الإجراءات الأمنية على مدخل الحرم، حيث توجد بوابة إلكترونية، وما يسمى ببوابة القفص، ونقاط المراقبة على باب الأشراف، كل هذا في مساحة لا تزيد عن 200 متر مربع، إضافة إلى وضع 26 كاميرا داخل الحرم، وإضاءات كاشفة ومجسات صوت وصورة، وإغلاق جميع الطرق، باستثناء طريق واحدة تحت السيطرة الإسرائيلية.
وأوصت لجنة شمغار الإسرائيلية، بفتح الحرم كاملا 10 أيام للمسلمين في السنة فقط، وكذلك فتحه كاملا أمام اليهود 10 أيام.
يذكر أن المجرم باروخ غولدشتاين الذي كان يبلغ من العمر 42 عاما عند ارتكابه المجزرة يعد من مؤسسي حركة كاخ الدينية، وقد قدم من الولايات المتحدة الأميركية عام 1980 وسكن في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي مدينة الخليل .
لقد لاقت مذبحة الحرم الإبراهيمي تأييدا من الغالبية العظمى في الكيان الصهيوني، وعندما سئل الحاخام اليهودي موشي ليفنغر عما إذا كان يشعر بالأسف على من قتلهم غولدشتاين، رد قائلا إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة. ذكر ذلك الكاتب اليهودي يسرائيل شاحاك في كتابه الشريعة اليهودية. هذا ويعتبر اليهود جولدشتاين بمثابة قديس، كما وجعلوا من قبره مزارا، وقد خصص الكيان الصهيوني عددا من جنود حرس الشرف الذين يؤدون له التحية العسكرية كل صباح إلى يومنا هذا. ويقول الكاتب اليهودي شاحاك في كتابه المذكور أن الشريعة اليهودية هالاخا تطالب في الحقيقة كل يهودي القيام بنفس ما قام به غولدشتاين، ولدعم ما يقول فقد ساق في كتابه كلمات الحاخام دوف ليور الذي وصف فيها جولدشتاين بالمؤمن التقي، وأن ما فعله كان من أجل الرب وباسمه.
وقد مادت البلاد والشعوب العربية و المسلمة وقامت المظاهرات في شتى أنحاء المعمورة، ولكن انفض كل شيء بعد ذلك، وذهبت دماء الضحايا هباء وتحجج الكيان الصهيوني بأن باروخ جولدشتاين هذا كان مجنونا يعالج نفسيا وغير مسؤول عن أفعاله، وهكذا يتم استغفال الشعوب وخداعهم بفضل وسائل الإعلام المنحازة التي لا ترى الحق والحقيقة إلا عبر منظارهم الأعمى، وما حدث يؤكد أن الصهيونية العنصرية هي جذر الإرهاب الضارب في الإنسانية .
ولا بد من الإشارة أن الخليل تقع في منطقة جبلية، ومن الجبال فيها السنداس 930م جالس987م، وخلة بطرخ 1020م و رأس طورا 1012 م، وتنتهي مياه مرتفعاتها إما إلى البحر الميت أو نهر صقرير أو وادي غزة أو وادي الحسي .. ومن عيونها الطواشي، المسجد، سارة والحمام .
من أشهر مزروعات الخليل العنب والزيتون والمشمش .
يمتاز أهل الخليل بالحمية ومقاومة العدو ويتندر عليهم أهل باقي المدن بأنهم شدي العناد و صعبي المراس ويذكر من شهدائها البواسل على سبيل المثال لا الحصر محمد جمجوم وعطا الزير أبطال ثورة البراق .
وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونيسكو يوم الجمعة 772017 إدراج المدينة القديمة والمسجد الإبراهيمي في الخليل الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي رغم الاعتراض على القرار من قبل السلطات في إسرائيل.
كما وضع القرار الصادر عن إحدى لجان المنظمة المدينة والمسجد، الذي يسميه اليهود كهف البطاركة، على قائمة المواقع المهددة.
نبارك لشعبنا الفلسطيني ولعموم شعوب الأرض قرار اليونيسكو، فالخليل عصية كأهلها .
المصادر والمراجع
الموسوعة الفلسطينية دمشق1984
تاريخ فلسطين الحديثد.عبدالوهاب الكيالي
فلسطين أرض الحضارات د.شوقي شعث
عبد الوهاب المسيري اليهود واليهودية والصهيونية مذبحة الحرم الإبراهيمي

أوس أبوعطا كاتب وشاعر فلسطيني